كارت أحمر للأمير.. أسرار إطاحة تميم بشريكه فى الانقلاب على والده

السبت، 01 فبراير 2020 01:36 م
كارت أحمر للأمير.. أسرار إطاحة تميم بشريكه فى الانقلاب على والده
تميم
دينا الحسينى


 
 
 
«قل عزل ولا تقل استقالة».. كان هذا هو الوضع الذى عاشته إمارة قطر الثلاثاء الماضى على وقع الخبر الذى بثته وكالة الأنباء القطرية بقبول تميم بن حمد استقالة رئيس الوزراء عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثانى، وتعيين خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثانى رئيسا جديدا للوزراء.
 
الخبر يوحى أن هناك تفاهما بين تميم وعبدالله على الاستقالة وقبولها، لكن الحقيقة لم تكن أبدا بهذه الصورة، فلم يكن هناك اتفاق أو توافق، بل خلافات شديدة كانت فى الكواليس لم تظهر إلى السطح إلا مؤخرا، والسبب فى الخلاف لم يكن يتصوره أحد.
 
الذى خشيت أن تعلنه وكالة الأنباء القطرية أن عبدالله بن ناصر بن خليفة دخل فى خلاف شديد مع تميم خلال الأسابيع الماضية حول ما أسماه «الاحتلال التركى لقطر»، فالرجل المطلع على كل التفاصيل كان يدرك منذ البداية أن التغلغل التركى فى الدوحة لن يكون له مدى، بل سيصل إلى درجة ابتلاع الإمارة بالكامل، وحاول عبدالله بن ناصر تحذير تميم من سياسته الهوجاء التى تسببت فى تمكين رجب طيب أردوغان من مفاصل الإمارة سياسيا واقتصاديا، لكن لم يستمع له تميم الذى كان يخشى على نفسه، واستعان بالأتراك لحمايته، ولم يكن ليفكر فى الخروج من الوحل التركى.
 
تفاصيل انقلاب تميم على عبدالله بن ناصر، كانت محور حديث الجلسات الخاصة ليس فقط فى الدوحة، وإنما فى كل دول الخليج، خاصة أن التفاصيل كانت متوفرة من قبل صدور القرار، لكن كان الجميع بانتظار إعلان تميم انقلابه الرسمى على شريكه الأول فى الإطاحة بوالده، الذى يلقبونه فى الدوحة بـ«الأمير الوالد».
مصادر فى المعارضة القطرية قالت لـ«صوت الأمة» إن اعتراض «عبدالله بن ناصر» على التواجد التركى فى الإمارة وتحذيره من أن قطر باتت محتلة من قبل الأتراك كان سببا رئيسيا فى الإطاحة به، مشيرة إلى أن استعانة تميم بالشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز فى المنصب الجديد تأتى ضمن مخطط لتجريف النظام والحكومة القطرية بشكل كامل من المعارضين للتواجد التركى فى الإمارة، حيث يعد رئيس الوزراء الجديد من أشد المؤيدين لتميم بن حمد ونظامه، وسبق أن شغل منصب رئيس الديوان.
 
وكشفت المصادر القطرية كواليس ما حدث فى الديوان الأميرى القطرى، الثلاثاء الماضى وما سبقه من أيام، وقالت إن تميم وصله تسريب صوتى لرئيس الوزراء السابق يقول فيه إنه يخشى على قطر من تواجد القوات التركية التى تحمى عرش الأمير تميم بن حمد آل ثانى فى الدوحة، وفتح بلاده على مصراعيها للنظام التركى، موضحة أنه بعد وصول هذا التسريب لتميم اتخذ قراره بعزل عبدالله بن ناصر، وفى نفس الوقت محاولة تحجيم الأمر قبل أن ينتشر التسريب بين القطريين، خاصة أن عبدالله بن ناصر، يؤكد فى هذا التسريب خوفه من استعمار بلاده من قبل هذه القوات التى قد ترفض الرحيل مستقبلا. 
 
وأكدت المصادر القطرية، أن التسريب فجّر غضبا عارما داخل الأسرة الحاكمة القطرية التى تحميها القوات التركية المتواجدة فى الدوحة منذ عام 2018، وفى نهاية المطاف اتخذ تميم قرارا بعزله حتى لا يغضب النظام التركى الحليف والداعم له خلال عزلة الدوحة العربية، مشيرة إلى أن الديوان شهد جلسة جمعت تميم وعبدالله بن ناصر انتهت إلى إجبار الأخير على تقديم استقالته، وكتابة تغريدة على حسابه بموقع تويتر بهذا المعنى حفظا لماء وجهه، وأيضا للسيطرة على الأمر قبل انتشاره.
بعد الإطاحة برئيس الوزراء كان التفكير فى اختيار بديل له، ومن بين كل الخيارات، وضع تميم يده على رئيس ديوانه، خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثانى، الذى جاء أيضاً بمشورة من المستشارين الأتراك الذين يستعين بهم تميم قبل أى تحرك، خاصة أن خالد بن خليفة معروف بعلاقاته القوية مع الأتراك، خاصة من استعان بهم تميم لحمايته فى الدوحة، وكان القرار أن يتولى رئيس الوزراء الجديد منصب وزير الداخلية أيضا لمواجهة أى تمرد داخلى.
 
وقالت المصادر القطرية لـ«صوت الأمة» إن التعيينات الجديدة لتميم تؤكد أنه لا يثق فى من حوله، بعد أن وصلت تقارير له، بانقلاب وشيك قد يحدث ضده من داخل القصر الحاكم، لذا قام بتعيين خالد بن خليفة، لأن سجله لا يوجد به ما يقلق تميم، ويعد من الأمراء القلائل ممن ابتعدوا عن العمل السياسى فى حياتهم، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الجديد لا يختلف كثيرا عن تميم بن حمد ، حيث يرى أن تأمين النظام والقصر الأميرى ، مقدم على مصالح القطريين، رغم ما يمثله التواجد التركى فى قطر من خطر داهم على أمن الإمارة وأمن منطقة الخليج بأكملها.
 
 ويزيد من ثقة تميم فى خالد بن خليفة، أنه متهم فى قضايا فساد، وبالتالى تسهل السيطرة عليه، وهو ما أكده موقع «ميديا بارت» الفرنسى وصحيفة «الجارديان» الإنجليزية فى تحقيق صحفى مشترك انتهى إلى أن خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثانى متورط فى قضايا فساد رياضية، منها شراء حقوق بث بطولات ألعاب العالم للقوى، مقابل منح الدوحة تنظيم نسخة العام الحالى، حيث تم اتهام ناصر الخليفى، رئيس نادى باريس سان جيرمان، بتحويل مبالغ مالية إلى شركة بابا ماساتا دياك، ابن لامين دياك، رئيس الاتحاد الدولى لألعاب القوى، لشراء حقوق بث المسابقات فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مقابل حصول قطر على تنظيم النسخة التى ستجرى العام الحالى.
 
 ووفقا للتحقيق فقد أظهرت رسائل بين بابا ماساتا والشيخ خالد آل ثانى، رئيس الديوان الأميرى حينها، ورئيس الوزراء الحالى، حول تحويل مبلغ يقارب الـ 5 ملايين دولار، يحصل منها بابا ماساتا على 440 ألف دولار أمريكى نقدا، كما ظهرت رسالة إلكترونية مرسلة من بابا ماساتا إلى رئيس الديوان الأميرى القطرى، جاء فيها: «عزيزى الشيخ خالد، أشكرك مرة أخرى على حسن الاستقبال والضيافة أثناء زيارتى للدوحة، تجدون فى المرفقات المعلومات البنكية من أجل تحويل 4.5 مليون دولار، ويجب تسليمها على النحو المتفق عليه: مبلغ 440 ألف دولار نقدا تبقى فى الدوحة، وسآتى للحصول عليها فى المرة القادمة»، مع تشديد دياك على تحويل المبلغ بشكل عاجل لإنهاء «الأمور» مع الرئيس، وهو على الأرجح والده لامين دياك، رئيس الاتحاد الدولى لألعاب القوى.
وبعد 8 أيام من تلك الرسالة، حولت شركة « Oryx QSI» المملوكة لناصر الخليفى وأخيه 3.5 مليون دولار إلى حساب شركة فى السنغال تعود ملكيتها إلى بابا ماساتا دياك.
 
 ومنذ عام 2017 عززت تركيا من تواجد قواتها فى الدوحة، وتروى التقارير الصحفية أنه فى يونيو 2017 انحازت تركيا إلى الدوحة عقب المقاطعة العربية، ومع تعقد الأزمة وتمادى قطر فى بذاءاتها تجاه العرب، أعلنت تركيا عن رفض عزل الدوحة مؤكدة على الحوار، ولم يجد الأمير الصغير، فى دفاتره من هو أجدر بالاحتماء خلفه سوى الرئيس التركى، الراعى الرسمى للتنظيمات الإرهابية والحاضن لتنظيم الإخوان الإرهابى، فلجأ إليه، وبحث أردوغان عن وسيلة يتمكن خلالها من إنقاذ تميم وكسر الحصار عبر إرسال قوات تركية تحمى عرشه.
 
ولم يتردد أردوغان كثيرا فى استجابته لاستغاثة تميم، بعدما حاصرت الأخير سياسات الدوحة القبيحة الداعمة للإرهاب، وجرائم آل ثانى العبثية فى المنطقة، وأقدم الرئيس التركى على إرسال قواته لحماية عرش تميم المهتز، وأوعز لبرلمانه بالموافقة على إرسالها تحت غطاء قانونى، من خلال اتفاقية دفاعية تم إبرامها بين الدوحة وأنقرة فى 2014، تقتضى بنشر قوات من الجيش التركى فى قاعدة عسكرية، غير أن مشروع القرار الذى وافق عليه البرلمان لم يحدد عدد الجنود الذين سيتم إرسالهم إلى القاعدة أو موعد إرسالهم، لكن تقارير أشارت إلى أن عددهم وصل إلى 3000 عسكرى تركى، مستندة إلى تصريح لسفير تركيا فى قطر، أحمد ديميروك آنذاك، الذى قال فيه إن القاعدة العسكرية ستضم فى النهاية 3 آلاف عسكرى أو أكثر اعتمادا على الاحتياجات.
ومع تسارع الأحداث، لم يقف التنسيق التركى مع قطر إلى هذا الحد، بل أفادت تقارير بأن الدوحة قامت بتنسيق أمنى على أعلى المستويات مع أنقرة على مدار السنوات الـ4 الماضية، واتفقتا على أنه فى حال زادت الضغوط على الدوحة من أجل الرضوخ والتراجع عن عبثها، وتسلميم العناصر الإرهابية المطلوبة دوليا، سوف تضطر الدوحة إلى إرسال تلك العناصر لأنقرة من أجل حمايتها، مقابل دفاع النظام التركى عن تميم، ولفتت تقارير إلى أن الدوحة أجرت الأيام الماضية اتصالات مكثفة بالنظام التركى، تحسبا لوقوع أى تطورات جديدة فى الأزمة.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق