يوسف أيوب يكتب عن الخطة الأمريكية وتحريك عملية السلام

الأحد، 02 فبراير 2020 01:43 م
يوسف أيوب يكتب عن الخطة الأمريكية وتحريك عملية السلام
يوسف أيوب

لا يملك أحد التنازل عن الثوابت الفلسطينية لكن علينا إدراك أهمية التحرك الأمريكى لإنعاش السلام.. والمطلوب من الفلسطينيين ترتيب أوضاعهم الداخلية

الخطة فى قراءتها الأولى تحتوى عناصر يمكن البناء عليها منها إقامة دولة للفلسطينيين وموافقة إسرائيلية للمرة الأولى على وضع خريطة لحدودها

الهدوء والقراءة المتأنية للخطة الأمريكية سيكونان الطريق الأمثل بدلًا من الشعارات والخطب التى لم تحدث فارقًا فى القضية 

تمر القضية الفلسطينية فى الوقت الراهن بمنعطف تاريخى، خاصة فى ضوء إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن خطته للسلام، وهو ما يتطلب منا الابتعاد ولو مؤقتًا عن حالات الانفعال والتشنج، وإعمال العقل وقراءة الواقع وما يحيط بنا، حتى لا نهدر فرصة قد تكون فى صالح القضية، أو بها بعض المزايا التى يمكن الاستفادة منها.
 
بالتأكيد لن يكون هناك تأييد كامل لهذه الخطة، وكذلك لن تجد رفضًا تامًا لكل تفاصيلها، فهى خطة تحوى بين طياتها الكثير من التفاصيل التى تتطلب مزيدًا من الدراسة والتأنى، أخذًا فى الاعتبار أن لا أحد يملك فرض أمر واقع على الفلسطينيين.
بداية علينا التسليم بأمر مهم، وهو أن حدوث تحرك أمريكى لإنعاش عملية السلام، هو أمر جيد فى حد ذاته، خاصة أن هذا الدور أصابه كثير من العطب السنوات الماضية، ولذلك أسباب كثيرة، منها تغير الاهتمامات والأولويات الأمريكية، بحيث لم تعد منطقة الشرق الأوسط تحتل ذات المكانة التى كانت تحتلها فى الماضى، وأصبحت آسيا وتحديدًا شرق آسيا هى محور الاهتمام الأمريكى، فى ظل التصاعد المستمر للقدرات الصينية، ويضاف إلى ذلك الخلافات الفلسطينية الداخلية التى كانت-للأسف الشديد- سببًا فى أن تضيع مفردات القضية الفلسطينية أو على الأقل تختفى مؤقتًا من العقلية العربية قبل العالمية، وهو أمر معروف للجميع، ولسنا بحاجة على سرد تفاصيله الآن.
ولا يخفى علينا أيضًا أن الأوضاع الداخلية فى إسرائيل، والصراعات المستمرة بين السياسيين هناك، وتورط الكثير منهم فى قضايا فساد داخلى كانت سببًا فى تراجع الاهتمام الأمريكى، بالإضافة إلى السبب الذى نتناساه جميعًا، وهو أن التقلبات التى تشهدها المنطقة، غيرت من الأولويات، ليس فقط لدى واشنطن، وإنما لدى دول المنطقة ذاتها.
لكل ذلك فإن أى دور نشط للولايات المتحدة فى ملف عملية السلام هو أمر مطلوب، ولا يمكن التغاضى عنه، أيًا كان الموقف من التوجهات الأمريكية، فمنذ البداية ندرك جميعًا الانحياز الأمريكى شبه الكامل لإسرائيل، لكن فى نفس الوقت لا تملك أى قوى دولية دورًا يوازى الدور الأمريكى فى هذا الملف تحديدًا لمعطيات متعددة، منها التأثير أو التواصل الأمريكى الإسرائيلى، الذى يمنحها مساحة من الحركة غير متوافرة لدى الآخرين، ولدينا فى هذا الأمر أمثلة متعددة، ويمكن الرجوع إليها للتعرف على كيف كان للتواجد العربى فى عمليات السلام تأثير على الموقف الأمريكى المنحاز أساسًا لإسرائيل، لكن شريطة ألا نترك واشنطن فى المعية الإسرائيلية فقط، بل أن نكون منخرطين فى هذا الحوار، لأنه فى هذه الحالة سيكون لدى واشنطن خيارات متعددة، يمكن من خلالها إحداث تغيرات فى المواقف الأمريكية، كما حدث فى مفاوضات كامب ديفيد وغيرها.
لذلك فمن المهم النظر إلى الخطة الأمريكية من زاوية أنها ستحدث كسرًا لحالة الجمود التى سيطرت على عملية السلام منذ سنوات، وكان نتيجتها حالة الفوضى والعدوانية، ومنح الإرهاب بيئة خصبة لتوطين الدمار فى ربوع المنطقة، بالإضافة إلى ترك المساحة أمام إسرائيل لتواصل سياسة الاستيطان دون أن يكون هناك أى قيود تكبل هذه الحركة الاستيطانية.
لكل ذلك أرى أنه من المناسب أن يكون تعاملنا مع هذه الخطة بمنطق الدراسة المتأنية، وأن نترك الفرصة لأشقائنا الفلسطينيين لكى يعيدوا ترتيب أنفسهم داخليًا قبل أى شىء، ثم إعداد موقف واضح من هذه الخطة، موقف بعيد عن الخطابات والشعارات الرنانة، التى ثبت على مدار تاريخنا أنها كانت السبب فى الكثير من الأزمات والمشاكل المعاصرة معنا منذ سنوات وحتى الآن.
بالتأكيد هناك حالة من القلق والخوف لدى قطاعات عربية من ترك القضية الفلسطينية رهينة لخطة السلام الأمريكية، وهو أمر مشروع بطبيعة الحال، لكن الأكثر خطورة من هذا أن نظل فى مكاننا دون أن نراوحه، حتى فى ظل التعنت الإسرائيلى أو الأمريكى، لأنه للأسف الشديد، ما من حل إلا فى استمرار المسيرة السلمية التفاوضية، أخذًا فى الاعتبار أيضًا أن العرب يرتكنون لمبادرة سلام أطلقت فى 2002، ولاتزال مطروحة على طاولة المفاوضات، وربما من وجة نظر البعض إذا حدث تلقيح بين المبادرة العربية والخطة الأمريكية، يمكن الوصول إلى صيغ ترضى الجميع.
اتحدث هنا وأدرك تمامًا أن هناك ثوابت عربية لا يمكن التنازل أو التغاضى عنها، لأنه لا أحد يملك ذلك، لكن فى المقابل فإن دراسة وقراءة التاريخ ستضعنا أمام مشهد معقد، محوره أنه كلما انغلقنا على أنفسنا فإن الخسارة تكون من صالحنا نحن، فى حين أن الانخراط فى الحوار هو السبيل للخروج بأقل الخسائر الممكنة، لأنه فى كل الأحوال ستكون هناك خسائر، لذلك فإن الحل فى البحث عن أقلها بالنسبة لنا.
نحن نتحدث عن ثوابت فلسطينية ندافع عنها جميعًا، وهى ثوابت للتذكرة فقط كانت مصر ولا تزال أقوى المدافعين عنها والمحافظين عليها، مهما حاول البعض تشويه الدور المصرى، لأن هذا الدور أكبر من أن يخضع للتقييم أو التشوية، وحينما تتحدث مصر عن الخطة بمنطق التقدير للجهود المتواصِلة التى تبذلها الإدارة الأمريكية من أجل التوصُل إلى سلام شامل وعادل للقضية الفلسطينية، بما يُسهم فى دعم الاستقرار والأمن بالشرق الأوسط، وينهى الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى، فإنها تتحدث من منطلق إدراكها لكل الواقع، الذى ربما يكون الكثير منا غافلًا عنه.
من هذه المعطيات، كما قالت مصر فى موقفها الرسمى من الخطة، أهمية النظر لمبادرة الإدارة الأمريكية من منطلق أهمية التوصُل لتسوية القضية الفلسطينية بما يعيد للشعب الفلسطينى كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على الأراضى الفلسطينية المحتلة، وفقًا للشرعية الدولية ومقرراتها، وكذلك دعوة الطرفيّن المعنييّن بالدراسة المتأنية للرؤية الأمريكية لتحقيق السلام، والوقوف على كل أبعادها، وفتح قنوات الحوار لاستئناف المفاوضات برعاية أمريكية، لطرح رؤية الطرفيّن الفلسطينى والإسرائيلى تجاهها، من أجل التوصل إلى اتفاق يلبى تطلعات وآمال الشعبيّن فى تحقيق السلام الشامل والعادل فيما بينهما، ويؤدى إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ومن يتابع الموقف المصرى، سيجد أنه الأكثر دعمًا للفلسطينيين، لأنه من السهل الخروج بتصريحات ومواقف ساخنة، لكن السؤال هنا، هل سيحقق ذلك النصر لفلسطين؟.. من ينظر للماضى بكل معطياته سيجد إجابة عن هذا السؤال.
 
ومن منطلق الرغبة فى القراءة المتأنية لعناصر الخطة، يمكن على سبيل المثال الوقوف على بعض العناصر فى هذه الخطة يمكن البناء عليها مستقبلًا، منها موافقة إسرائيل على إقامة دولة للفلسطينيين، تعتمد على الاتفاق الأمنى لحماية الإسرائيليين، وتضمن طريقًا للشعب الفلسطينى لتحقيق تطلعاته المشروعة فى الاستقلال والحكم الذاتى والكرامة الوطنية، بالإضافة إلى النقطة الأهم من وجهة نظرى، وهى التوصل إلى تفاهم مع إسرائيل فيما يتعلق بخريطة تحدد الحدود لحل الدولتين، لأن هذه الجزئية كانت محور نقاش وجدلا تاريخيا، أساسه متى تعلن إسرائيل خريطة بحدودها؟.
 
كما تتضمن الخطة موافقة إسرائيل على تجميد النشاط الاستيطانى لمدة أربع سنوات فى الوقت الذى يجرى فيه التفاوض على إقامة دولة فلسطينية، ويمكن أن تكون هناك «عاصمة فلسطينية فى القدس الشرقية»، مع السماح للدولة الفلسطينية باستخدام وإدارة المرافق فى موانئ حيفا وأشدود، ومنطقة على الساحل الشمالى للبحر الميت، واستمرار النشاط الزراعى فى وادى الأردن، وربط الدولة الفلسطينية المقترحة بطرق وجسور وأنفاق من أجل الربط بين غزة والضفة الغربية.
هذه بعض النقاط التى أرى من القراءة الأولية للخطة أنه يمكن البناء عليها، والعمل على إحداث بعض التغيرات فى جوانب أخرى، لكن هذا لن يحدث إلا بالانخراط فى الحوار والتفاوض، وهذا لن يحدث إلا إذا نظرنا لما يحدث على أنه رؤية لحل عملية السلام، مثل كل الخطط السابقة، والتى تُفسح المجال للمفاوضات للحصول على أقصى قدر من المصالح، أخذًا فى الاعتبار أن هناك أحاديث، تؤكد أن جزءًا كبيرًا من تفاصيل هذه الخطة لم يعلن بعد.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق