المجتمع يريد تجديد الخطاب

السبت، 08 فبراير 2020 06:00 م
المجتمع يريد تجديد الخطاب
منال القاضي

المجتمع هو المتضرر الوحيد من تأخر البت فى أمر التجديد


الفقيه كالطبيب كلاهما يعالج أمراض المجتمع الأول بالتركيبات الكيميائية والثانى بالحلول الشرعية


إن لم يستطع الدين أن يشتبك مع مشكلات الفرد ويطرح حلولا منطقية يفقد النص صفة الصلاحية لكل العصور

 
 
أزمة تجديد الفكر الدينى، والمشهورة بتجديد الخطاب الدينى، أصبحت جدلية عقيمة، تدور فى دوائر مفرغة لا تأتى بجديد، سوى المناظرات والتنظيرات، رغم أن الرسول الكريم قطع فيها الأمر منذ خمسة عشر قرنا، حينما قال (يبعث الله على رأس كل مائة عام مَن يجدد لهذه الأمة أمر دينها).
 
يستمر الجدل فى حين نترك المتضرر الوحيد فى هذه الأزمة وهو المجتمع، الذى تصدعت أساساته، وأوشك على الانهيار، فى وقت لا يعبأ فيه أحد من المعنيين بهذا الشأن سوى بإثبات صحة أسانيده.
 
إعادة صياغة حلول فعلية لتلك القضايا العالقة، أصبحت ضرورة حتمية لا مناص عنها، خاصة فى ظل وجود قرابة الأربعة آلاف حالة طلاق شفهى يُنظر فيها شهريا فى دار الإفتاء، منها أكثر من النصف حالات طلاق للمرة الثالثة، وهو ما قد يهدم كيان أسرة ويشرد أفرادا ويقطع سُبل الاستقرار.. والمحصلة أننا أمام عشرات الآلاف من الأسر المفككة والمشردة تطرق أبواب المحاكم كل شهر نتيجة غياب الفلسفة الأصلية للوجود البشرى، وهى التناسل والتكاثر وإعمار الأرض بالجنس البشرى، على شكل جماعات متماسكة ومترابطة (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).
 
بالإضافة إلى قضية الطلاق، فإن منظمات المجتمع المدنى، والطب النفسى، والعلوم الإنسانية، أجمعت على خطورة ختان الإناث، على المستويات الفسيولوجية والنفسية والسلوكية، فى المقابل فإن الختان ما زال مسألة عالقة لصدامها مع مفهوم فكرى من موروث تراثى، وهى قضية مجتمعية تمس حياة الإنسان اليومية دون قطع دابرها بجهد فقهى معتبر، يُعلى من شأن الإنسانية فوق كل اعتبار.
 
المؤكد أن الدين هدفه خدمة الإنسان، ولتنظيم العلاقة بين الفرد والإله، والأفراد وبعضهم، وفيه من المرونة الكافية أن يستوعب مستجدات الأحداث، وقد جعل الله فى فتح باب الاجتهاد مرحمة، للتعاطى مع قضايا المجتمعات والأعراف العاملة بينها، دون المساس بالأصول التى لا يختلف عليها أحد كالتوحيد والعبادات، فهما الثابتان الحقيقيان اللذان يستحقان القداسة، وما دونهما فروع تمتاز بالاتساع والرحابة.
 
الفقيه كالطبيب كلاهما يعالج أمراض المجتمع، الأول بالتركيبات الكيميائية، والثانى بالحلول الشرعية للأمراض الاجتماعية، فإذا كانت الفيروسات تتطور مع تعاطى الأدوية، ليفقد الدواء تأثيره عليها، ومن ثم يطور الطبيب أدواته ويغير التركيبة الدوائية لتؤثر فى الفيروسات، وجب على الفقيه تجديد الاجتهاد ليكون الحكم قادرا على التعاطى وتوفير الحلول المنطقية لأمراض المجتمع من مسائل فقهية مستجدة.
 
إن لم يستطع الدين أن يشتبك مع مشكلات الفرد، ويطرح حلولا منطقية لمشكلاته، يفقد النص والحكم والتشريع صفة الصلاحية لكل العصور، ويفتح باب الركون إلى دعوات قد تتنافى ومبادئ الأخلاق العامة، والثوابت الاجتماعية المنظمة لعلاقة الأفراد، وحينما يفقد المقدس قدرة الحل، بل حين يكون عقبة أمام استقرار الإنسان واستمرار حياته، تكون مغامرة غير محسوبة العواقب، ليتحول الخلاف بين الموروث التراثى ودعاة التجديد، إلى صراع أشد خطورة بين الفرد والنص المقدس، الذى استأثر به رجال من ذوى الشأن، ورفضوا أى دعوة اجتهاد قد تمنع الشقاق بين الفرد والنص.
 
اليوم نخرج من رفاهية الاختلاف الفلسفى والنصى والحكمى والظنى وقاطع الثبوت، إلى أزمة قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، انتشار العلاقات خارج إطار الشرع والقانون، خراب الأسر نتيجة ختان يفقد الإنسان الغربة فى الغريزة الأساسية، تراكمات نفسية وسلوكية تجتاح الفرد فيتحول إلى طوفان من الرفض والغضب يزيح أمامه الأخضر واليابس.
 
فى هذا الملف نحاول الوصول إلى الحقيقة فى ملف تجديد الخطاب أو الفكر الدينى، ولماذا نقف فيه دون أن نتحرك خطوة واحدة للأمام، رغم أن الجميع - مشايخ ومفكرون - يتحدثون عن ضرورة حدوث التجديد، لكن للأسف حينما نفتح الحوار نصطدم بثوابت لا يريد أحد أن يتحرك عنها.
 
فى هذا الملف نعرض لكل الآراء التى قيلت فى أمر التجديد، وأخذنا خطوة للأمام.. بأن طرحنا قضيتين اجتماعيتين فى أمس الحاجة إلى أن يطرقهما باب التجديد.. وهما الطلاق الشفهى وختان الإناث. نحن هنا نعرض للآراء التى قيلت، وفى نفس الوقت نعرض لمتطلبات المجتمع والحياة العصرية، لعل من بيدهم أمر التجديد يتحركون خطوة للأمام.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق