«الأشاعرة» يحكمون الأزهر

السبت، 08 فبراير 2020 07:00 م
«الأشاعرة» يحكمون الأزهر
تجديد الخطاب الديني
السعيد حامد

مذهب الأشاعرة بدأ على يد أبى الحسن الأشعرى الذى يعد أبرز متكلمى أهل الحديث

كان الدين أداة لحكم الشعوب، بداية من وثنية القبائل فى العصور الأولى مرورًا بدولة الكنيسة فى الغرب، وصولًا إلى المذهبية الإسلامية، الدين كان اللاعب الأساسى فى تأسيس الدول والإمبراطوريات، وسلاحا فعالا فى تحشيد الحشود، وكذلك كان الحال منذ اللحظة الأولى لبناء الأزهر الشريف، إذ استخدمه «الفاطميون» فى نشر مذهبهم الشيعى الإسماعيلى، وكمنبر دينى قادر على جذب العوام حوله؛ فالبشر يلتفون حول كل من يتحدث باسم الله، ولما صار الصراع السياسى والعسكرى بين الفاطميين والقائد السُنى صلاح الدين الأيوبى، كان لزامًا عليه أن يسيطر على المنبر الدينى وشعلة المذهب، وليطفئ الشعلة التى تقتبس منها الدولة الإسماعيلية نورها، فكان القرار بتحويله إلى المذهب الأشعرى.

من هم الأشاعرة؟ ومن أين أتوا؟ وكيف ومتى سيطروا على الأزهر؟ وكيف تحول الأزهر إلى سلاح سياسى؟ طوال 40 عاما ظل أبوالحسن الأشعرى (رحمه الله) بين صفوف «المعتزلة»، تلك الفرقة التى غلبت على أصحابها النزعة العقلية، فاعتمدوا على العقل فى تأسيس عقائدهم وقدموه على النقل، وقالوا بالفكر قبل السمع، ورفضوا الأحاديث التى لا يقرها العقل، بل أنه إذا تعارض النص مع العقل قدموا العقل لأنه أصل النص، ولا يتقدم الفرع على الأصل، لكن بين عشية وضحاها قرر «الأشعرى» مفارقة وخصام بل وهجاء المعتزلة، والبدء فى تأسيس مذهب جديد، سيكون فيما بعد الحاكم بأمره فى بلاط مشيخة الأزهر العتيد.
 
يقول المؤرخون، إن مذهب الأشاعرة بدأ على يد أبى الحسن الأشعرى، الذى يعد أبرز متكلمى أهل الحديث، بعد أن كان معتزليا يأخذ المذهب عن «الجبّائى»، قبل أن يعارض شيخه ويرجع إلى مذهب أبى حنيفة النعمان، والشافعى، وغيرهما من أهل الحديث، وذكر فخر الدين بن عساكر، فى كتابه: «تبيين كذب المفترى فى ما نسب إلى الإمام أبى الحسن الأشعرى»، أن أبا الحسن الأشعرى اعتزل الناس مدة 15 يوما، وتفرغ فى بيته للبحث والمطالعة، ثم خرج إلى الناس فى المسجد الجامع، وأخبرهم أنه انخلع مما كان يعتقده المعتزلة، كما ينخلع من ثوبه، ثم خلع ثوبا كان عليه ورمى بكتبه الجديدة للناس، فكسب بذلك تأييد العديد من الناس، وكثر أنصاره ومؤيدوه من حكام وعلماء، ولقبه بعض أهل عصره بإمام السنة والجماعة.
 
ويرجع المؤرخون، السبب المباشر لانطلاقة الأشعرى نحو تجديد منهج العقيدة عند أهل السنة هو مواجهة «المعتزلة»، إلا أن منهج «الأشعرى» لم يبق جامدا بل تطور، وإن كان على القاعدة نفسها التى وضعها المؤسس، مع بعض التباين فى تطبيقات هذه القاعدة القائمة على جعل العقل خادما للنصوص، وعدم اتخاذه حاكما عليها ليؤوّلها أو يمضى ظاهرها، كما هى الحال عند «المعتزلة»، وقابلية المنهج للتطور كان محصورا فى الجانب العقلى ومنسجما مع المرونة التى اتبعها المؤسس لجهة استعمال العقل كخادم لا كحاكم.
 
ويحكى المؤرخون عن انتشار المذهب الأشعرى فى المشرق، أنه بعد أن واجه أبوالحسن الأشعرى المعتزلة، أحاط به علماء السنّة واعتبروه إمامهم، لأنه وضع حدا لهيمنة المعتزلة، وأظهر عقائد أهل السنة على مخالفيهم بحجج وأسلوب كانا كفيلين بأن يعيد لأهل السنة حضورهم، بعد أن نازعهم فيه المعتزلة- على حد قولهم.
 
وفى عهد دولة السلاجقة (هى سلالة تركيَّة تنحدر من قبيلة قنق التى تنتمى بدورها إلى مجموعة أتراك الأوغوز) وبالتحديد فى عهد الوزير نظام الملك الذى اهتم ببناء المدارس وربط المساجد ببعضها، الذى كان يرفع من شأن العلماء، زاد انتشار المذهب الأشعرى، وقد تم تدريس المنهج الأشعرى فى مدرسة بغداد النظامية، ومدرسة نيسابور النظامية، وكانت المدرسة النظامية فى بغداد أكبر جامعة إسلامية فى العالم الإسلامى وقتها.

من أدخل المذهب «الأشعرى» الأزهر؟
كان صلاح الدين الأيوبى، الذى أطاح بـ «الفاطميبن» عام 1171 معاديا لمبادئ التعاليم الشيعية التى رُوِّجَت فى الأزهر أثناء الخلافة الفاطمية، لذلك أُهِمَل المسجد خلال حكم السلالة الأيوبية لمصر، وحظر صدر الدين بن درباس الصلاة فيه، وهو قاضٍ عين من قبل صلاح الدين الأيوبى، والسبب فى هذا المرسوم قد يكون بسبب الفقه الشافعى الذى يرى بعدم جواز خطبتين فى بلد واحد، وقد يكون بسبب عدم الثقة فى الجامع باعتباره مؤسسة شيعية، وأصبح مسجد الحاكم بأمر الله، وهو المسجد الذى تُجرى فيه صلاة الجماعة وخطبة الجمعة فى القاهرة. 
 
وبالإضافة إلى تجريد الأزهر من مركزه كمسجد صلاة الجماعة، أمر صلاح الدين الأيوبى أيضًا بإزالة شريط فضة أدرجت فيه أسماء الخلفاء الفاطميين عليه من محراب المسجد، كذلك أمر بإزالة شرائط فضية مماثلة من المساجد الأخرى بلغت قيمتها 5000 درهم، لم يتجاهل صلاح الدين الأيوبى تماما صيانة المسجد، ووفقا للمفضل فإن إحدى مآذن المسجد رممت خلال حكم صلاح الدين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق