ذكري ميلاد مي زيادة «معشوقة الأدباء».. دخلت مستشفى الأمراض العقلية وماتت وحيدة

الثلاثاء، 11 فبراير 2020 02:12 م
 ذكري ميلاد مي زيادة «معشوقة الأدباء».. دخلت مستشفى الأمراض العقلية وماتت وحيدة
إيمان محجوب

تمر اليوم الذكري 134 لميلاد أديبة كان لها رونق وحضور طاغي في عصرها حتي أحبها معظم  الأدباء في عصرها ومنهم العقاد، وجبران خليل جبران وهي الأديبة مي زيادة و اسمها الحقيقي ماري إلياس في 11 فبراير سنة 1886 ببلدة الناصرة بفلسطين، و هي ابنة وحيدة لأب لبناني وأم فلسطينية أرثوذكسية ، تلقت دراستها الابتدائية في الناصرة بفلسطين ، و الثانوية في عينطورة بلبنان ، و في عام 1907، انتقلت مع أسرتها للإقامة في القاهرة ، ودرست في كلية الآداب و أتقنت تسع لغات منها الفرنسية و الإنجليزية و الإيطالية و الألمانية و في القاهرة عملت بتدريس اللغتين الفرنسية و الإنجليزية ، و تابعت دراستها للألمانية و الإسبانية و الإيطالية ، كما عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها، و تابعت دراساتها في الأدب العربي و التاريخ الإسلامي و الفلسفة في جامعة القاهرة

في الوقت الذي كانت فيه المرأة لا تزال تخطو أولى خطواتها في التعليم، و الحرية الفكرية كانت مي رائدة التنوير في عصرها متفوقة بذلك على المفكرين الرجال، و كان لها صالون ثقافي بدأ انعقاده سنة 1913 و كان يعقد يوم الثلاثاء من كل اسبوع و كان يحضره عمالقة الأدب و رواد السياسة، و مشاهير العلماء و أعيان البلد، كمصطفى عبد الرازق ، و أحمد لطفي السيد ، و طه حسين ، ومصطفى صادق الرافعي، و خليل مطران و إسماعيل صبري وعباس محمود العقاد و غيرهم

وهكذا اجتمع أعلام الدين وأقطاب السياسة و رواد النثر و فرسان الشعر في صالون الآنسة مي و هذا تقدير للمرأة العربية التي استطاعت جمع الرجال من حولها يتناقشون فيما بينهم نقاشا حرا في السياسة و الأدب و الدين و الثقافة العالمية ، و كان جمال مي الروحي و الجسدي و كلامها الحلو و نبرتها الهادئة  و ثقافتها الكبيرة ، كان كل ذلك يضفي على المجلس بهاء و رقيا وإحساسا راقيا بالجمال في أرقى تجلياته ، و لم يكن أحد يغيب عن المجلس إلا لظرف قاهر

مي زيادة والعقاد

تعلق الكثيرين من الأدباء بمي ومنهم مصطفى صادق الرافعي وأحمد لطفي السيد والعقاد والتقت مي بالعقاد كثيرا في صالونها الأدبي وفي فترة وجوده في مسقط رأسه أسوان كانا يتبادلان الرسائل ومنها 
العقاد يصف حبه لمي: (الحب الذي جعلني انتظر الرسالة أو حديث التليفون كما ينتظر العاشق موعد اللقاء)

مي في رسالة للعقاد: (لا تحسب أنني اتهمك بالغيرة من جبران فإنه لم يرني ولعلّه لن يراني ولكن طبيعة الأنثى يلذ لها أن يتغاير فيها الرجال)واستفز حب مي وجمالها شاعرية العقاد فسطر فيها أعذب الأشعار رغم أنه لم يكن بالأساس 

مي زيادة وجبران خليل جبران

وعلى كثرة من أحبوها وهاموا بها تظل قصة حبها لجبران خليل جبران هي الأروع والأغرب، ربما لأنهما لم يلتقيا أبدا وظل قلبها مأخوذاً به طوال حياتها، ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا منذ 1911 وحتى وفاة جبران في نيويورك عام 1931.. واتخذت مراسلاتهما صيغة غرامية عنيفة وهو الوحيد الذي بادلته حباً بحب وإن كان حباً روحياً خالصاً وعفيفاً

وكما لم تعرف قصص الحب أروع من قصة جبران ومي لم يعرف الأدب العربي أروع من رسائلهما المتبادلة، تقول مي في إحدى رسائلها لجبران

"ما معنى هذا الذي اكتبه ؟ اني لا أعرف ماذا أعني به! و لكني أعرف انك محبوبي ، و أني أخاف الحب ، أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير ، الجفاف و القحط و اللا شيء بالحب خير من النزر اليسير ، كيف أجسر على الإفضاء اليك بهذا ، و كيف أفرّط فيه ؟ لا أدري ، الحمد لله اني اكتبه على ورق و لا أتلفّظ به ، لأنك لو كنت حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام و لاختفيت زمناً طويلاً ، فما أدعك تراني الا بعد أن تنسى".

بعد وفاة والدها ووالدتها وحبها الوحيد الشاعر جبران خليل جبران انهارت مي لدرجة انها قضت بعض الوقت في مستشفى للأمراض النفسية، ولأنها لم تتزوج ولم يكن لها أقارب في مصر أرسلها أصحابها إلى أهلها في لبنان فأساؤوا إليها وأدخلوها "مستشفى الأمراض العقلية" مدة تسعة أشهر وحجروا عليها فاحتجّت الصحف اللبنانية وبعض الكتاب والصحفيون، فنقلت إلى مستشفى خاص في بيروت ثم خرجت إلى بيت مستأجر حتى عادت لها عافيتها ثم عادت مرة اخرى إلى مصر

لم تتحمل مي الحياة في مصر بعد فقد الأحباب فسافرت إلى إنجلترا لتغيير المكان و منها إلى روما و لكن الحياة هناك لم تروق لها فعادت مرة أخرى إلى مصر مستسلمة لأحزانها حيث توفيت في مستشفى المعادي بالقاهرة في اكتوبر عام 1941 عن عمر 55 عاماً و لم يمش وراءها رغم شهرتها و معارفها و أصدقائها الذين هم بغير حصر، سوى ثلاثة من الأوفياء: أحمد لطفى السيد ، خليل مطران ، و أنطوان جميل 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق