العقلية الأخروية.. لماذا نحاكم الناس بمعايير الآخرة ونتجاهل ما قدموه فى الدنيا؟

السبت، 29 فبراير 2020 05:45 م
العقلية الأخروية.. لماذا نحاكم الناس بمعايير الآخرة ونتجاهل ما قدموه فى الدنيا؟
صورة أرشيفية
هشام السروجى

بعيدا عن الجدلية الدينية عن مصير المخالفين فى العقيدة، وأين ستنتهى بهم رحلة الحياة سواء فى الجنة أو النار، هناك تساؤل يفرض نفسه على هذه الحالة «الأُخْرَوِيَّة» التى تسود المجتمع كل فترة، والتى تشبه محاكم التفتيش، وتوزيع صكوك الجنة والنار بحسب المعتقد وما ورد فى النصوص المقدسة، دون النظر ولو للحظة لما قدمه هؤلاء المحكوم عليهم للبشرية من خدمات مخلدة فى صفحات التاريخ.
 
وبرغم ما ورد فى الأحاديث الصحيحة بأن الرسول قال: « لن يدخل أحد الجنة بعمله “، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: « ولا أنا، إلا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل» وروى «بمغفرته»، إلا أن معارك الجنة والنار تطل علينا بين الحين والآخر، ويخوض فيها الكثيرون، دون التطرق إلى السبب المجتمعى والنفسى المحرك لهذه الأفعال.
 
يتحدث علماء الاجتماع على أنه كلما زادت عوامل تأخر الفرد والمجتمع فكريا واقتصاديا كلما زاد تعلقهم بالحياة بعد الممات، كنوع من التعويض عما يفتقدونه فى الحياة، ويعجزون عن توفيره، فيبحثون عن ملجأ يجدون فيه مأمنهم وتوفير احتياجاتهم، فيتجهون إلى الآخرة، ومن ثم يبدأون فى جعلها مقياسا لكل الأمور الحياتية، وكذلك تقييم الأفراد، خاصة هؤلاء الذين استطاعوا تحقيق نجاحات فى الحياة.
 
وهناك اعتقاد بأن الفرد إذا رأى آخر يتنعم بالملذات التى بشرت بها الأديان فى الجنة، فإنه يعتقد بأن المتنعم هذا حصل على جزائه من النعيم فى الدنيا، وهذا نتيجة تعرضهم المستمر إلى خطاب دينى غير متزن، يصور لهم أن المتنعمين فى الحياة الدنيا سواء بالمال أو الشهرة والنجاح، هم المحرومون منها فى الآخرة، خاصة اذا كان الخطاب يحمل فكرا متطرفا تجاه المخالف فى العقيدة أو المذهب.
 
وشغلت الحياة الآخرة العقل المصرى منذ بدء التاريخ، لذلك نجدها مسيطرة على نمط التفكير اليومي، فمنذ نشأة الحضارة الفرعونية أولى المصريون اهتماما بالغا للبعث والحساب، وشيدوا المقابر والاهرامات يتباهون بها ولتخليد ذكرى موتاهم، واعتبروها أول الطريق للحياة الأخرة، واحتلت مراسم العبور من الحياة الى ما بعد الموت مساحة واسعة وفريدة من الرسومات الجدارية على المعابد والمقابر الفرعونية.
 
سرح الخيال القديم فيما بعد الموت، وأظهرت البرديات والجداريات الفرعونية رحلة الميت من لحظة وفاته إلى وصوله الى الجنة أو النار، بشكل دراماتيكي، ويعتبر «كتاب الموتى» أكثر النصوص الفرعونية تناولا للحياة الأخرى، حيث يحتوى على النصوص الجنائزية التى كانت تستخدم فى مصر القديمة، لتكون دليلا للميت فى رحلته للعالم الآخر، واُستخدمت من بداية العصر الحديث للدولة المصرية القديمة (حوالى 1550 قبل الميلاد) إلى حوالى 50 قبل الميلاد.
 
ومصطلح «الكتاب» هو المصطلح الأقرب لوصف هذه المجموعة الواسعة من النصوص التى تتكون من عدد من التعاويذ السحرية تهدف إلى مساعدة رحلة شخص ميت إلى الآخرة، تم تأليف هذه التعاويذ من قبل العديد من الكهنة خلال فترة حوالى 1000 سنة.
 
من هنا تجذرت فى الشخصية المصرية الاهتمام بالحياة الأخرى، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من مجريات حياته اليومية، هى القياس الأساسى الذى يقيس عليه المواقف والتعاملات والأشخاص، ومع تطور المفهوم الدينى من الوثنية إلى التوحيدية السماوية، شهدت هذه الثقافة تغيرا طفيفا، يتماشى مع النص الدينى السماوى الذى آمن به المصريون، سواء فى اليهودية أو المسيحية أو الإسلام.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق