الجنة فى الأديان السماوية

الأحد، 01 مارس 2020 03:00 ص
الجنة فى الأديان السماوية
الجنة في الأديان السماوية
عنتر عبداللطيف

الإسلام: فيها ما لا عين رأت.. المسيحية: الفردوس روحى فقط.. اليهودية: لا حياة بعد الموت
 
 
يختلف تصور ووصف الجنة فى الأديان الإبراهيمية الثلاثة، فمنهم من يقر بكون الحياة فى الجنة حسيا وماديا وملموسا مثل الدين الإسلامى، فيما ترى المسيحية أن الحياة الأخروية روحية فقط، فيما تتعدد الآراء فى الديانة اليهودية، فهناك فرق تعتقد أنه لا وجود للجنة من الأساس، حيث إن عقاب العصاة وإثابة المتقين يكون فى حياتهم وليس بعد وفاتهم، ما يؤكد أن الديانات الثلاث اختلفت فيما بينها حول ماهية الجنة ووصفها، وكيف ينعم الإنسان فيها، ويثاب على عمله الصالح فى الدنيا وهو ما نستعرضه فى السطور التالية:
 
يقول الإمام الراحل محمد متولى الشعراوى فى وصفه للجنة وفق الدين الإسلامى: «الجنة تستر من فيها؛ لأن أشجارها كبرت ونمت وترعرعت، بحيث يكون من يسير فيها مستورا بأغصان الشجر وأوراقه؛ فلا يراه أحد، ويكون مستورا فى كل مطلوبات حياته، فلا يحتاج أن يخرج منها؛ لأن فيها كل مطلوبات الحياة من الماء والطعام والمكان يجلس أو يتريض فيه، وغيرها من النعم التى أنعم الله بها عليه، فإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد وعد المؤمنين والمؤمنات جنات، فإن المؤمنين جماعة، والمؤمنات جماعة، والموعود به جنات جمع، وتقابل الجمع بالجمع يقتضى القسمة لآحاد، فيكون المعنى: أن الله وعد كل مؤمن جنة، ووعد كل مؤمنة جنة، والأفراد ستتكرر، إذن: فالموعود به جنات لا بد أن تتكرر، فإذا قسمناها عرفنا نصيب كل مؤمن ومؤمنة، تماما مثلما يقول الأستاذ لتلاميذه، أخرجوا كتبكم، و «أخرجوا» أمر لجماعة، وكتبكم جمع، أى أن يخرج كل تلميذ كتابه، وقول المعلم «أمسكوا أقلامكم» يعني: أن يمسك كل تلميذ قلمه، إذن: فقول الحق سبحانه {وَعَدَ اللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} أي: أن لكل واحد جنة، ولكن الحق سبحانه وتعالى يقول فى سورة الرحمن: «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ».
 
يتابع الشيخ الشعراوى فى مقطع فيديو له : «وهنا لا بد أن ننتبه لمعطيات الألفاظ فى سياقها ومقامها؛ فسورة الرحمن لا تتكلم عن الإنس فقط، وإنما تتكلم عن الإنس والجن، فسبحانه وتعالى يقول: «خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ * وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ «الرحمن: 14-1»، وكذلك قوله جل جلاله: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ» «الرحمن» إذن: فيكون للإنس جنة وللجن جنة؛ لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ»، من خاف مقام ربه من الإنس له جنة، ومن خاف مقام ربه من الجن له جنة إذن: فالجنة أطلقت فى القرآن على المكان الذى فيه زروع وثمار وأشجار، فهو يحجب من دخله، أو يمنع الإنسان بالخير الذى فى داخله من الحاجة للخروج إلى مكان آخر؛ لأن فيه كل مقومات الحياة، وحين يريد الحق سبحانه وتعالى أن يبشرنا بشىء فى الآخرة، لا بد أن يشبهه لنا بشىء نفهم معناه فى الدنيا؛ لأن اللغة مكونة من ألفاظ وأسماء سبقتها مَعَانٍ حتى نستطيع أن نفهمها، ولذلك إياك أن تفهم أن جنة الدنيا هى جنة الآخرة؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يستخدم اللفظ الذى تفهم أنت معناه، ولكن جنة الآخرة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
 
يتابع الشيخ الشعراوى: «يقول الحق سبحانه: { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } أي: هناك جنات وهناك مساكن؛ لأن الإنسان يحب فى بعض الأوقات أن يجلس بمفرده وحوله المتعة التى تخصه، وفى أحيان أخرى يحب أن يجلس مع الناس فى مكان جميل؛ مثلما يحدث فى الأعياد والمناسبات، عندما نخرج إلى الحدائق والبساتين، ونجلس معا، فكأن الجنات هى للرفاهية الزائدة؛ عندما تحب أن تجتمع مع الناس؛ أتمتع بها أنا وأنت وغيرنا، أما المساكن فهى للخصوصية، فيكون لكل واحد مكان خاص يجلس فيه ويتمتع بما حوله. إذن: فالجنات صورة من البساتين، ولكنها ليست مصنوعة بالأسباب، بل هى من صناعة المسبب جل وعلا».
 
إن الذى وعدنا بهذه الجنات هو الحق سبحانه وتعالى، وهو قادر على أن ينفذ ما وعدنا به، من جنات فيها من الكماليات والرفاهية مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وجعل هذه الجنات واسعة شاسعة، فيها زروع وأزهار وأشكال؛ تسرُّ العين بجمالها، وتمتع اللمس بنعومتها؛ وتملأ الأنوف برائحتها الزكية، ومن ميزات جمالها أن الأنهار تجرى من خلالها، ولكنها لا تجرى من فوقها بل تجرى من تحتها، ومنابعها من مكان آخر، أو تحتها، ومنابعها ذاتية، أى تنبع من نفس المكان، وكأن كل نهر ينبع من تحت جنة خاصة به، وإذا أردت أن تعرف جمال هذه الأنهار؛ فهو جمال قد صنعه الحق سبحانه وتعالى.
 
وإذا كنا فى حياتنا نرى أن لكل نهر شاطئين، فإن أنهار الجنة تجرى من غير شواطئ؛ وإنما يمسكها الذى أمسك السماء أن تقع على الأرض، ثم تجد الأنهار قد تشترك فى المجرى؛ نهر اللبن، ونهر العسل، ونهر الماء، ونهر الخمر، وكلها تجرى فى مجرى واحد ولكنها لا تختلط ببعضها البعض، فكل منها منفصل؛ لأن الحق سبحانه وتعالى هو الصانع وتبارك من صنع.
 
ويعطينا سبحانه وتعالى بعد كل ذلك، ميزة الخلود فى هذه الجنات فيقول: { خَالِدِينَ فِيهَا } ونحن نعلم أن المتعة فى الدنيا قد توجد للإنسان، ولكنها لا توجد خالدة أبدا؛ فقد تزول عنك النعمة وتذهب المتعة؛ كأن تصاب بكارثة مالية مثلا أو تخسر خسارة كبيرة فى تجارتك أو غير ذلك، وقد تزول أنت عن النعمة بالموت، ولكنك فى جنات الآخرة تستمتع بقدر ما فيها من كمال وجمال، ويزيدك الله فيها بأن يعطيك الخلود، فلا تفارق النعمة ولا تفارقك؛ لأنه ليس هناك أغيار، وليس هناك موت.
 
أما عن الجنة فى المسيحية فوفقا لموقع الأنبا تكلا هيمانوت فإن الفردوس – الجنة- حاليا ليس على الأرض مثلما كان وقت خلق آدم ثم حواء، إذ أن ذلك الفردوس أى الجنة كان يحوى أشجارا وثمارا وحيوانات، وقد وضع الرب الإله آدم فى الجنة ليعملها.
 
وحينما أخطأ الإنسان بعدم طاعته للوصية الإلهية، نُفى من الفردوس أى أن الرب قد أخرجه من الفردوس لئلا يمد يده ويأكل من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد فى خطيته ولا توجد له فرصة لإدراك خطورة الخطية وعواقبها من حيث إن أجرة الخطية هى موت، وصار موت الجسد هو الدليل الواضح على أن الخطية قد أساءت إلى الإنسان وصار محتاجًا إلى الخلاص بصلب المسيح وموته وقيامته من الأموات، وذلك مثلما قال قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياة قداسته- عن السيد المسيح: «بالصليب حل الرب مشكلة الخطية (إذ أوفى الدين الخاص بها) وبقيامته حل مشكلة الموت الناتج عن الخطية».
 
الفردوس الحالى صار مقرا للروح فقط بدون الجسد، وليس فيه أشياء مادية مثل الأشجار والثمار والمزروعات والأنهار، وبالطبع ليس فيه حيوانات على الإطلاق مثل الحمير والبغال والغزلان والفيلة..الخ. لأن الحيوانات ليس لها أرواح خالدة مثل البشر، بل إن نفس الحيوان هى دمه «لأن نفس كل جسد دمه هو بنفسه» (لا 17: 14). وبمجرد موت الحيوان يذهب إلى الأرض وليس له روح تذهب إلى مقار الآخرة على الإطلاق.
 
قال السيد المسيح ذلك لأن أرواح الأبرار تذهب إلى الفردوس أولا وتنتظر هناك فى شركة روحية مع المسيح إلى يوم الدينونة الأخير حيث تقف أمام كرسى المسيح بعد عودتها إلى الجسد المقام من الأموات، ثم يضعها السيد المسيح عن يمينه وبعد ذلك يدعوها إلى ميراث ملكوت السماوات.
 
أما أرواح الأبرار الذين رقدوا على رجاء الخلاص وكانت تنتظر فى السجن، فقد ذهب إليها السيد المسيح بروحه الإنسانى المتحد باللاهوت وبشّرها بإتمام الفداء وأخرجها من السجن ونقلها إلى الفردوس أى أنه قد «رد آدم وبنيه إلى الفردوس مثلما نقول فى قسمة عيد القيامة».
 
أما الجنة فى اليهودية فوفق موسوعة الأديان فقد خلت التوراة تماما من ذكر الجنة والنار، والبعث والنشور، وكذلك سائر الكتب الملحقة فيه إلا نزرا يسيرا.
 
فمن ذلك صورة غير واضحة وردت فى «سفر دانيال» «12/2» وهو قولهم: «وكثيرون من الراقدين فى تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدى».
 
وفقا للموسوعة فإن فرق اليهودية الشهيرة لا تؤمن باليوم الآخر، ففرقة الصادوقيين تنكر قيام الأموات، وتعتقد أن عقاب العصاة وإثابة المتقين إنما يحصلان فى حياتهم وفرقة الفريسيين تعتقد أن الصالحين من الأموات سينشرون فى هذه الأرض؛ ليشتركوا فى ملك المسيح الذى يأتى آخر الزمان، فهم ينكرون على هذا البعث يوم القيامة.
 
تقول موسوعة الأديان: «ومن نظر أدنى نظرة فى كتاب اليهود التوراة والكتب الملحقة بها يجد أن الوعود الواردة فيه مقابل الأعمال الصالحة والإيمان بالله تدور حول المتعة الدنيوية من انتصار على الأعداء وكثرة الأولاد، ونماء الزرع، إلى غير ذلك، كذلك الوعيد الوارد على المعاصى والكفر، كله يدور حول انتصار الأعداء عليهم وسبى ذراريهم وموت زرعهم وماشيتهم إلى غير ذلك من العقوبات الدنيوية، مما يدل على عدم إيمانهم باليوم الآخر حسب التوراة والكتب الملحقة بها حيث أن الجنة مأوى الأرواح الزكية لا يدخلها إلا اليهود، والجحيم مأوى الكفار».

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق