مغارة على بابا فى البريد المصرى.. سرقات واختلاسات وغسيل أموال جرائم موظفى البريد

الأحد، 01 مارس 2020 10:00 ص
مغارة على بابا فى البريد المصرى.. سرقات واختلاسات وغسيل أموال جرائم موظفى البريد
البريد المصري
أحمد سامي

4 آلاف مكتب بريد على مستوى الجمهورية، عدد ليس بالقليل، ووفقا لخطة الحكومة فقد تمكنت من تطويرها وتقديم خدمات إلكترونية على نطاق أوسع ولساعات أطول من خلال استخدام التكنولوجيا فى دفع كل الرسوم والخدمات، ورغم أن الطفرة كانت قوية وبنفقات ضخمة لزيادة إيرادات هيئة البريد، لكن الفساد كان أكبر، فهو يلتهم كل المجهودات التى بذلتها الحكومة لزيادة الإيرادات، حيث اعتبر الموظفون أنهم فى مغارة على بابا وبدأوا فى النهب منها كيفما يشاءون، فلم تمر أيام عن الإفصاح عن تفاصيل أكبر عملية غسيل أموال داخل مكتب بريد مطروح متورط بها ما يزيد على 20 متهما، لتعلن النيابة الإدارية هى الأخرى عن قضية اختلاس 6 ملايين بمكتب بريد بإحدى قرى الفيوم، الأمر الذى يفتح ملف فساد موظفى ومسئولى هيئة البريد.
 
وكشفت هيئة البريد ومباحث البريد والشرطة العديد عن القضايا الخطيرة التى جرت داخل أروقة مكاتب البريد، فى مقدمتها قضية غسيل الأموال الكبرى، ففى منتصف الشهر الجارى كشفت وزارة الداخلية النقاب عن تفاصيل قضية غسيل أموال تقدر بمليار و750 مليون جنيه، يقف وراءها 20 شخصا من بينهم 5 موظفين بمنطقة بريد مطروح، وجاءت البداية ببلاغ من وحدة غسيل الأموال التابعة للبنك المركزى المصرى، بعدما تلاحظ إجراء تحويلات مالية، بمبالغ متفاوتة على 25 حسابا بمكتب بريد مطروح، قدرت قيمتها بنحو مليار و750 مليون جنيه، ورصد تحويل الأموال على هذه الحسابات من مكاتب بريد فى عدد من محافظات الصعيد، حيث تضمنت عملية فحص الحسابات، التعاملات التى تمت عقب ميكنة البريد، خلال الفترة من 2016 إلى 2020، وأنه تم إلقاء القبض على 6 موظفين بمكتب بريد مطروح الرئيسى، وتم استبعاد أحدهم من القضية، لثبوت عدم علاقته، وإحالة 5 موظفين إلى النيابة، من أصحاب الحسابات والمتهمين بتلقى الأموال، وضم التشكيل العصابى 6 من موظفى مكتب بريد مطروح، 6 أشخاص من القائمين بعمليات الإيداع على 10 حسابات من مكاتب بريد بـ 4 محافظات، و5 مستفيدين «يقيمون بمحافظة مطروح» تؤول إليهم تلك الأموال، و3 موظفين بمكتبى بريد «برج العرب والمرج»، و9 أشخاص من القائمين بعمليات الإيداع على تلك الحسابات والقائمين على تغذيتها من 6 محافظات، وكذا شخص مستفيد مقيم بمدينة الإسكندرية تؤول إليه تلك الأموال.
 
وفجرت التحقيقات الحيل الماكرة التى استخدمها الموظفون فى إخفاء الأموال من خلال قيام موظفى البريد المتهمين بفتح حسابات لتلقى الأموال وإدارتها لصالح الغير، من بينهم شخص متوفى، من خلال التزوير والتلاعب باستغلال مواقعهم الوظيفية، مقابل الحصول على نسبة من الأموال المتداولة عبر الحسابات، فى القضية المتهم فيها 20 شخصا، من بينهم 5 موظفين بمنطقة بريد مطروح، واعترف المتهمون من موظفى البريد، خلال التحقيقات، بارتكابهم المخالفات والجرائم المسندة إليهم، ومن بين هذه الاعترافات لأحد المتهمين، قيامه بإنشاء حساب مالى بريدى وإدارته، باسم « قاسم . ح. ا» إضافة إلى حسابات أخرى بعلم أصحابها أو بدون علمهم. 
 
تحويل الأموال وصرفها كان يتم عن طريق الموظفين مقابل الحصول على نسبة مالية من السحب والإيداع، وكان يحصل أصحاب الحسابات على نسبة مماثلة، عند تسليمهم المبالغ المسحوبة من الحسابات، لعدد من المتهمين «وسطاء» يقومون بنقلها وتسليمها لمتهمين رئيسيين هاربين، وبتتبع تحويل الأموال كشفت عن تضخم حسابات المتهمين بملايين الجنيهات.
 
لم تكن أموال مكتب بريد مطروح وحدها المنهوبة، لكن انضم إليها مكتب بريد الفيوم بعد أن كشفت النيابة الإدارية النقاب عن تفاصيل التحقيقات مع 16 متهما من العاملين بمكتب بريد سرسنا ومنطقة بريد الفيوم، لاتهامهم باختلاس مبالغ مالية قدرت قيمتها ما يجاوز 6 ملايين جنيه، وتضمنت تحقيقات القضية رقم 2494 لسنة 2018 إدارى طامية، والمقيدة برقم 362 لسنة 2018 أموال عامة عليا، ضد  وكيل بمكتب بريد سرسنا التابع لمنطقة بريد الفيوم، اختلاسه أموال المودعين، التى يختص بإجراء عمليات السحب والإيداع عليها، وذلك عن طريق تزويره لإيصالات المعاملات، مما ترتب عليه الإضرار بأموال الجهة التى يعمل بها.
 
وأسفرت التحقيقات عن قيام وكيل مكتب بريد سرسنا  (المتهم الأول) باختلاس الأموال المودعة بالمكتب وذلك خلال الفترة من ٢٠١٥ حتى ٢٠١٨ والمقدرة بما يزيد على خمسة ملايين جنيه، دون فوائد التأخير ليصبح إجمالى المبالغ المستحقة بعد إضافة فوائد التأخير ما يجاوز الستة ملايين جنيه واحتفاظه بها فترة من الزمن بشكل مؤقت والقيام بإيداعها فى تواريخ لاحقة وقيامه بالتزوير فى إيصالات السحب والإيداع الخاصة بالمكتب، وذلك بالتوقيع بدلا من العملاء على تلك الإيصالات الخاصة بالإيداع والسحب واستعمالها فى الحصول على أموال العملاء المودعة بالمكتب دون علمهم، وذلك عن طريق استخدامه الرقم السرى الخاص بالعاملين بالمكتب وإعادة إيداعها مرة أخرى بهدف التربح من أعمال وظيفته ومن الأموال المسحوبة، بالإضافة لقيامه بتزوير توقيعات العملاء على إيصالات السحب والإيداع بالمكتب.
 
كما كشفت التحقيقات عن إهمال رؤساء المجموعة البريدية لمكتب بريد سرسنا خلال فترة عمل واختصاص كل منهم فى المتابعة الجدية على المكتب وبما كان من شأنه عدم اكتشاف وجود تبادل لاسم المستخدم والرقم السرى بين العاملين وعدم اكتشاف تبادل الشبابيك بالمكتب وكذا تحرير الإيصالات باسم المعاون بخلاف القائم بالعمل فعليا، وعدم اكتشاف كتابة اختصاص العاملين على دفتر الحضور والانصراف على نحو دقيق طبقا لعملهم الفعلى على نوافذ تقديم الخدمة وبما كان من شأنه قيام وكيل المكتب (المتهم الأول) بالتلاعب فى حسابات العملاء الجارية.
 
لم تكن تهمة الاختلاس فقط الموجهة للمتهمين، لكن أيضا إهمال باقى المتهمين فى الإشراف والمتابعة على أعمال المكتب المذكور وكذا إفشاء الرقم السرى واسم المستخدم الخاص ببعضهم وتبادله  فيما بينهم مما ترتب عليه استخدامه فى التلاعب بحسابات العملاء وعدم اتخاذ الإجراءات حيال اكتشاف عدم الدقة فى تسجيل بيانات العملاء ومراجعة حساباتهم، وكذا قبول إيداعات من أشخاص دون التحقق من شخصياتهم وأيضا عدم إخطار قسم التفتيش منطقة بريد الفيوم لتشكيل لجنة لمراجعة أعمال مكتب بريد «سرسنا» تنفيذا لتأشيرة المدير العام لمنطقة بريد الفيوم خلال عام 2017 / 2018 وكذا القيام بصرف معاشات لغير أصحابها بعد وفاتهم والإهمال فى المحافظة على إيصالات السحب والإيداع لعدد من العمليات التى تمت بالمكتب مما ترتب عليها فقدها، وبناءً عليه قامت النيابة بمواجهة المتهمين بالتهم المنسوبة إليهم، وانتهت لقرارها بإحالتهم للمحاكمة التأديبية. 
 
مليون ونصف المليون جنيه قيمة الأموال التى اختلاسها بواسطة موظفة بمكتب بريد قرية طنبول بالدقهلية، من خلال سرقة أموال من حسابات عدد من المودعين من القرية والقرى المجاورة، حيث كشفت «لجنة وقائية للتفتيش العادى» أثناء فحص أعمال مكتب بريد قرية «طنبول الكبرى» والمسئول عنه مديرة الفرع «غدير. ج.م»، واكتشافها وجود عجز بالمبالغ المالية الخاصة بالمودعين فى عهدة موظفة بالفرع تدعى «فاطمة. م.غ» فقامت اللجنة باستدعاء بعض المواطنين لاستبيان الأمر بشأن إيداعاتهم، وأوضحت اللجنة لهم أنه فى حالة وجود عجز فستتحمل هيئة البريد سداده للمواطنين.
 
ورصدت اللجنة نقص مبالغ مالية من دفاتر توفير للمودعين بعد أن ارتفعت البلاغات المقدمة للجنة فحص أعمال مكتب بريد قرية طنبول  من الأهالى المتضررة من سرقة مبالغ مالية من حساباتهم الشخصية بالمكتب وبلغت مليونا ونصف المليون جنيه، ولأن المتهم دائما يحاول التنصل من جريمته فأثناء البحث فى الحسابات تقدم أحد المودعين بشكوى بنقص فى حسابه الشخصى يقدر بـ50 ألف جنيه، فقررت اللجنة فحص الشكوى فى اليوم التالى، وأثناء نظر المشكلة تغيبت إحدى الموظفات بالمكتب فجأة عن العمل، رغم أنها لا تنقطع عن العمل منذ 12 عاما ما أثار الشكوك حولها بوجود مخالفات، وبعد أن انتشر الخبر داخل القرية بوجود اختلاسات داخل مكتب البريد، تقدم العديد من المودعين للكشف عن أرصدتهم والحسابات، لتختفى الموظفة تماما عن الأنظار، وأن هناك حسابات مقيدة بالدفاتر وأخرى غير مقيدة، وهو ما يعنى قيام الموظفة باستلام النقدية من المودعين، ولم يتم تسجيلها فى الدفاتر، ليتم إلقاء القبض عليها بعد هروبها لقرية أخرى.
 
300 ألف جنيه قيمة الأموال التى قام موظف بأحد مكاتب البريد بالغربية بالاستيلاء عليها من حسابات عملاء المكتب، فقد تقدم مواطن بشكوى لمباحث البريد بوجود استيلاء على مبالغ مالية بمكتب بريد، وأن وراء ارتكاب الواقعة وكيل المكتب، وقيامه بالاستيلاء على مبلغ (299 ألفا و449 جنيها) من حسابات عملاء توفير المكتب إبان عمله به.
 
وبعد تحديد المتهم قامت القوات بضبطه واعترف بارتكاب الواقعة عن طريق استخراج إيصالى سحب من حسابات عميلين عقب وفاتهما، وكذا إثبات أرباح لـ (9) عملاء توفير بأقل من قيمتها والاستيلاء على الفرق لنفسه عن طريق استخراج إيصالات سحب والتوقيع عليها، وقام بسداد مبلغ (283 ألفا و851 جنيها) من إجمالى المبالغ المستولى عليها. 
 
وفى واقعة فساد أخرى داخل الهيئة القومية للبريد بمحافظة قنا أبطالها وكيل مكتب بريد نجع معين ووكيل مكتب بريد الحجيرات بقنا، وذلك على خلفية اختلاسهما مبالغ مالية من حسابات العملاء قدرت بنحو خمسة وسبعين ألف جنيه، فقام المتهم الأول - وكيل مكتب بريد نجع معين، بتزوير توقيعات بعض العملاء بمكاتب البريد التى عمل بها خلال الفترة من عام ٢٠١٥ حتى عام ٢٠١٧ وذلك على إيصالات سحب من حساباتهم دون أن يدرج تلك المبالغ بدفاترهم، وكذلك استخراج إيصالات سحب من هؤلاء العملاء بقيمة أكثر من القيمة المسلمة لهم واختلاس فارق تلك المبالغ لنفسه بإجمالى ما يقارب ستين ألف جنيه شاملة فوائد التأخير والتوفير.   
 
وبعد تقديم البلاغات تم تشكيل لجنة لفحص أعمال المتهم المذكور عقب اكتشاف وجود خطأ فى درج حساب فورى يوم ٩/٨/٢٠١٧على سجل ١ خزينة، حيث تبين أنه مدرج بالسجل ٢٣٢٧٠٫٥ جنيه فى حين أن صحته من واقع التقرير هو مبلغ ٢٤٢٧٠٫٥ جنيه أى بفارق مبلغ قدره (ألف جنيه) عجزا بالنقدية وبفحص أعمال المتهم المذكور فى مكاتب البريد المختلفة التى عمل بها تم اكتشاف حالات استيلاء على أموال العملاء قدر إجماليها بما يقارب (٦٠ ألف جنيه) وقيام المتهم  المذكور باستخدام طرق مختلفة فى ارتكاب تلك الواقعة، حيث قام بتزوير توقيعات بعض العملاء  بمكاتب البريد التى عمل بها خلال الفترة من ٢٠١٥ حتى عام ٢٠١٧ على إيصالات السحب من حساباتهم دون أن يدرج تلك المبالغ بدفاترهم فى بعض الحالات وفى الحالات الأخرى يقوم باستخراج إيصالات سحب بقيمة أكبر من القيمة المسلمة للعملاء واختلاس فارق تلك المبالغ لنفسه، وأن وقائع الاستيلاء على أموال العملاء التى قام بها المتهم حدثت فى عدة مكاتب بريد مختلفة وفى فترات زمنية متفاوتة وبطرق مختلفة مستغلا وجود المال فى حيازته بسبب وظيفته، فيما قام المتهم الثانى باختلاس أموال من أموال المعاشات الموجودة فى حيازته والمسلمة إليه بسبب وظيفته. 
 
3 موظفين فى البريد والشئون الاجتماعية، كرسوا كل جهودهم من أجل التخطيط وتنفيذ فكرة شيطانية بالاستيلاء على 2 مليون و250 ألف جنيه من معاشات تكافل وكرامة، فقد اجتمع الثلاثة أحدهم يعمل بمكتب بريد الحمام فى أبنوب بأسيوط وسبق اتهامه فى قضية قتل، وموظف بإدارة الشئون الاجتماعية، ٤٧ سنة، سبق اتهامه فى قضيتى خيانة أمانة وإيصال، ووكيل مكتب بريد الحمام، لتنفيذ جريمتهم من خلال استغلالهم أموال البسطاء واستولوا على أموال «معاشات تكافل وكرامة».
 
بدأ المتهمون فى سحب الأموال وإيداعها فى حسابات أخرى بأسماء وهمية ثم إعادة سحبها وتداولها من أجل التمويه وعدم إظهار الأموال المنصرفة، وبعد سحب الأموال لا يتم تسجيلها فى الدفاتر، ونظرا لكثرة التداولات على الأموال بدأت المباحث التحرى عن الحسابات لتكتشف سرقتها وتمت مراقبة المتهمين وتم ضبطهم وبحوزة الأول 169 كارت فيزا و108 آلاف و571 جنيها، قام بصرفها، واعترفوا بالاستيلاء على معاشات المواطنين بإجمالى 2 مليون و111 ألفا و97 جنيها من مكاتب بريد «الحمام، كوم المنصورة، بنى محمديات، عرب العطيات البحرية».
 
علق عصام الصغير، رئيس هيئة البريد، على هذه الجرائم فى تصريحات خاصة لـ«صوت الأمة»، بأن القضايا التى تتداول بالنيابة العامة أو الإدارية تأتى نتيجة تحركات وبلاغات من قبل الهيئة فلا يوجد أحد فوق القانون ولا نتستر على فاسد وما يحدث من سرقات أو اختلاسات يتم الإبلاغ عنه فورا لجهات التحقيق لتقم بمهمتها، موضحا أن نظام الميكنة والتحول الرقمى والتكنولوجى ساهم بشكل كبير فى مكافحة الجرائم كما حدث فى قضية غسيل الأموال، فالوحدة الموجودة بالهيئة هى التى تمكنت من رصد العمليات المشبوهة على الحسابات.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة