هل تحتاج المرأة إلى إذن زوجها كي تسافر؟.. خبير قانوني يجيب

الأربعاء، 04 مارس 2020 04:00 م
هل تحتاج المرأة إلى إذن زوجها كي تسافر؟.. خبير قانوني يجيب
السفر

مما لا شك فيه أن لإذن السفر الممنوح إلى المرأة من قبل زوجها هو من القضايا البارزة في مجتمعاتنا العربية، وقد اختلفت الآراء حوله، بين مؤيدٍين، يعتبرونه مسألة غير قابلة للنقاش، لكونها في صلب الشريعة الإسلامية، وآخرون يدعون إلى تعديلها، تماشياً مع تطور المجتمع ودخول النساء في ميدان العمل.  

وقد انعكس هذا التباين في الآراء على تشريعات الدول العربية، فتشدد بعضها في لزوم إذن السفر، بينما تخلت تشريعات أخرى عن هذا الشرط، وذلك لعدم ملاءمته مع مقتضيات العصر، ولقد أولت الشريعة الإسلامية اهتماماً كبيرا بأحوال الأسرة، وحقوقها وواجباتها، وأعطت الزوج الحق في أن يكون هو المسؤول عن زوجته وأولاده.

مدى جواز منع الرجل زوجته من السفر

هل يجوز للزوجة أن تترك بيتها دون علم زوجها وموافقته، أم أنه لا يجوز لها أن تسافر إلا برفقة زوجٍ أو محرم؟ العديد من الآراء الفقهية اشترطت موافقة الزوج بحجة حماية المرأة ورعايتها وتجنيبها المشاكل والمضايقات – بحسب الخبير القانوني والمحامي المتخصص في الشأن الأسرى عبد الحميد رحيم.

61154-56472432_2037675922994679_6697225410406514688_n
 

في البداية – يجب أن نعلم أن الأديان السماوية وعلى رأسها الإسلام في تشريعاته ومبادئه وتعاليمه اهتمت اهتماماَ بالغاَ بأحوال الأسرة وحقوقها وواجباتها، فقد أراد ديننا الإسلامي للأسرة أن تنعم بالحياة الوادعة وأن يكون شعارها الذي تبنى عليه الأسرة هو "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً"، وبذلك تصل الأسرة إلى بر الأمان بميثاق هو المودة والرحمة – وفقا لـ"رحيم".

حقوق الزوج على الزوجة

والإسلام أعطى الزوج الحق في أن يكون هو المسؤول عن البيت ومسؤول عن زوجته وأولاده ومسؤول عن الإنفاق عليهم، لقوله تعالى: "الرجالُ قَوَّامونَ على النساءِ بما فَضَّلَ اللهُ بعضَهم على بعضٍ وبما أنْفَقوا مِن أموالِهم"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته"، فالزوج وهو رب الأسرة هو المسؤول عنها، وإن الإسلام نَظَّم حقوقًا على الزوج لزوجته، وهذه الحقوق منها حقوق مالية، وهي المَهْر والنفقة، وحقوق غيرُ مالية، وهي عدم الإضرار بالزوجة والمعاملة بالمعروف، وأوجب على الزوجة حق الطاعة، ولكنه مقيد بالمعروف "فإنه لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق" فلو أَمرها بمعصية وجب عليها أن تخالفه، ومن طاعتها لزوجها ألا تصوم نافلة إلا بإذنه، وألا تَخْرج من بيتها إلا بإذنه.

صحيح أن سفر الزوجة بدون إذن الزوج لا يجوز شرعًا أصلاً، ولا خلاف على ذلك، والسماح لها بالسفر من غير إذن الزوج فيه إسقاط صريح لحق الزوج في القوامة، وخروج على النص الحاسم وهو قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ"، والزوجة في عصمة رجل هو الزوج فلا تخضع إلا لأوامره، والأصل فى عقد الزواج وما يترتب عليه من حقوق للزوج على زوجته هو الطاعة، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن حق الزوج على زوجته فقال: "السمع والطاعة".

الأصل في الشريعة ألا تسافر المرأة وحدها

والأصل المقرر فى الشريعة الإسلامية "ألا تسافر المرأة وحدها، بل يجب أن تكون فى صحبة زوج أو محرم لها" وليس مرجع هذا إلى اتهام للمرأة أو سوء ظن بها لكن حسن الرعاية والحماية لها، والتكريم والحفاظ عليها من التعرض للمشاكل والمضايقات، ودليل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم" - صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم – الكلام لـ"رحيم".

رأى المحكمة الدستورية

رغم صدور حكم المحكمة الدستورية العليا، بإلغاء قرار وزير الداخلية المصري بشأن اعتبار موافقة الزوج على سفر زوجته للخارج شرطاً جوهرياً لمنحها جواز السفر، وقرار رئيس الجمهورية بتفويض وزير الداخلية سلطة تحديد شروط منح جواز السفر للمواطنين، أو رفض استخراج جوازات لهم أو تجديدها أو سحبها، فإن هذا لا يصادر حق الزوج في منع زوجته من السفر إلى الخارج، حيث إن هذا الحق قررته الشريعة الإسلامية، وهو حق قانوني ودستوري منذ عام 1971، حيث ينص الدستور على أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر التشريع، فالذي تم إلغاؤه هو الإدراج على القوائم إداريا واستخراج جواز السفر وليس حق الزوج في منع زوجته من السفر.

 
وقانوناً ليس من حق المرأة أن تسافر دون إذن زوجها، وللزوج أن يطلب منعها من السفر وليس وزير الداخلية، فقانون الأحوال الشخصية والشريعة نصت صراحة على ضرورة حصول المرأة على موافقة زوجها إذا رغبت في السفر، وهذا حق للزوج طالما في حدود المشروعية دون تعسف الزوج في استعمال حقوقه.

ما هو حق الاحتباس؟

فحق الزوج في منع زوجته أو ما يسمى "حق الاحتباس" الذي أعطاه الدين للزوج فقط أصبح يطبق عن طريق القضاء، بحكم من محكمة الأحوال الشخصية "قاضي الأمور الوقتية"، بمنع الزوجة من السفر بعد أن كان هذا الحق مطلقا في يد الرجل حتى لا يلجأ الزوج للطريق الإداري لمنع الزوجة من السفر دون علمها ودون حكم محكمة ينص على ذلك ·

 
وعليه فهي لا تسافر إلا بإذنه، ولكن وحيث إن عَقْد الزواج شريعة المُتعاقدَين، وبمقتضى هذا العقد يترتب عليه حقوق وواجبات مُتبادَلة بالنسبة لكلا الزوجين، وبمقتضى هذا العقد فإن الزوجة "محتبسة" لحق الزوج في مقابل الإنفاق عليها بجميع أنواعه التي تجب عليه، وعليها الطاعة والاحتباس له في مقابل ذلك، وهذا هو الأصل، لكن يجوز اشتراط الزوجة لنفسها في عقد الزواج من الإذن ما يحله الله، كخروجها لطلب العلم أو العمل أو السفر للعمل أو العلم، فإذا ما وافق الزوج على هذا الشرط يلتزم به ويجب عليه الوفاء به، لقوله تعالى: "يا أيُّها الذين آمنوا أوْفُوا بالعقود".

متى يحق للزوجة السفر دون إذن زوجها؟

وهذا الشرط إما أن يكون صريحًا أو ضمنا، فالصريح هو المذكور بالعقد ولا يحتاج إلى إذن جديد، أما الضمني فكما إذا تزوجها وهي تعمل أو كانت طالبة وتسافر، ومدوَن بالعقد أنها تسافر، ولم يشترط الزوج في العقد عدم خروجها وسفرها للعمل أو للعلم إلا بإذنه، أو المنع من السفر والاحتباس في منزله لطاعته، وكان العمل الذي ستسافر إليه مفروضا عليها، وفيه نفع للصالح العام، ولم يكن فيه إضرار بالأسرة أو المجتمع، فإنه بمقتضى هذا الإذن الضمني يكون لها حق الخروج بدون إذنه، لأن الإذن في هذه الحالة ضمني وعرفي، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا، يجب الوفاء به شرعا.

فإن منع هذا الإذن كان متعسفا في استعمال الحق، فلها أن تلجأ إلى القاضي لمنع الضرر عنها بمقتضى هذا التعسف وطلب الإذن بالخروج أو السفر من القاضي؛ وذلك لأن القاضيَ ولي من لا ولي له، وإذن للقاضي رخصةٌ قائمة على الضرورة الشرعية، والرخصة والضرورة تقدَر بقدرها، فإذا ما استعمل الزوج حقه في أنها لا تسافر إلا بإذنه، وأساء استعمال هذا الحق وكان متعسفا فلها الحق أن تلجأ للقضاء لمنع هذا الضرر عنها بمقتضى هذا التعسف غيرِ المشروع من الزوج، ولها أن تطلب الإذن لها من القاضي بالسفر؛ لأن القاضي ولي من لا ولي له شرعا.

متى تلجأ الزوجة للمحكمة للسفر دون إذن زوجها؟

أما إذا تحصل الزوج على قرار بمنعها من السفر دون مسوغ شرعي، فلها أن تتظلم منه على أساس أن القرار المطعون عليه خلا من الأسباب التي تبرره، مما يفقده المشروعية ويجعل الزوج متعسف في إصداره ولا يستهدف المحافظة على الأسرة والأمن والنظام العام، وأن تنفيذ القرار يؤدي إلى الإضرار بالزوجة، لأن طبيعة عملها تستدعي دوام سفرها للخارج.

 
القاعدة القانونية في هذا الشأن

نصت المادتان الرابعة والخامسة من التقنين المدني على أن من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير، وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق، وحقا التقاضي والدفاع، من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكا أو ذودا عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد فى الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، طبقا للطعن المقيد برقم 438 لسنة 43 ق جلسة 1977/3/28 .

هل منع الزوجة من السفر ضمن التعسف في استعمال الحق؟

من حق الزوج منع الزوجة من السفر بمفردها خارج البلاد دون تعسف في استعمال هذا الحق والمنع من التنقل لا يملكه اليوم إلا قاض ومن حق الزوجة التظلم من ذلك بشرط التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع‏، ومساواتها بالرجل دون إخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية القطعية الثبوت والدلالة باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع وفقا للمادة الثانية من الدستور‏.‏

أزمة سابقة فصلت فيها المحكمة لصالح الزوجة وليس الزوج.. والسبب؟

ويكون الترجيح بترتيب المصالح ودفع الضرر، والتوفيق بين جميع هذه الحقوق، حق المواطن من ناحية، وحق المجتمع من ناحية أخري‏، وبناء على ذلك قضت محكمة القضاء الإداري بمنح مضيفة جوية جواز سفرها‏، والسماح لها بالسفر‏،‏ وكانت قد اشترطت علي زوجها استمرارها في عملها خلال الزواج‏،‏ وسفرها للخارج‏، ووافق الزوج بدليل موافقته علي استخراج جواز السفر‏،‏ ونشبت خلافات بين الزوجين‏، وغادرت الزوجة منزل الزوجية‏، وأسرع الزوج إلي مصلحة الجوازات والجنسية يطلب سحب جواز سفرها‏، وسحبته المصلحة، وعاد إليها الجواز مرة أخري استنادا إلي حكم المحكمة الدستورية العليا‏.‏

وقد نظم القانون رقم "1" لسنة ‏2000‏ في شأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، قد نظم أمر منازعات السفر باعتبارها من مسائل الأحوال الشخصية، وهذا القانون تمت مراجعته من قسم التشريع بمجلس الدولة ومجمع البحوث الإسلامية وفضيلة شيخ الأزهر،‏ ونص هذا القانون على اختصاص قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية دون غيره بإصدار أمر على عريضة في المنازعات حول السفر إلى الخارج بعد سماع أقوال ذوي الشأن‏.‏  

معني ذلك - أن من حق الزوج أو الزوجة اللجوء إلى القاضي المختص للحصول على أمر على عريضة، لمنع الطرف الآخر من السفر في حالة وجود سبب قوي لذلك، وليس من بين مواد هذا القانون رقم ‏(1)‏ لسنة ‏2000‏ ما يمنح الزوج حقا مطلقا في منع الزوجة من السفر بدليل أن القاضي لا يصدر الأمر إلا بعد سماع أقوال ذوي الشأن‏،‏ ومنهم الزوجة‏.‏

وهناك أيضا الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا في جلسة ‏3‏ مايو‏1997 - وأكد الحكم حق الزوجة في الخروج إلى العمل بموافقة زوجها الصريحة أو الضمنية‏، ورتب على خروجها دون ذلك الإذن سقوط نفقتها‏، واعتبارها ناشزا - ويمكن القول إن العلاقة الزوجية لا تستقيم بالإكراه على فعل شيء أو المنع من فعل شيء، فيجب النظر للأمر من جميع الجوانب، فهناك جانب اجتماعي، فهناك نساء لهن ظروف خاصة تستدعي السفر للخارج وأحياناً يقف الزوج حائلاً أمام سفرها، وقد تبين هذه الأحكام خروج الزوجة للعمل والسفر دون إذن وشروطه فيقاس عليها حالات المشروعية والتعسف.

أحكام خروج الزوجة من مسكن الزوجية دون إذن

أحكام خروج الزوجة من مسكن الزوجية دون إذن أو موافقة زوجها للعمل المشروع، المادة 1 من القانون 25 لسنة 1920 المعدل بقانون 100 لسنة 1985، انتفاء حق الزوج في منع زوجته من الخروج للعمل المشروع يكون قوامه ثبوت رضائه الصريح أو الضمني أو توافر ضرورة ماسه للمال، أما شرطه ألا يتنافى الخروج مصلحة الأسرة أو تنشئة الصغار ورعايتهم أو تسئ الزوجة استعمالها حقها في العمل، ويكون عودة حق الزوج في المنع عند انتفاء هذه الشروط واعتبار المنع استعمالا مشروعا للحق، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 1302 لسنة 73 ق – جلسة 14/12/2004.

المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 بشأن أحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 قد نظمت أحكام خروج الزوجة من مسكن الزوجية – دون إذن زوجها وموافقته – للعمل المشروع وقد استقر الفقه والقضاء على وجود عدد من الحالات ليس للزوج فيها منع زوجته من الخروج للعمل المشروع تقوم في مجموعها على فكرة ثبوت رضائه الصريح أو الضمني بهذا العمل أو توافر حالة ضرورة ماسة للمال إلا أنه يشترط لذلك ألا يكون خروج الزوجة مناف لمصلحة الأسرة أو تنشئة الأولاد الصغار ورعايتهم أو تسئ الزوجة استعمالها حقها في العمل حيث يعود للزوج في هذه الحالات الحق في منع الزوجة من الخروج للعمل رغم سبق رضائه الصريح أو الضمني، وإذا ما خالفته الزوجة في ذلك تسقط نفقتها .  

وهى أحكام وإن قننها المشرع بمناسبة تنظيمه لأحكام النفقة الزوجية إلا أنها تعد تطبيقا هاما لمفهوم حق الزوج في منع زوجته من العمل المشروع وحدود هذا الحق وضوابطه، بحيث يكون استعمال الزوج لحقه في منع زوجته من العمل استعمالا مشروعا إذا ما أدعى أن هذا العمل مناف لمصلحة الأسرة وتربيه الأولاد وأثبت ذلك، باعتبار أن الحرص على مصلحة الأسرة بوصفها اللبنة الأولى في المجتمع وتربيه الأبناء – ورعايتهم والعناية بهم وتنشئتهم على تعاليم الدين وثوابته والخلق القويم وضوابطه وحمايتهم من مخاطر الانحراف والمفاسد والبعد عن جادة الصواب خاصة في السنوات الأولى لحياتهم التي تؤثر في تكوين شخصياتهم ونظرتهم للأمور – مقدم على المصلحة الخاصة للزوجة في العمل داخل البلاد أو خارجها . 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق