ذكرى استرداد طابا.. كيف خاضت القاهرة معركة قانونية دولية لاسترداد كل شبر من سيناء؟

الخميس، 19 مارس 2020 08:00 م
ذكرى استرداد طابا.. كيف خاضت القاهرة معركة قانونية دولية لاسترداد كل شبر من سيناء؟

تمر اليوم الذكرى الـ 31 على تحرير طابا، ففي مثل هذا اليوم في عام 1989، كانت مصر تسترد آخر شبر من أراضيها من إسرائيل، بعد مفاوضات وتحكيم دولى دام لأعوام عديدة، قدمت فيه الدولة المصرية حينها كافة المستندات والوثائق التي تؤكد مصرية هذه الأرض، وتدحض كافة الادعاءات الإسرائيلية حول ملكيتها للأرض.
 
الدبلوماسية المصرية لعبت دورا كبيرا وضخما فى جمع الوثائق التى تدحض الرواية الإسرائيلية، وقدمت وزارة الخارجية حينها 29 خريطة بأحجام مختلفة تثبت الملكية المصرية لطابا، وتمكنت من جمع خرائط ووثائق من الأرشيف المصرى والبريطانى والتركى، وقدمت 10 خرائط من الأرشيف الإسرائيلى نفسه تثبت تبعية طابا للأراضى المصرية، فيما قدمت إسرائيل ست خرائط فقط، لكن الخرائط والوثائق لم تكن كافية فقط لحسم القضية لصالح مصر.
 
المشاركون في لجنة المفاوضات، والذين خاضوا معركة أمام التحكيم الدولى لاسترداد طابا، كشفوا الكثير من كواليس العمل، فالدكتور مفيد شهاب، رئيس الفريق القانونى المصرى حينها لاسترداد طابا، كشف الكثير من التفاصيل الخاصة بالمفاوضات، حيث أكد أن إسرائيل فوجئت بتصميم مصرعلى أنها لا تقبل إلا بتحرير كل أراضيها وفى مقدمتها طابا ورأس النقب، حيث أرادت إسرائيل الاحتفاظ بالمنطقتين نظرا لأهميتهما السياسية والسياحية والاقتصادية والعسكرية، ومن هنا بدأت معركة التحكيم الدولى، التى جاءت تتويجا للانتصار العسكرى الذى منه انطلقت المعركة السياسية وارتكزت عليه المعركة القانونية والقضائية وانتهت بتحرير طابا ورأس النقب ليتم تحرير كامل سيناء.
 
ويضيف مفيد شهاب: تم الإعداد الجيد للخطوات القانونية والقضائية، من خلال حسن اختيار المحكمين وتحديد الإجراءات والخطوات الخاصة بالتحكيم بدقة، لعدم تعطيل الطرف الآخر إجراءات تسليم الأرض، وتم الاعتماد على الخبرة من خلال أن يكون هناك لجنة قومية للدفاع عن طابا، يشكلها رئيس الجمهورية حينها من قانونيين وعسكريين وأساتذة قانون وتاريخ وجغرافيا وخبراء مساحة، ودرسنا هذا الملف عدة شهور، وكنا نعمل بروح الفريق، موضحا أن الفريق كان يضم 24 عضوا نعمل جميعا تحت إشراف ومتابعة دقيقة من القيادة السياسية .
 
الدكتور نبيل العربى، الأمين العام السابق بجامعة الدول العربية، أكد فى تصريحات له مسبقا، أن معركة استرداد طابا فى أكتوبر 1981 خلال اجتماع الجانب المصرى مع الإسرائيلى لتفعيل انسحاب الجيش الإسرائيلى من سيناء، واتفق الطرفان على كل العلامات الحدودية باستثناء العلامة 91 الخاصة بمدينة طابا، حيث رفض الوفد الإسرائيلى تنفيذ الانسحاب بشكل كامل وتوسع الخلاف حتى شمل 13 علامة أخرى، وأعلنت مصر فى مارس 1982 عن وجود خلاف مع الجانب الإسرائيلى حول بعض العلامات الحدودية، مؤكدة تمسكها بموقفها المدعوم بالوثائق الدولية والخرائط التى تثبت تبعية تلك المناطق للأراضى المصرية، وعقدت عدة اجتماعات رفيعة المستوى لبحث إيجاد حل للأزمة وتعقدت الأمور بشكل أكبر بعد تعنت الإسرائيليين فى إعادة طابا.
 
وحسب رواية نبيل العربى، الذى ترأس وفد مصر في التفاوض، لإنهاء نزاع طابا مع إسرائيل (1985 - 1989)، طالبت مصر باللجوء إلى التحكيم الدولى لحل النزاع كما تنص المادة السابعة من معاهدة السلام بين البلدين نتيجة للرفض الإسرائيلى، وهنا حاولت إسرائيل تضليل الرأى العام العالمى بل وربما المصرى بالقول إن العلامات التى تم الاتفاق عليها فى 1906 تم تعديلها فى 1915 بواسطة توماس إدوارد لورانس الضابط البريطانى الذى كان له دور فى الثورات العربية على الدولة العثمانية، كما قامت إسرائيل بإزالة العلامة 90 بعد أن تركتها فى موقعها لإيهام مصر بأنها العلامة 91.
 
وكثفت الدبلوماسية المصرية من تحركاتها الدولية لإظهار الحقيقة وتفنيد الرواية الإسرائيلية لسرقة جزء من أراضى سيناء، وقدمت مصر الوثائق والخرائط التى تثبت تبعية طابا للأراضى المصرية، مشيرة إلى انسحاب إسرائيل من سيناء - بما فيها طابا- إلى الحدود الدولية عقب عدوان 1956، وردت الحكومة الإسرائيلية بأن موقفها قائم على وجود خطأ فى تعليم الحدود وفق اتفاقية 1906 الخاصة بتعيين الحدود بين مصر والدولة العثمانية، وأن موقفها بعد حرب أكتوبر 1973 يسعى لتصحيح هذا الخطأ.
 
ولعبت الدبلوماسية المصرية دورا بارزا فى تجميع الأدلة والوثائق التى تدحض الرواية الإسرائيلية، وقدمت وزارة الخارجية 29 خريطة بأحجام مختلفة تثبت الملكية المصرية لطابا، وتمكنت من جمع خرائط ووثائق من الأرشيف المصرى والبريطانى والتركى، وقدمت 10 خرائط من الأرشيف الإسرائيلى نفسه تثبت تبعية طابا للأراضى المصرية، فيما قدمت إسرائيل ست خرائط فقط لكن الخرائط والوثائق لم تكن كافية فقط لحسم القضية لصالح مصر.
 
ومن ضمن أسباب الصعوبات التى واجهت الفريق المصرى والذى كان يضم إلى جانب الساسة والقانونيين، وخبراء فى المساحة والخرائط ترجع إلى أن هذا الجزء من الأراضى المصرية كان موقعا للقوات الدولية فى مرحلة ما بعد العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956 فالقوات المصرية لم تطأ أقدامها الشريط الحدودى على الجانب المصرى منذ عام 1956 وكانت المعلومات المتوفرة لديها ضئيلة، ولم يتم تحديثها، وهو ما تطلب البحث عن الضباط الذين عملوا فى ذلك الوقت فى إطار القوات الدولية، وكان من بينهم ضباط من الدنمارك التى لم تتعاون مع مصر كثيرا فى سعيها لإثبات حقها ومن يوجوسلافيا التى أبدت التعاون مع مصر من خلال شهادة ثلاثة أكدوا موقع العلامات المرسمة للحدود الدولية بين مصر فلسطين تحت الانتداب «وكان لشهادتهم تأثير واضح على هيئة التحكيم التى أكدوا أمامها فى شهادة مشتركة أن مهمة الكتيبة اليوجوسلافية لمدة عشر سنوات كانت القيام بدوريات غرب الهضبة وأن خرائطهم الرسمية تؤكد أن خط الحدود يمر على هضبة طابا، وليس فى وادى طابا كما تدعى إسرائيل.
 
وبدأت الصعوبات فور النطق بالحكم، الذى جاء إجمالا لصالح مصر، أما إسرائيل فقد خسرت موقع العلامة الخاصة برأس النقب وباقى المواقع المهمة، ومع هذه الخسارة. 
 
وبعد مفاوضات بعد إصدار حكم المحكمة بتبعية طابا للأراضى المصرية تم التوصل إلى عقد ما سمى باتفاق روما التنفيذى فى 29 نوفمبر 1988 والذى نص فيه على تحديد علامات الحدود الأربعة عشرة وفقا للحكم الصادر عن محكمة التحكيم، وعلى الانسحاب الإسرائيلى من الأرض المصرية إلى ما وراء هذه العلامات فور تحديدها، وتم جلاء الإسرائيليين عن طابا فى 19 مارس 1989، ورفع العلم المصرى واعتبر هذا اليوم «عيد تحرير طابا».
 
وكان للدكتور عصمت عبد المجيد، وزير الخارجية حينها، والدكتور مفيد شهاب، والباحث والمحقق التاريخى الدكتور يونان لبيب رزق، الذى قدم خرائط ووثائق قديمة تثبت مصرية طابا، منها خطاب أرسله جندى إنجليزى لزوجته أثناء الحرب العالمية الأولى، يحدثها فيه أنه يتكلم من مصر عند نقطة طابا الحدودية، كما ضم الفريق، أيضاً، كلاً من الدكتور نبيل العربى، مساعداً فى إتمام الإجراءات وأوراق القضية، واللواء عبدالفتاح محسن، مدير المساحة العسكرية الأسبق، وقائد عمليات القوات المسلحة المصرية فى حرب اليمن، وكمال حسن على، قائد إحدى فرق الإمداد فى حرب أكتوبر، وحامد سلطان، أستاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق