ملايين لعنها الخوف.. مغامرة «صوت الأمة» في أسواق مواد التعقيم والتطهير (فيديو وصور)

السبت، 21 مارس 2020 02:26 م
ملايين لعنها الخوف.. مغامرة «صوت الأمة» في أسواق مواد التعقيم والتطهير (فيديو وصور)
تحقيق تجارة الجيل الكحولي
هشام السروجى

"صوت الأمة" تخوض مغامرة في أسواق مواد التعقيم والتطهير وتكشف عن مصانع بير السلم والمتاجرين بأرواح المصريين


شركات صغيرة استغلت حاجة المواطنين وانتجت عبوات "مضروبة" من جيل السونار مع الكحول

 

89836214_2921680564612184_1733653679195553792_o

التحقيق المنشور في النسخة الورقية 


 

مصائب قوم عند قوم فوائد، هناك من يتسلق الأزمات، ويقتات على الويلات واستغلالها في تحقيق ربح مادي، دون الالتفات إلى أي بُعد انساني أو أخلاقي، هؤلاء من يطلق عليهم "أغنياء الحرب"، الذين لا يعبئون بألآم الناس ولا معاناتهم، بل يتخذون من أطلال الكوارث قاعدة بناء يجنون منها الملايين.

 

في أيام قليلة بدأ يتردد اسم "كورونا" وينتقل من دولة لأخرى، وأصبح ذكر أسمه كفيل أن يبث الرعب في قلوب الجميع، فهو فيروس لا يرى بالعين المجردة هز عروش وإمبراطوريات، أسقط ألاف الضحايا، حبس ملايين البشر في منازلهم وفرض الحجر الصحي على بلاد بأكملها.

 

امتلأت أسواق مواد التعقيم بالزبائن، مع ارتفاع الطلب على المطهرات، وتداول معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بارتفاع مفاجئ في أسعار تلك المواد، توجهت لأحد المحال المزدحمة بالمشترين، للتأكد من صحة المعلومات المنشورة عن ارتفاع الأسعار، ومعاينة صحتها من عدمه، وفي  أشهر أسواق القاهرة التي تبيع المواد الكيميائية المستخدمة في التعقيم والتطهير، وكذلك أدوات المعامل والمستلزمات الطبية، يقع بمنطقة السيدة زينب في شارع القصر العيني، وبالسؤال عن الأنواع المتوفرة وأسعارها، وجدت أن هناك نوعين متوفرين من المواد المطهرة، وهما نفس الأنواع التي يبحث عنها الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع التسويق الإلكتروني:-

النوع الأول.. (ستريليوم) ومنه نوع ألماني المنشأ ويباع بسعر 550 جنية مصري، ومحلي المنشأ ويباع بسعر يتراوح بين 150: 225 جنية مصريالنوع الثاني، هو الأكثر رواجًا وانتشارا وهو (الجيل الكحولي) ويصنع تحت مسميات وماركات مختلفة، لكن جميعها مُصنعة من نفس المواد الفعالة والتركيبة، مع تفاوت في نسبة الكحول بين 40: 70% من "الكحول الأثيلي" أو الإثينول، وتباع العبوة الواحدة (1 لتر) بسعر يتراوح بين 150: 300 جنية.

 

 


 

 

شراء مستحيل

أبديت رغبتي في شراء 100 عبوة بسعر الجملة، وعرفت نفسي بأني مدير مشتريات في أحد الشركات، لكن صاحب المحل رفض البيع بالجملة، بحجة أن الكميات المتوفرة لديه لا تكفي طلبي، وأن البيع بالجملة لا يحقق العائد، ودلني على مخزن موجود ضمن محال في شارع جانبي.

 

ترجلت باحثًا عن المخزن، وصلت إلى الشارع الفرعي، في أول الشارع وجدت محل صغير المساحة لا تتخطي مساحته 10 متر مربع، على بابه "فاترينة" معروض فيها أدوات معامل وكمامات واقية من التلوث، اقتربت لأسأله على المخزن المذكور، وأخبرته برغبتي في شراء عبوات مطهر بسعر الجملة وبكميات كبيرة، كان من الواضح أن صاحب المحل لا يبيع المطهرات الجاهزة، فالمعروضات لا تتضمن إي من المطهرات المذكورة أعلاه، لكنه تجاذب معي أطراف الحديث، فبدأت في توثيق الحوار بالصوت والصورة، وأثناء الحوار انضما سيدة وشاب كانوا يسألون عن مكان بيع جملة، لكنهم وجدوا الأسعار زادت 300% خلال 24 ساعة، حيث تواجدا أمس –بحسب حديثهم- في نفس الشارع واشتريا عبوة الجيل الكحولي بـ50 جنية مصري، وأكد البائع على حديثهم، مشيرًا إلى الأن الأسعار تتزايد كل ساعة بشكل متصاعد، وأن البحث عن مكان يبيع بأسعار أمس هو أمر مستحيل.

 

الكحول الخام قبل الشراء
الكحول الخام قبل الشراء

 


تصنيع بلا رقيب

استشعر البائع أن امامه صفقة لا يجب أن تضيع.. 3 أشخاص يقفون أمامه يملكون المال وهو لا يملك السلع المطلوبة، هنا طرح فكرة كانت مفتاح اللغز، قال البائع –كما هو موثق بالصوت والصورة- أن كل البضاعة الموجودة من الجل الكحولي يتم تصنيعها محليًا في أماكن غير مرخصة –بير سلم- وتوجه بحديثة إلّيّ، حيت أخبرني أنه يستطيع مساعدتي على توفير كل الكميات المطلوبة، بتكلفة أقل من خمس (20%) السعر المباع به في الأسواق، فسألته كيف يتم ذلك؟!

 

غاب البائع دقائق ثم عاد يحمل 3 عبوات، عبوة كبيرة بها مادة زرقاء اللون، وعبوتين أقل حجمًا بلاستكية بيضاء اللون، اقترب مني وبجانبي السيدة والشاب وأخبرنا أن العبوة الكبيرة تحوي "جيل سونار" المستخدم في عمل إشاعات السونار، أما العبوتين الأصغر فهما للكحول الإيثانولي تركيز 70%، وبدأ في طرح الفكرة شارحًا، أن جميع المنتجات المباعة في السوق تتركب من هذين المادتين، ويتم خلطهما ووضعهما في عبوات مجهزة للاستخدام، وأضاف أن عبوة جيل السونار سعرها 50 جنية مصري، في حين أن عبوة الكحول سعرها 35 جنية مصري، بواقع 70 جنية للعبوتين، أي أن أجمالي العبوات 120 جنية فقط، ومن ثم ينتج عن خلطهما 6 لتر من الجيل الكحولي المطهر، أي أن تكلفة اللتر الواحد 20 بدلًا من 150 جنية، وإذا تم إضافة معطر بسعر 5 جنية مصري وزيت الجلسرين بسعر 15 جنية، للحفاظ على رطوبة البشرة، سيصل سعر اللتر إلى 23.5 بدلًا من 300 جنية سعر بيع أجود المنتجات التي تحافظ على البشرة من تأثير الكحول والجيل السونار.

 

ما سمعته توجهت به إلى الدكتور أحمد محمد جلال الدين الباحث بمعمل الفيروسات بالمركز القومي للبحوث، الذى قال أن المادة الفعالة في قتل فيروس كورونا هي الكحول، وأي مادة تضاف إليها سواء جيل سونار أو ماء، دورها الأساسي إطالة عمر الكحول على الجزء المراد تطهيره، لأن الكحول يزول بسرعة والتطهير الصحيح يحتاج تواجده أكبر مدة على الجسم.

 

وعن صحة التركيبات التي تؤدي مفعولها التطهيري يقول الدكتور الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية، المهم هي أن تكون النسبة 1:3 بمعني أن الكحول يعني 70% والمادة الأخرى سواء جل أو ماء لا تزيد عن 30%، فإن توفرت هذه النسب يكون الاستخدام صحي وآمن ويحقق فائدة الوقاية.

 

مصدر رسمي –طلب عدم ذكر أسمه- قال إن سوق المواد الخام ينقسم إلى مصانع كبرى منتجة للكحول مثل شركة النصر والحوامدية والجمهورية، لكنهما لا يبيعون إلا بتصديق فقط، وللشركات المصدق لها حيازة الصنف –الكحول- خاصة وأنه صنف مدرج بجدول الممنوعات لاستخدامه في صناعة المشروبات الكحولية، أما الطريق الثاني للحصول عليه جملة –كميات كبيرة- عن طريق محال بيع الجملة بشارع الجيش، وهؤلاء تعاقدوا منذ اندلاع الازمة مع مصانع أنتاج المطهرات عقود مفتوحة لإمداد خطوط إنتاج، وكل الكميات مباعة.

 

تصنيع بلا رقيب


 

سلعة رائجة

يوماً وراء الأخر، بدأ القلق يتناب المصريين من الفيروس، وعلى الجانب الأخر ترتفع أسعار مواد التعقيم والتطهير التي أصبحت من ضرورات الحياة اليومية للوقاية من الفيروس القاتل، بعد أن كانت من الرفاهيات التي لا يلتفت إليها الغالبية، وانتشرت الارشادات الوقائية التي ترتكز في المقام الأول على النظافة والعناية الشخصية، في الأماكن العامة والعمل وفي المواصلات وعلى الشاشات، وهرع الجميع إلى شراء مواد الوقاية، وهنا بدأت الكارثة.

 

بعدما حصلنا على المواد الخام ونسب التصنيع –الخلط- توجهنا لشراء عبوات بلاستيكية مجهزة بمضخات، كالتي يباع فيها الجيل الكحولي، ووضعنا عليا ملصق –استيكر- قمنا بتصميمة في وحدة الجرافيك بالجريدة، وطبعناه على ورق لصق، ووضعناه على العبوات، وقمنا بعرضه على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) وبدأت تتهافت علينا طلبات الشراء، ما بين الرغبة في شراء كميات تتراوح ما بين 100: 2000 عبوة مرة واحدة، دون السؤال عن مصدر التصنيع أو الترخيص أو جودة المنتج والمواد الفعالة، وأبدى البعض استعداده شراء الكميات المتوفرة بالكامل مهما كان عددها، وآخرين عرضوا دفع مقدم شراء إذا لم تتوفر الكميات المطلوبة، على اتفاق تسليم باقي الكميات في الوقت الذي نحدده.

 

أحد الطلبات كانت من سيدة تقطن في منطقة التجمع الخامس –حسبما ذكرت- وسألت في البداية على الكمية المتاحة، ثم فاوضت على تخفيض السعر، لكن رفضت بحجة أن الأسعار في ارتفاع مستمر، وأن سعر العبوة الأن 16 مارس 2020 وصل إلى 180 جنيها مصريا، فردت أن هناك مصنع في أكتوبر يبيع العبوة بسعر 80 جنية، لكن هناك أشخاص اشتروا خط الإنتاج ولن يستطيع توفير احتياجاتها قبل أسبوع، لكنها يهمها سرعة الحصول على الطلبية، ثم سألت إن كانت بضاعتي مصنوعة في مصنع مرخص من عدمه، وأخبرتها أنها غير مرخصة لم تهتم، لكن أكدت أن كانت العبوات تحمل شعار وعلامة تجارية مزيفة، وعندما أجبت أن "كله زي الفل" لم تستفسر.

 

علمت من حديثي معها أن تقوم بالبيع في مناطق التجمع ومدينة نصر عبر التسويق الإلكتروني، وطلبت مني في حالة شراء منتجي وخط انتاجي، ألا أقوم بالبيع إلكترونيا عبر مواقع التواصل ومواقع التسويق، أو بالقطعة، ولو رغبت في البيع يكون باتفاق ان لا يكون هناك تفاوت في سعر البيع بيني وبينها وأن يكون السعر موحد، وعرضت شراء 1000 عبوة كاش، ودفع عربون قبل الشراء.

 

النتيجة التي توصلنا إليها من واقع هذه التجربة أن ما يحدث في سوق المنظفات ومواد التعقيم والتطهير يمكن وصفه بالكارثى، الذى يستدعى تدخل حاسم من الأجهزة الرقابية، حفاظاً على أرواح المصريين.

عرض المنتج للبيع
عرض المنتج للبيع

 

محادثة البيع1
محادثة البيع1

 

محادثة البيع2
محادثة البيع2

 

محادثة البيع3
محادثة البيع3

 

محادثة البيع4
محادثة البيع4

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق