يوسف أيوب يكتب: هل أتاكم حديث "حقوق الإنسان" بالمفهوم المصرى؟

الأحد، 05 أبريل 2020 07:00 ص
يوسف أيوب يكتب: هل أتاكم حديث "حقوق الإنسان" بالمفهوم المصرى؟
فيروس كورونا
يوسف أيوب

هل أتاكم حديث حقوق الإنسان بالمفهوم المصرى؟.. هل تأكدتم أن للحقوق مفاهيم أخرى غير تلك التي يروج لها ملاك "دكاكين السبوبة" وملاك الشعارات السياسية الزائفة؟.. هل أدركتم أن حقوق السكن والصحة لها الأولوية على ما عداها؟..
 
كل هذه الأسئلة تزاحمت على عقلى وأنا أتابع هالة الهلع والخوف التي تتملك الجميع، من فيروس كورونا، فلم يعد أحد يتحدث في السياسة، وحقوق الإنسان السياسية، بل الكل يتحدث عن كيفية الهروب من هذا الفيروس اللعين، الذى يقضى كل يوم على الاف المصابين، وجعل العالم كله مغلقاً، فالحظر يشمل الجميع بلا استثناء، والكل لا يتحدث الا عن أمر واحد، متى سنجد الدواء الذى سنعالج به المصابين بالفيروس؟.. وإلى أن نصل للدواء فهل الإمكانيات الصحية للدول كفيلة بالتعامل مع الالاف المصابين يومياً؟.
 
في الولايات المتحدة الأمريكية نسمع كل يوم صرخات من ضعف المنظومة الصحية، ومطالب بتوفير أجهزة تنفس، لإن أعداد المصابين تفوق قدرة المنظومة الصحية في الدولة الأولى عالمياً على استيعاب هذه الإعداد الرهيبة من المصابين، وهو الأمر الذى تكرر في دول كثيرة، في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى.. الجميع يشكو ضعف المنظومة الصحية، والأجهزة والخدمات، ووصل الأمر بالولايات المتحدة التي كانت تبحث في قوانين تقيد بها أو تمنع من خلالها هجرة المواطنين إليها، اليوم تتوسل هجرة الأطباء.
 
كل هذا يقودنا إلى الفكرة الأساسية، وهى أن للإنسان حقوقاً تجاهلناها جميعاً، وسرنا فقط خلف سراب أسمه "حقوق الإنسان السياسية"، سرنا خلف السياسة وأهملنا الإنسان نفسه، فبات الإنسان عرضة للموت دون أن يجد من ينقذه.
 
وسط كل هذا الخوف والهلع، تذكرت جملة شهيرة قالها الرئيس عبد الفتاح السيسى في أكثر من مناسبة، ورأيت أنه من المناسب التأكيد عليها مرة أخرى اليوم، لأنها تلخص كثير من الوضع الذى نعيشه، فالرئيس خلال لقاءه قبل عام مع الرئيس الفرنسي، وقبلها في القمة العربية الأوربية بشرم الشيخ، تحدث عما أسماه "مفهوم حقوق الإنسان الشامل" الذي يتضمن كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمعيشية والتعليمية وتعزيز الرعاية الصحية كحق من حقوق الإنسان لتوفير حياة كريمة، مع عدم اختزال تلك الحقوق على الجوانب السياسية فقط دون غيرها.
 
حينها لم يوقن الكثيرون مغزى الرئيس من هذا المفهوم، وأعتبره البعض انه هروب من المواجهة، مع دول ومنظمات تضع حق الحرية والتعبير في المقدمة، حتى فوق الحقوق الإنسانية الأخرى، لكن فات كل هؤلاء أن الحق الاساسى للإنسان الذى تحدث عنه الرئيس، هو أن يبقى حياً ويعيش حياة كريمة، وبعدها نبدأ الحديث عن الحقوق الإخرى السياسية وغيرها، لأنه بدون أن يتوفر للإنسان مسكن لائق وخدمة صحية كريمة، فلا مجال للحديث عن حقوق أخرى، لإن الإنسان في هذا الحالة فقد إنسانيته وأدميته.
 
ما قاله الرئيس قبل سنوات، هو ما يتحدث عنه العالم اليوم، الذى تبدلت لديه الاهتمامات، بل أستطيع القول أنه عاد إلى المسار الصحيح، بعدما أدرك أن للإنسان حقوقاً تسمو فوق أي حقوق معنوية أخرى، فبناء المستشفيات والمدن الجديدة والبنية التحتية لم يكن أبداً هدفه الا رد حق أساسى للإنسان المصرى، الذى وجد نفسه إمام دولة تعترف للمرة الأولى بحقوقه الأساسية.. حقه في الصحة والتعليم والسكن.
 
نعم لا غنى عن الحقوق السياسية، سواء حرية الراى والتعبير وغيرها من الحقوق المدرجة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لكن ما فائدة كل هذه الحقوق في دولة تفتقد لمقومات الحياة للإنسان العادى؟.. بالتأكيد لن يكون لها فائدة، وهو ما بدأ الجميع يدركه من خلال أزمة كورونا، التى جعلت معارضين للدولة أو الحكومة لا يخجلون من خلع رداء المعارضة مؤقتا وتوجيه الشكر للدولة على إدارتها الناجحة للتعامل مع أزمة كورونا، وهذه الإدارة لم تكن لتتحقق لولا التركيز المبدئى على المفهوم الشامل لحقوق الإنسان، الذى وصل بنا إلى منظومة صحية قادرة على التعامل مع الفيروس القاتل حتى الآن بكفاءة محل تقدير واحترام من منظمة الصحة العالمية التي تتابع تفاصيل ما يحدث يومياً.
 
منظومة صحية لم تكمن وليدة فيروس كورونا، وإنما وضعت الدولة لبنتها الأولى منذ خمس سنوات، ونحن اليوم نحصد جزء من ثمارها، فلم تكن حملة "100 مليون صحة"، وغيرها من المبادرات الرئاسية الا جزء من هذه المنظومة التي وضعت أساسا لهدف واحد، وهو أن يستعيد المصرى حقه.
 
إنها كورونا التي رغم مآسيها لكنها استطاعت أن تعيد لمفهوم حقوق الإنسان الشامل قيمته، تماماً كما تفعل من جهة أخرى وهى تعيد صياغة القوى العالمية من جديد، فالمؤكد أن عالم ما بعد كورونا سيكون مختلفاً تماماً عن عالم ما قبلها، فكما سيعلو سمو الحق في الصحة والسكن والتعليم على أي حقوق معنوية أخرى، فإن خريطة العالم ستتغير هي الأخرى، فالولايات المتحدة التي كانت تستفرد بالعالم، هاهى اليوم تواجه مآزق لم تكن تتوقعه، ولم ترسم له أي سيناريو للتعامل، بل للمرة الأولى أجد القوة الوحيدة في العالم مرتبكة أمام فيروس، أفقدها القدرة على السيطرة والتحرك أيضاً، وهو الأمر الذى ينطبق أيضاً على قوى أخرى، مثل دول الإتحاد الأوربي، التي وجدت نفسها غارقة في مشاكلها وأزماتها الداخلية، وضعف إمكانياتها، فالفيروس غير المرئ وضع دولا بحجم إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، والتي تمثل قيادات كبيرة في القارة الأوروبية، على قدم المساواة مع دولا أخرى، تبدو أقل من حيث إمكاناتها الاقتصادية والعلمية، وكذلك نفوذها السياسى، حيث تتزايد أعداد الضحايا بصورة كبيرة في كافة الدول، بينما فشلت الدول الكبرى في تحقيق أي تقدم يذكر فيما يتعلق بالوصول إلى دواء يمكنها إنهاء الأزمة الحالية بالسرعة المطلوبة، وبالتالي إنقاذ الإنسانية بأسرها من كارثة محققة في المستقبل القريب.
 
العالم كله الأن يسوده الارتباك، فلا أحد يعرف إلى أين ستسير الأمور، الاقتصاد العالمى شبه منهار، والضحايا كل يوم في تزايد، لكن في المقابل هناك من ينظرون للمشهد من زاوية أخرى، وهى زاوية المستقبل، فهناك أطراف يخططون من اليوم لشكل العالم غداً، أو بمعنى أدق وضع تصور للنظام العالمى الجديد ما بعد كورونا، نظام ستتبدل فيه الكراسى، وتصعد قوى وتتراجع أو ربما تختفى قوى أخرى، بما يؤشر إل ولادة نظام عالمى جديد لم يكن يتوقعه أحد، حتى أعتى أجهزة المخابرات العالمية، لم تكن لتظن أن ما نعيشه اليوم كان سيحدث ولو بعد ألف عام، لكنها الحقيقة التي فرضتها الطبيعة وليس البشر.
 
الطبيعة التي أرادات أن تعيد تركيبة الكون من جديد، وخلق نظام عالمى جديد، ربما يكون من شأنه إنهاء حالة الهيمنة الأحادية، بقيادة الولايات المتحدة، والتي سادت منذ نهاية الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتى، وسيكون للصين في العالم الجديد دور أكبر من الدور الذى تؤديه اليوم، فهى الدولة التي استطاعت أن تنجو من عثرتها المرضية سريعاً، بل تحولت في أسابيع قليلة من دولة موبوءة بالفيروس يخشى الجميع الاقتراب منها إلى دولة تعرض وتقدم مساعداتها الطبية للجميع، بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي كان قبل أيام تشن أكبر حرب اقتصادية ضد التنين الصينى، وكان رئيسها دونالد ترامب يحاول استغلال الفيروس للقضاء على ما تبقى للصين من سمعة، بوصف كورونا بالفيروس الصينى، لكن ولأنه لم يتعامل بمنطق الكبار فلم يجيد لعبة الحساب السياسى والاقتصادي جيداً، عاد ونزع وصف الصينى عن الفيروس بعد مكالمة هاتفيه جمعته بنظيره الصينى، تشى جين بينج، الذى عرض مساعدة بلاده للولايات المتحدة في مواجهة كورونا.
 
إنها الصين التي تشير كل المؤشرات إلى إنها ستكون في صدارة المشهد العالمى الجديد، وربما تكون الممسكة بالريشة التي سترسم بها خريطة القوى وتوزيعاتها المستقبلية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة