التجربة الفنزويلية وقاعدة «اضرب المربوط يخاف السايب»

السبت، 11 أبريل 2020 06:43 م
التجربة الفنزويلية وقاعدة «اضرب المربوط يخاف السايب»
أيمن عبد التواب

 
فى نوفمبر 2013، وعملا بالمثل المصرى: «اضرب المربوط يخاف السايب»، أتحفنا الرئيس الفنزويلى «نيكولاس مادورو»، بخطاب قوى، أعلن فيه اعتقال أكثر من 100 رجل أعمال تسببوا فى «زيادة الأسعار»، واصفا إياهم بأنهم: «همج، ورأسماليون طفيليون يحققون أرباحا تصل إلى 1000%».. معلنا أن حكومته تعد قانونا يضع حدا لأرباح الشركات الوطنية والشركات الأجنبية فى فنزويلا يتراوح ما بين 15 و30% فقط.
 
ولأنه رئيس يعمل لصالح شعبه؛ فإن «مادورو» لم يستخدم عبارات التورية، أو اكتفى بالتلميح.. بل صدم الجميع بالإفصاح عن أسماء الشركات، وبعض رجال الأعمال الذين يحققون ثروات طائلة على حساب الشعب المصنف ضمن دول العالم النامى؛ ما جعل شركة «جوديير» الأمريكية، عملاق صناعة إطارات السيارات، تسارع إلى تخفيض سعر إطاراتها 15% فقط، إلا أن «مادورو» رفض هذا التخفيض، وقال للشركة الأمريكية: «إنه ليس كافيا.. أنتم تنهبون المواطنين»، ثم أصدر أمرا خلال الخطاب للجهات الرقابية المعنية بأن ترسل المفتشين إلى هذه الشركة؛ لتقدير تكلفة الإنتاج وعدم السماح لها بأن تكسب أكثر من 30%.
 
لم يخشَ الرئيس الفنزويلى- بقراراته هذه- مافيا المدافعين عن الرأسمالية المتوحشة، واقتصاديات السوق العمياء، وعصابة «العرض والطلب».. ولم يعمل حساب هجوم رجال الأعمال عليه، لما يمتلكونه من نفوذ وسطوة.. ولم يضع فى حسبانه المؤسسات الاقتصادية الدولية التى من الممكن أن تقود ضده حربا لا هوادة فيها.. لم يخضع لابتزاز صندوق النقد الدولى.. بل إنه غامر بمنصبه، واتخذ ما رآه فى صالح الشعب، دون الانتظار إلى موافقة البرلمان، ولا البقاء تحت رحمة رجال الأعمال الذين يمنون عليه بتبرعاتهم لصندوق «تحيا فنزويلا»؛ فكانت النتيجة أن ارتفعت شعبيته إلى عنان السماء، وبات نموذجا يحتذى به.
الأزمة الناجمة عن فيروس كورونا أظهرت المعدن الحقيقى لبعض رجال الأعمال الشرفاء المخلصين، الذين تبرعوا ببعض مالهم للدولة، وأعلنوا بكل وضوح أنهم مستمرون بالوفاء بالتزاماتهم المادية والأدبية تجاه العمال، رافضين تسريح بعض العمالة، أو حتى تخفيض الأجور ولو بنسبة بسيطة، حتى ينكشف الفيروس، أو حتى انتهاء فترة الحظر، بل إن بعضهم قدَّم موعد صرف الرواتب؛ كنوع من التخفيف عن كاهل العمال، هؤلاء يستحقون وسام الاحترام والتقدير من الدرجة الأولى.
 
وعلى النقيض تماما، فإن محنة كورونا كشفت عن الوجه القبيح لبعض رجال الأعمال، الذين ملأوا الدنيا ضجيجا عن تأثرهم بالأزمة، فسرحوا بعض العمال، وخفضوا المرتبات إلى النصف، وحاولوا الضغط على الدولة لإجبار العمال على العمل كما كانوا قبل الأزمة، ووصلت البجاحة بأحدهم لأن يقول: «العمال تنزل الشغل، ولما شوية يموتوا والدنيا تمشى أحسن من خراب البيوت»! هؤلاء وأمثالهم لا يستحقون إلا صفعة على وجوههم، خاصة وأننا نعلم جيدا كيف جمع هؤلاء ملايينهم وملياراتهم، وكيف يحققون أرباحا تتجاوز 500%، دون أن يحاسبهم أحد!
 
ليس معنى كلامى «تأليب» الدولة على رجال الأعمال المحتكرين المتوحشين، وناهبى المال العام، بل تذكيرهم فقط بأن الشعب أصبحت روحه فى طرف أنفه، والمسكنات فقط لا يمكنها أن تقضى على المرض، لكن ربما تكون آثارها الجانبية «كارثية» على المدى الطويل.
 
مَنْ يراجع الأسواق وأسعار السلع المختلفة، يكتشف- بسهولة- أن بعض المنتجين «الجشعين» رفعوا أسعار منتجاتهم الرديئة بمعدلات تتراوح ما بين 50 و200%، فى الوقت الذى خفضوا فيه الأجور، واستغنوا عن آلاف العمال، بحجة الانهيار الاقتصادى، بل إنهم يلجأون إلى حيل جهنمية؛ لخفض الإنتاج، وتعطيش السوق، لزيادة أسعار منتجاتهم؛ معتمدين على غياب الرقابة، أو تواطؤ بعض المسئولين معهم، وعدم وجود قانون يحاسبهم على ممارساتهم الاحتكارية.
 
إن العديد من الخبراء والمتخصصين أكدوا أن رجال الأعمال «الحيتان» يحققون أرباحا تتراوح ما بين 100 و1000%، وهى نسبة قد لا تحققها مافيا المخدرات، ولا عصابات تهريب السلاح، ما يعنى أننا فى أشد الحاجة إلى قرارات «ثورية» كما فعل رئيس فنزويلا، وليست قرارات «نانسية» على طريقة «أطبطب وأدلع»، فهل وصلت الرسالة؟!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق