جرائم طارق شوقي

السبت، 18 أبريل 2020 04:05 م
جرائم طارق شوقي
أيمن عبد التواب

 
بينما يمسك الطالب هاتفه الذكي؛ منهمكًا في لعبة إلكترونية، أو متصفحًا أي شيء آخر لا علاقة له بالمناهج الدراسية.. تجد أولياء الأمور ينسقون فيما بينهم؛ لتكوين فريق من زملاء ابنهم أو ابنتهم، ويبحثون عن أي «مدرس» يأخذ «إللي فيه القسمة»؛ ليكتب لهم «البحث» الذي أقرته وزارة التربية والتعليم، ليكون بديلًا عن امتحانات نهاية العام، بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19».
 
هذا المشهد يكاد لا يخلو منه أي بيت، ولا يشذ عنه أي طالب، أو ولي أمر إلا ما رحم ربي.. وكأن الوزارة قررت الأبحاث على أولياء الأمور، وليس على أبنائهم.. وكأن ولي الأمر هو مَنْ سيخضع للتقييم وليس ابنه الموكل إليه إعداد البحث والدراسة بغرض البحث عن المعلومة، والقراءة، والاطلاع.. وليس للحصول على الدرجة النهائية كما يريد الأهالي!
 
غريبٌ أمرُ المصريين.. كثير منهم يمتدحون التعليم الأوروبي والأجنبي، ويطالبون بتقليده وتعميمه على أبنائهم، وعندما يحدث يهاجمونه، ويلتفون عليه، ويلعنونه، ويصرخون منه، ويطالبون بتغييره.. يشكون مر الشكوى من المدرسين ومن ابتزازهم، ومن الدروس الخصوصية، وعبئها على ميزانية الأسرة.. فإذا جاء ما يخلصهم من هذه الآفات، أو يقلصها، ويقدم لهم بدائل «مجانية»، بحثوا بأنفسهم عن المدرسين، وطاردوهم؛ ليعطوا لأبنائهم درسًا، أو ليكتب لهم «البحث» المقرر على أولادهم!
 
عندما دعا الأنبياء الناس إلى دينهم، واتباع رسالتهم السماوية، قوبلوا بهجوم ضارٍ عليهم.. وكذلك المصلحون.. فأي دعوة جديدة للإصلاح والتغيير تقابل بمنتهى الرفض، والهجوم عليها وعلى صاحبها، انطلاقًا من قاعدة: «إنه يدعو إلى دين جديد»، و«هذا ما وجدنا عليه آباءنا».. فالناس تكره التغيير ولو إلى الأفضل.. ويعتبرون الدعوة الجديدة جريمة، لا بد أن يُحاكم صاحبها.. فهل يدرك وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، الدكتور طارق شوقي، أنه ارتكب «جرائم» بحق الطلاب والمجتمع والناس؟! 
 
نعم.. الدكتور طارق شوقي ارتكب جرائم عدة، لكنها جرائم لا يعاقب عليها القانون، ولا تجرمها أي شريعة، بل إن الأديان السماوية والوضعية، وكل الشرائع والقوانين، تحرض الناس على ارتكاب جرائم الوزير بحق أبنائنا، وهي جرائم «القراءة، والاطلاع، والبحث، والكتابة، وإعمال العقل، والتحريض على التفكير، والخروج من محدودية المناهج إلى آفاق المعرفة»..
 
لكن كيف يتقبل كثيرون «جرائم طارق شوقي» وهم قد اعتادوا الحفظ والتلقين.. اعتادوا الاستسهال أو «الاستهبال».. اعتادوا الغش الفردي والجماعي.. اعتادوا الحصول على المعلومة «ديليفري» وليس البحث عنها.. اعتادوا الإجابات الخفيفة «المُعَلّلبة»، وليست «الدسمة» المشبعة.. واعتادوا إلغاء عقولهم، وإهمال فريضة التفكير.. اعتادوا مطاردة المدرسين، وتدليلهم، ومنحهم المقابل نظير السماح لهم بالغش والحصول على «الفول مارك» حتى ولو بالغش، والجور على حق طالب آخر؟ وكيف يتقبل أولياء الأمور الذين نجحوا بـ«الغش» ما يسمونه بـ«جرائم طارق شوقي» التي تحرم أبنائهم من هذه الميزة؟ 
 
لقد كان بإمكان الدولة أن تحذوا حذو السعودية، وتقرر انتقال طلاب سنوات النقل إلى الصفوف التالية.. لكن الدكتور طارق شوقي أصر على فكرة الأبحاث.. وهي- بالمناسبة- ليست أبحاثًا أكاديمية، أو تعجيزية كما يروج كثيرون.. بل معناها- ببساطة- أن يبحث الطالب بنفسه عن المعلومة التي يحتاجها.. أن يقرأ.. أن يشاهد قنوات وبرامج تعليمية.. أن يكتب ما فهمه بأسلوبه هو لا بأسلوب المدرس أو ولي أمره، الذين يقتصر دورهم على «الإرشاد» والمساعدة، والتوجيه.. فهذا أدعى لأن تثبت المعلومة في ذهن الطالب ولن ينساها.. لكن «إللي يجي بالساهل يروح بالساهل».
 
ما أنا على يقين منه أن الحفر في العقول، وشق طريق جديد في رؤوس الطلاب وأولياء أمورهم، أصعب ألف مرة من الحفر في الصخور واستصلاح الصحراء وشق طريق فيها.. فشكرا طارق شوقي.. شكرًا لأنك ألقيت حجرًا في المياه الراكدة للطلاب وأولياء أمورهم.. شكرًا لأنك تحرض أبناءنا على التفكير وإعمال العقل، والحض على القراءة والبحث.. شكرًا لأنك لم ترفع الراية أمام المنتفعين من بقاء الوضع على ما هو عليه.. ولم تستسلم لابتزاز «جروبات الماميز».

 

تعليقات (1)
إضافة
بواسطة: مواطن مصرى
بتاريخ: السبت، 18 أبريل 2020 05:24 م

الأستاذ الفاضل/ أيمن عبد التواب عايز أعرف السيد / طارق شوقى إقتبس فكرة إلغاء الإمتحانات وإستبدالها بأبحاث من أى جهة. أمريكا تعقد إمتحان شهرى لكل مادة يدرسها الطالب 8 مرات فى العام الدراسة ويأخذ الطالب فى النهاية تقدير عن مجموع 8 إختبارات فى كل مادة. أيضا كل مادة فى أمريكا لها كتاب خاص بها

اضف تعليق