في ظل كورونا.. كيف يرى القانون الدولي الالتزام التعاقدي بين المؤسسات الدولية؟

الإثنين، 20 أبريل 2020 09:00 ص
في ظل كورونا.. كيف يرى القانون الدولي الالتزام التعاقدي بين المؤسسات الدولية؟
كورونا

تفرض جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" نفسها كواقعة مادية قلما تتعرض لها البشرية جمعاء، لها آثار سلبية واضحة يمكن رصد ومتابعة ملامحها على العلاقات والالتزامات القانونية بوجه عام.

وفي هذا الغطار تشهد العلاقات التعاقدية على وجه الخصوص، تصدعا في مثل هذه الظروف الروابط والالتزامات التعاقدية، نتيجة ركود يصيب بعض قطاعات الاستثمار، ما يجعل من المستحيل أو على الأقل من الصعب تنفيذ الالتزامات أو يؤخر تنفيذها، وقد يعرض المستثمرين للغرامات.  

تأثر الالتزامات التعاقدية بكورونا
 
وخلال الفترة الماضية تحدثنا عن مدى اعتبار الأوبئة الصحية ومنها وباء كورونا المستجد – كوفيد 19 - قوة قاهرة بالنسبة للبعض، تؤثر على الالتزامات التعاقدية لكل من أطراف العقد، لدرجة عدم تنفيذ هذه الالتزامات التعاقدية ومنهم من اعتبرها ظروفا طارئة تؤثر على التعاقدات بشكل جزئي ونسبى وليس بشكل كامل، حتى لا يتقاعس المتعاقدون عن تنفيذ تلك الالتزامات.
 
في التقرير التالي، يوضح الخبير القانوني والمحامى بالنقض إسماعيل بركة إشكالية في غاية الخطورة تخرج عن النطاق المحلي بين المستثمرين إلى النطاق الدولي، في الوقت الذي تعتبر فيه بعض الدول أن جائحة فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 – قوة قاهرة، بينما تعتبر بعض الدول أنها ظرف طارئ، والسؤال هنا.. كيف يرى القانون الدولي مسألة الالتزام التعاقدي بين المؤسسات والأفراد في ظل جائحة كورونا؟.
 
تنفيذ التعاقد ما بين الاستحالة الكلية والجزئية
 
فى البداية – يجب أن نتطرق للقوة القاهرة وشروط تحققها: حيث عرفها القانون المدنى: "بأنها كل حادث خارجي عن الشيء لا يمكن توقعه ولا يمكن دفعه مطلقاً، فهو ما يحدث قضاء وقدر ليس ناتج عن خطأ أو إهمال من جانب المتعاقدين"، وهناك فرق واضح وصريح بين نوعين من استحالة التنفيذ لسبب أجنبي وهي الاستحالة الكلية – والاستحالة الجزئية: ففي حالة الاستحالة الكلية - ينقضي الالتزام بسبب القوة القاهرة وينقضي معه الالتزام المقابل على الطرف الأخر وبالتالي يتفرغ العقد من مضمونه فينفسخ من تلقاء نفسه ويزول، أما إذا كانت الاستحالة جزئية فإن العقد لا ينفسخ كليا ويكون للدائن حسب الأحوال أن يتمسك بالعقد فيما يخص ما بقي ممكن التنفيذ من حقه وما يتناسب معه من الالتزام المقابل أو أن يطلب فسخ العقد برمته – وفقا لـ"بركة".
 
 
 
 3 شروط لتوافر القوة القاهرة
 
ومن هذا المنطلق يجب التنويه أنه في حال زوال العقد نتيجة استحالة تنفيذ الالتزام نتيجة القوة القاهرة سواء كانت استحالة كلية أو جزئية لا يستحق الدائن تعويضا عما يناله من ضرر بسبب تفويت الصفقة عليه كلياً أو جزئياً لأن المدين هنا لم يخطئ وهذا ما يميز انفساخ العقد عن عن فسخه الذي لا يحول دون حق الدائن في التعويض الذي أصابه نتيجة خطأ المدين وكجزاء لإخلال المدين وتقصيره في الوفاء بالتزاماته التعاقدية، ولإعمال نظرية القوة القاهرة لابد من توفر عدة شروط:
 
1-أن تكون االواقعة المشكلة للقوة القاهرة أجنبية خارجة عن إرادة المدين.
 
2-أن تكون الواقعة غير متوقعة الحدوث من قبل المدين.
 
3-استحالة دفع هذا الحدث أو القوة القاهرة.
 
والواقع والحقيقة يؤكدان أنه بإسقاط كل ما سبق على واقعة الوباء العالمي لفيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 - نجد أن الظروف المحيطة به أو الناتجة عنه تكون مجموعة من الإجراءات والقوانين والقرارات تتخذها الحكومات والدول، لمجابهة هذا المرض تكون عائقا في تنفيذ العقود والاتفاقيات وتمثل - قوة قاهرة - فالقوة القاهرة لم تعد محصورة على واقعة بعينها فكل واقعة تتحقق فيها الشروط السابقة وجعلت من التنفيذ أمراً مستحيلاً تعد قوة قاهرة.
 
 رجال أعمال
 
واستقرت العديد من أحكام محكمة النقض على أن القوة القاهرة التي تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً استحالة مطلقة بالنسبة للكافة، وليست للبعض دون البعض الآخر أما إذا كانت الاستحالة مؤقتة، فإن الالتزام لا ينقضي معها بل تأثيرها يسري على وقف الالتزام فقط ويصبح الالتزام قابلا للتنفيذ بزوال هذا الطارئ، وكل ذلك متوقفاً على إثبات عملية وجود القوة القاهرة المترتبة على وجود هذا الفيروس، ويقع عبئ عملية إثبات القوة القاهرة على عاتق المدين، ففي دعوى المسئولية إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا بد له فيه كقوة قاهرة ناتجة عن وجود فيروس كورونا كان غير ملزم بالتعويض، وذلك لأنه أفلح في قطع رابطة السببية بين الخطأ والضرر ما لم يوجد نص قانوني يقضي بخلاف ذلك.
 
القوة القاهرة في مجال العقود الإدارية:
 
فى الحقيقة لا شك أن معظم العقود الإدارية تتضمن شرط - الغرامة التأخيرية - لتنفيذ الأعمال وهي صورة من صور التعويض الاتفاقي وفي حال حدوث تأخير التنفيذ أو تسليم الأعمال، فإن الإدارة تقوم بخصم قيمة الغرامة التأخيرية، مما يكون مستحقاً في ذمتها للمتعاقد دون أن يتوقف ذلك على حدوث ضرر للإدارة ولا يستطيع المتعاقد مع الإدارة أن ينازع في استحقاق الغرامة بحجة انتفاء الضرر أو المبالغة في تقدير الغرامة إلا إذا أثبت أن الأمر راجع إلى قوة قاهرة، لذلك ليس على المتعاقد مع الإدارة مسئولية التعويض إذا كان الإخلال بالالتزام ناتج عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات والدول تجاه الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 - ولا يستطيع بدوره الوفاء بهذه الالتزامات نتيجة لهذه الإجراءات ويكون سبباً معفياً من المسئولية. 
 
 
 
مصر وفرنسا والقرارات الاستباقية
 
 
واتخذت فرنسا قرارات استباقية بعدم تطبيق غرامات التأخير على الشركات المرتبطة بعقود مقاولات مع الدولة للشركات التي تثبت تضررها من آثار فيروس كورونا بهدف حماية الاستقرار الاقتصادي، كما اتخذت مصر قرارات استباقية بتقسيط ضريبة الإقرارات الضريبية على الشركات والمنشآت المتضررة على 3 أقساط تنتهي في 30 يونيو من العام الجاري، فضلاً عن إسقاط الضريبة العقارية على المنشآت الفندقية والسياحية لمدة 6 أشهر، وكذلك إرجاء سداد كافة المستحقات على المنشآت السياحية والفندقية لمدة 3 أشهر دون غرامات أو فوائد تأخير، بناءً على ما تم التوافق عليه في هذا الخصوص بين وزارتي السياحة والآثار والمالية.
 
 
 
هل القوة القاهرة من النظام العام؟
 
 
والقوة القاهرة على الرغم من اعتبارها سبب للإعفاء من المسئولية إلا أنها ليست من النظام العام فيجب أن يتمسك بها المدعى عليه على سبيل الجزم واليقين على نحو يقرع سمع المحكمة فالمحكمة لا تملك تقرير قيامها من تلقاء نفسها، وأتاح القانون للمدين الإعفاء من المسئولية حال حدوث قوة قاهرة أو حادث مفاجئ إذا تم الاتفاق صراحة على ذلك، كما أجازت المادة 295 مدني للإطراف الاتفاق على تحمل تبعة القوة القاهرة. 
 
 
جائحة كورونا والعقود الدولية
 
 
مسألة العقود الدولية تُعتبر الأداة القانونية الأكثر استخداماَ واستعمالاَ في مجال المعاملات المالية الدولية وإدارة لتيسير التجارة الدولية العابرة للحدود وهذه العقود لا تختلف عن عقود التجارة الداخلية من حيث خضوعها لأحكام القوة القاهرة أو الظروف الطارئة، وطبيعة العقد التجاري الدولي أطرافه من دول مختلفة والإجراءات التي تتخذها كل دولة بشأن الحد من انتشار فيروس كورونا الجديد تجعله عائقا لتنفيذ العقود وتقدير مدى اعتبار هذه الإجراءات قوة قاهرة من عدمه يتوقف على طبيعة هذه الإجراءات التي اتخذتها الدولة وطبيعة الوباء وموضوع الالتزام ومدى تأثره بهذه الإجراءات فإن توافرت شروط القوة القاهرة يعفى المدين من التزامه أما إذا لم تتوافر شروطها فإن المسؤولية تكون قائمة قبل المدين فالأمر نسبي يرجع تقديره إلى محكمة الموضوع وقدرة المدين على إثبات توافر شروط القوة القاهرة .
 
 
اتفاقية الجات الدولية
ونصت اتفاقية الجات الدولية 1994 في المادة 7 على الأثر المعفى من المسؤولية ومنها وقوع كوارث طبيعية أو توقف النقل أو قوة قاهرة أخرى تؤثر بصورة كبيرة على المنتجات المتاحة للتصدير، وعالجت مبادئ العهد الدولي لتوحيد قواعد القانون الدولي الخاص حال وقوع القوة القاهرة في المادة 6 على أنه يحق للطرف المتضرر أن يطلب التفاوض من الطرف الآخر على تعديل بنود العقد فإن قبلها الأخير يستمر في التنفيذ العقد الدولي أما إذا فشلت عملية التفاوض فلا سبيل سوى فسخ العقد مع احتفاظ الطرف المتضرر بحقه في المطالبة بالتعويض وهذا ما أكدت عليه اتفاقيات دولية عديدة ومنها اتفاقية فيينا 1980 حيث قضت المادة 81 على أنه  بفسخ العقد يصبح الطرفان في حل من الالتزامات التي يرتبها العقد مع عدم الإخلال بأي تعوض مستحق .
 
ونصت المادة 79/1 من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن العقود الدولية على حماية مماثلة توفرها أحكام القوة القاهرة وقد تنطبق على العقود الدولية إلا إذا تم استبعاد تطبيق الاتفاقية صراحة من قبل الأطراف في العقد، وعمليا شرط عدم توقع الحدث هو أحد أهم شروط القوة القاهرة والعبرة في تحديد توقع الحدث من عدمه هو النظر إلى تاريخ إبرام العقد واستقر القضاء الفرنسي على أن شرط عدم التوقع الذي يبرر فسخ العقد يجب إن يكون قد ورد في الاتفاق قبل ظهور الوباء. 
 
والسؤال هنا ما هو التاريخ الواجب إتباعه في إعلان ظهور فيروس كورونا هل من تاريخ إعلانه بالصين أم تاريخ الإعلان بالبلد الذي توجد فيه الشركة التي تتمسك بالقوة القاهرة أم تاريخ إعلانه كوباء من منظمة الصحة العالمية؟محكمة باريس سنة 1998 أصدرت حكم أكدت فيه على أن توقف الطائرة ببلد مجاور لمنطقة انتشر فيها وباء الطاعون لا يشكل خطر يفسر على أنه قوة قاهرة.
 
بينما هناك سؤال فى غاية الأهمية بالنسبة لأطراف التعاقد ما هو الحل حال تعرض عقدك أو مشروعك الاستثماري لآثار سلبية ناجمة عن فيروس كورونا المستجد؟
 
1-لابد من مراجعة جميع العقود في التعاقدية للتأكد مما إذا كان تفشي الوباء يشكل قوة قاهرة في العقد إلا أن هذه الخطوة ليست بالضرورة شرطاً يشكل القوة القاهرة، لأنها تفشي الوباء قد يقع ضمن التعريف العام للقوة القاهرة، كما أن القرارات والتشريعات الحكومية واللوائح والأوامر العامة مثل حظر السفر وإغلاق الساحات والموانئ والمصانع والأضرار الناتجة عنها يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار.
 
2-الإخطار عن الحدث أو القوة القاهرة التي منعت من تنفيذ الالتزام والإخطار هنا يشمل تمديد الجدول الزمني لتنفيذ العقد أو أي مطالبة أخرى يتفق عليها الأطراف.
 
3-التأكد من أن الحدث القوة القاهرة لفيروس كورونا لم يكن متوقعاً وقت التعاقد بشرط إثبات السببية بين ما أحدثه فيروس كورونا من إجراءات أدت إلى التأخير في تنفيذ الالتزام، وهذا ما أكدت عليه بعض الدول حيث قررت الصين منح شهادات القوة القاهرة للشركات الدولية التي تكافح من أجل التأقلم مع تأثيرات عدوى فيروس كورونا باعتباره مستند موثق لإثبات التأخير.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق