هل خالف عمر بن الخطاب القرآن والسنة؟

الأحد، 03 مايو 2020 04:00 ص
هل خالف عمر بن الخطاب القرآن والسنة؟
أيمن عبد التواب

  • «الفاروق» لم يعطل آية ولم يوقف حدًا إلهيًا بل طبق نصًا نبويًا ومبدأ قرآنيًا.. وفقه قائم على جلب المنفعة للمسلمين ورعاية مقصد الشارع
  • ما فعله «ابن الخطاب» يرد على الذين لا يجيدون استنباط الأحكام وليس لهم علاقة بـ «فقه الواقع»
     
لا يكاد يمر يوم دون احتفاء وسائل الإعلام بفتوى «مثيرة» لأحد الذين يسبق اسمهم لقب داعية، أو مفكر، لمجرد أنه قرأ كتابين، أو استمع إلى أحد الشيوخ، خاصة «المفتين الأوتوماتيكيين» الذين تثار حولهم علامات استفهام كثيرة!
 
وعلى الرغم من وجود ضوابط واشتراطات فى «المفتى»، إلا أن عناصر تنظيم «خالف تعرف» يضربون بها عرض الحائط.. هؤلاء يركزون على أمور وقضايا خلافية، ولو حاولت مناقشتهم وبينت لهم خطأ مسلكهم، وفساد استدلالهم، نالوا منك، مبررين ذلك بالالتزام بسنة النبى- صلى الله عليه وسلم- وهدى صحابة الرسول.

«لا اجتهاد مع نص»
ولو قلت لهؤلاء إن الصحابة أنفسهم اختلفوا فيما بينهم فى تطبيق سنة النبى، وبعضهم فعل أشياءً لم يفعلها النبى فى حياته، ولم يعترض عليهم كبار الصحابة.. أعرضوا عنك.. وإذا قلت لهؤلاء إنه يجب التفريق بين سنة النبى من حيث كونها «سنة قولية، وسنة فعلية.. وسنة عادة، وسنة عبادة».. قالوا عنك سفسطائى جدلى.. وإذا طالبتهم بإعمال عقلهم، والتفكير فى بعض الأحاديث لاستخلاص العلل الصحيحة التى نبنى عليها الأحكام.. أحالوك إلى قاعدة «لا اجتهاد مع نص».
 
فإذا سألتهم: وما حكم الاجتهاد فى وجود نص قرآنى صريح؟ قالوا: لا يجوز.. فإن سألتهم: وما حكم مَنْ يعطل نصًا قرآنيًا، ولم ينفذ حدًا من حدود الله، وفعل أشياء لم يفعلها النبى؟ قالوا: هو «مبتدع، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار».. فلو قولت لهم: لو كان كلامكم صحيحًا لكان حكمكم على عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- بأنه «مبتدع»؛ لأنه عطل نصوصًا قرآنية، وفعل أشياءً لم يفعلها النبى، ولم ينكر عليه ذلك كبار الصحابة، وهم أعلم الناس بسنة الرسول الكريم.
 
فماذا فعل «الفاروق»؟ وما منهجه الفقهى؟ وهل صحيح أنه خالف السنة النبوية والنصوص القرآنية؟ أم أنه كان أكثر فهمًا ووعيًا للإسلام من أى عالم يقف على باب النص.

فقه الواقع والأحكام الجديدة 
الثابت أن كل كتب السيرة أجمعت على أن عمر بن الخطاب، هو الذى جمع المسلمين على إمام واحد فى صلاة التراويح، فى ليالى شهر رمضان على اختلافٍ فى عدد ركعاتها.. وهى بدعة ابتدعها الفاروق خلافا لسنة النبى، وأنها لم تكن تُصلى لا فى عهد رسول الله، ولا فى عهد أبى بكر، ولا فى السنة الأولى من خلافة عمر، فقد روى البخارى عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القادر أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة فى رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلى الرجل لنفسه، و يصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط، فقال عمر: إنى أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبى بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يُصلون بصلاة قارئهم. قال عمر: نعم البدعة هذه.
 
فما فعله عمر يرد على أصحاب النظرة الضيقة، والأفق المحدود، الذين لا يجيدون استنباط الأحكام، وليس لهم علاقة لا من قريب أو بعيد بفقه الواقع.. ولو طبقنا حسابات بعض مشايخ هذا الزمان على الفاروق لاتهمناه بالكفر، لأنه فعل شيئا لم يفعله النبى، وأنه «مبتدع»، ويطبق عليه الحديث الشريف: «... وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار».

تحريم فى تحريم
المؤكد أن الإسلام دين يخاطب العقل، ويقدر قيمة التفكير ويعلى من شأنه، وأمرنا بإعمال هذا العقل، من أجل النهوض بأمتنا الإسلامية، وإعلاء هذا الدين.. لكن هناك من يخرج علينا الآن فى مختلف وسائل الإعلام.. ويطالبنا بإلغاء عقولنا، والانصياع لهم فقط.
 
هؤلاء حصروا الإسلام فى بعض الظواهر والأمور الشكلية.. جلباب قصير.. لحية طويلة.. شارب محفوف.. سواك للأسنان.. الأكل باليد.. لعق الأصابع بعد الانتهاء من الطعام.. ارتداء النقاب.. عدم خروج المرأة من البيت.. وكثير من الأمور الأخرى التى اختلف الفقهاء بشأنها، وكونها سنة مؤكدة أم مستحبة، أم مندوبة.. وهل هى سنة عادة أم سنة عبادة.
 
لكن بعض مشايخ هذا الزمان ممن يدعون العلم يقفون عند حد التقليد والاتباع، ويحرمون كل شىء تقريبًا.. حلق اللحية، وارتداء
البدلة، والأكل بالملعقة، وتحية العلم، وكرة القدم.. ودخول المرأة على الإنترنت إلا فى وجود محرم.. والاحتفال بعيد الأم وشم النسيم، والأعياد الوطنية.. وتحريم الديمقراطية.. غيرها من الفتاوى المضحكة المبكية التى تدل على الحالة التى وصل إليها حال المسلمين الذين قضوا على كل مشاكلهم ولم يتبق لهم إلا سفاسف الأمور.

استغلال سيئ للدين
وعلى العكس تمامًا من فقه عمر بن الخطاب، فإن المتتبع لفتاوى قادة ومشايخ الإخوان والسلفيين، خاصة بعد ثورة 25 يناير، سيجد العجب العجاب.. ويرى أسوأ توظيف للنصوص القرآنية؛ للتدليل على موقف سياسى معين.. فمثلًا، محمد عبد الهادى- نائب رئيس حزب النور فى الدقهلية- يؤكد أن فوزهم فى انتخابات مجلس الشعب ورد فى القرآن، مستشهدًا بقوله تعالى: «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ». معتبرًا أنهم من الذين استضعفوا فى الأرض، وأن فوزهم فى الانتخابات لأن الآية تنتهى بقوله تعالى: «ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين».
 
واستمر الإخوان والسلفيون فى استخدام المساجد لتكفير منافسيهم من كل الفئات؛ ليبراليين وعلمانيين، ويساريين، وشعبويين.. مصورين لأتباعهم وأنصارهم أن الانتخابات «معركة بين الحق والباطل»، وأنهم أهل الحق، وما سواهم «أهل الباطل» و«قوم شعيب».
 
كما أفتى محمود عامر، رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية، بتحريم التصويت فى الانتخابات للمرشح المسلم الذى لا يصلى، والقبطى والعلمانى والليبرالى الذين لم يتضمن برنامجهم تطبيق الشريعة الإسلامية، معتبرًا أن من يفعل ذلك «فقد ارتكب إثمًا كبيرًا، وتجب عليه الكفارة».

فهم خاطئ للنصوص
والقائلون بتكفير معتنقى المذاهب السياسية مثل «الديمقراطية والليبرالية والعلمانية» يستشهدون بقوله تعالى: «إن الحكم إلا لله»، والديمقراطية تقول إن الحكم للشعب.. كما أن هذه المذاهب من صنيع الغرب الكافر، ولا يجوز التشبه بهم، مستدلين بحديث النبى: «مَنْ تشبه بقوم فهو منهم».
 
وهذا الدليل مردود عليه، فهذه الأنظمة من أمور الدنيا، والنبى قال: «أنتم أعلم بشئون دنياكم». والاقتباس من الآخرين ما ينفع المسلمين لا حرمة فيه.. ففكرة الدواوين التى أنشأها عمر بن الخطاب، لم تكن معروفة زمن النبى، وخليفته أبى بكر، ونتيجة لاتساع الدولة الإسلامية، واتصال المسلمين الفاتحين عن قرب بالأنظمة الفارسية والبيزنطية فى الأقاليم والتعرف على حضارتها، فانتقوا من بين ذلك ما وجدوه ملائمًا للاقتباس، كما أبقوا على الكثير من الأنظمة الإدارية التى ثبت لهم صلاحيتها لتلك البلاد.. ولم يحرم ذلك أحد من كبار الصحابة.. ولم يكفر أحد عمر بن الخطاب.
 
والذين أفتوا بتحريم التماثيل الفرعونية ليسوا أكثر ورع وتقوى من الفاروق عمر، ولا عمرو بن العاص، ولا أشد فهمًا للدين من كبار صحابة رسول الله، الذين فتحت مصر فى عهدهم، فلم يحطموا آثار الأمم السابقة، وعلى رأسها التماثيل.. بحجة أنها تشبه الأصنام، ويخشون أن يعبدها حديثو العهد بالإسلام.

أهل الاجتهاد والفتوى
اتفق جمهور علماء المسلمين على شروط يجب توافرها فى أهل الاجتهاد والفتوى، ليكونوا مؤهلين لاستنباط الأحكام الشرعية المناسبة.. ومن هذه الشروط: العلم بمدارك الأحكام الشّرعيّة، وأقسامها، وطرق إثباتها ووجوه دلالتّها على مدلولاتها، واختلاف مراتبها، والشّروط المعتبرة فيها، وأن يعرف جهات ترجيحها عند تعارضها، وكيفية استثمار الأحكام منها.. والعلم باللغة العربية، والبلاغة، أى علم المعانى والبيان.. والعلم بأُصُول الدّيانات وأُصُول الفِقْه.. ولا بدَّ له من فهم المقاصد العامة من تشريع الأحكام، لأن فهم الشريعة يخلق الملكة القوية فى معرفة المصالح والمفاسد المقصودة للشارع. وكذا لا بد أن يكون خبيرا بمصالح الناس وأحوالهم وأعرافهم وعادتهم، فلا يحمل المستفتى على الشديد، ولا يفتح له باب الخفة المفضى إلى التحلل من أحكام الشرع.
 
وقال الإمام الشَّافِعِىّ - رضى اللّه عنه -: ولا يقيس إلا من جمع الآلة التّى له القياس بها، وهى العلم بأحكام كتاب اللّه: فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وعامه وخاصّة، وإرشاده، ويستدلّ على ما احتمل التّأويل منه بسنن رسول اللّه- صلى الله عليه وسلم- وسار على نهجه العلماء.

فمَنْ من الذين يتصدرون مشهد الفتوى الآن فى وسائل الإعلام تتوافر فيه هذه الشروط؟
 
إن ما وصلنا إليه كمسلمين من تخلف وضعف ليس بسبب الدين، كما يتوهم البعض، ولكن بسبب بعض القائمين على شئون هذا الدين، من غير المؤهلين، ولكنهم يتصدرون المشهد ببجاحة منقطعة النظير.. ويفتون فى كل شىء، من زيت كبد الحوت إلى دهن البرغوث.. فتحول الدين على يدهم إلى تجارة رابحة.. «إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمُ».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق