الصحابة يشعلون نار الفتنة بين عائشة وعلى.. سهام الكوفيين في موقعة الجمل كادت تصيب "أم المؤمنين" (2)

الأحد، 10 مايو 2020 09:00 ص
الصحابة يشعلون نار الفتنة بين عائشة وعلى.. سهام الكوفيين في موقعة الجمل كادت تصيب "أم المؤمنين" (2)
محمد الشرقاوي

استعرضنا في الحلقة الماضية، كيف كان الطريق إلى موقعة الجمل، ضمن أحداث الفتنة الكبرى التي تلت مقتل الصحابي الجليل عثمان بن عفان، والتي تورط فيها صحابة وتابعين كل بموقفه، وعرضنا ماذا فعل فريق علي بن أبي طالب من جهة، وفريق السيدة عائشة وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وأثناء مسير كلا الجيشين كادت الجهود الدبلوماسية أن تنجح لولا بعض المنافقين وأصحاب الفتنة من قتلة عثمان، وللأسف انصاع لهم الصحابة والتابعين الكرام، حتى وقعت المقتلة.
 
أمور عدة أخطأ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، في تقديرها، خلال تلك الفتنة، بداية من تصديق نبأ الفاسقين، نهاية بتغافل قول الله تعالى: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها".

الحلقة الثانية من.. الصحابة يشعلون نار الفتنة بين عائشة وعلى (تكملة)
 
الصحابة بعيدون عن الفتنة ولكن وقعوا فيها 
لما أعلن علي بن أبي طالب الصلح، اجتمع جماعة "قتلة عثمان" كالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ-ابن السوداء- وسالم بن ثعلبة، وغلاب بن الهيثم، وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي واحد، رافضين الصلح، يريدون رأي علي فيهم وكيف سيكون التعامل معهم.
 
نقل بن كثير قول "الأشتر": قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلحوا على دمائنا، فإن كان الأمر هكذا ألحقنا عليا بعثمان، فرضي القوم منا بالسكوت. فقال ابن السوداء: بئس ما رأيت، لو قتلناه قتلنا، فإنا يا معشر قتلة عثمان في ألفين وخمسمائة وطلحة والزبير وأصحابهما في خمسة آلاف، لا طاقة لكم بهم، وهم إنما يريدونكم. 
 
اتفق قتلة عثمان على بث الفرقة بين الجيشين والناس لما يجتمعوا، يقول بن الأسود: انشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون، فمن أنتم معه لا يجد بدا من أي يمتنع، ويشغل الله طلحة والزبير ومن معهما عما يحبون، ويأتيهم ما يكرهون، فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه.
 
لما قدم علي بن أبي طالب "عبد القيس" فساروا من معه حتى نزلوا بالزاوية، وسار منها يريد البصرة وسار طلحة والزبير ومن معهما للقائه، فاجتمعوا عند قصر عبيد الله بن زياد، ونزل الناس كل في ناحية. وقد سبق علي جيشه وهم يتلاحقون به، فمكثوا ثلاثة أيام والرسل بينهم، فكان ذلك للنصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، فأشار بعض الناس على طلحة والزبير بانتهاز الفرصة، من قتلة عثمان فقالا: إن عليا أشار بتسكين هذا الأمر، وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك.
 
نهض قتلة عثمان، وانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلا، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي، فبلغ الأمر عليا فقال: ما للناس؟

احتدام القتال ومحاولات وقف الدم
أراد علي التبين من الأمر، فقالوا له: بيتنا أهل البصرة فثار كل فريق إلى سلاحه، ولبسوا اللأمة، وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدرا مقدورا، وقامت الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان فنشبت الحرب، وتوافق الفريقان، وقد اجتمع مع علي عشرون ألفا، وألتف على عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفا، ونادى منادي علي ينادي: ألا كفوا إلا كفوا، فلا يسمع أحد.
 
تدخل كعب بن سوار، قاضي البصرة، لوقف القتال، وقدم للسيدة عائشة، قائلاً: يا أم المؤمنين أدركي الناس لعل الله أن يصلح بك بين الناس، فجلست في هودجها فوق بعيرها وستروا الهودج بالدروع، وجاءت فوقفت بحيث تنظر إلى الناس عند حركاتهم، فتصاولوا وتجاولوا، وكان في جملة من تبارز الزبير وعمار، فجعل عمار ينخره بالرمح والزبير كاف عنه، ويقول له: أتقتلني يا أبا اليقظان؟
فيقول: لا يا أبا عبد الله، وإنما تركه الزبير لقول رسول الله ﷺ: "تقتلك الفئة الباغية"، وإلا فالزبير أقدر عليه منه عليه، فلهذا كف عنه.

مقتلة وحوار بين علي وطلحة
قَتل في هذا اليوم خلق كثير، تسبب في حسرة علي بن أبي طالب، يقول مبارك بن فضالة –حسب ما ذكر ابن كثير- عن الحسن بن أبي بكرة: لما اشتد القتال يوم الجمل، ورأى علي الرؤوس تندر، أخذ علي ابنه الحسن فضمه إلى صدره ثم قال: إنا لله يا حسن! أي: خير يرجى بعد هذا، فلما ركب الجيشان وترآى الجمعان وطلب علي طلحة والزبير ليكلمهما فاجتمعوا حتى التفت أعناق خيولهم فيقال: إنه قال لهما إني أراكما قد جمعتما خيلا ورجالا وعددا، فهل أعددتما عذرا يوم القيامة؟ فاتقيا الله ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ألم أكن حاكما في دمكما تحرمان دمي وأحرم دمكما، فهل من حديث أحل لكما دمي؟، فقال طلحة: ألبت على عثمان. فقال علي: { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ } [النور: 25]، ثم قال: لعن الله قتلة عثمان، ثم قال: يا طلحة! أجئت بعرس رسول الله ﷺ تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت، أما بايعتني؟ قال: بايعتك والسيف على عنقي، وقال للزبير: ما أخرجك؟ قال: أنت، ولا أراك بهذا الأمر أولى به مني.
 
بحسب كتاب البداية والنهاية، ورد حديث عن حرب بن أبي الأسود الدؤلي، قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض، خرج علي وهو على بغلة رسول الله ﷺ فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام فإني علي، فدعي له الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير! نشدتك الله أتذكر يوم مر بك رسول الله ﷺ ونحن في مكان كذا وكذا فقال: « يا زبير ألا تحب عليا؟ فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلي ديني؟ فقال: يا زبير أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له؟
 
فقال الزبير: بلى والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله ﷺ ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك، فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير فقال: مالك؟ فقال: ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله ﷺ، سمعته يقول: "لتقاتلنه وأنت ظالم له" فقال: أو للقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله بك هذا الأمر، قال: قد حلفت أن لا أقاتله، قال: اعتق غلامك سرجس وقف حتى تصلح بين الناس، فأعتق غلامه ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه. قالوا: فرجع الزبير إلى عائشة فذكر أنه قد آلى أن لا يقاتل عليا.
 
وقد قيل: إنه إنما رجع عن القتال لما رأى عمارا مع علي، وقد سمع رسول الله ﷺ يقول لعمار: "تقتلك الفئة الباغية" فخشي أن يقتل عمار في هذا اليوم.
مقتل الزبير وطلحة.. وعائشة كادت تموت
 
لما رجع الزبير بن العوام يوم "الجمل" سار فنزل واديا يقال له: وادي السباع، فاتبعه رجل يقال له: عمرو بن جرموز فجاءه وهو نائم فقتله غيلة، وأما طلحة فجاءه في المعركة سهم غرب يقال رماه به مروان بن الحكم فالله أعلم.
 
وأما عن السيدة عائشة، فناولت كعب بن سوار قاضي البصرة مصحفاً وقالت: دعهم إليه، أي للاحتكام إلى كلام الله، فلما تقدم كعب بن سوار بالمصحف يدعو إليه استقبله مقدمة جيش الكوفيين، وقتله عبد الله بن سبأ وأتباعه لما رأوه يحمل المصحف.
 
ووصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فجعلت تنادي: الله الله! يا بني اذكروا يوم الحساب، ورفعت يديها تدعو على أولئك النفر من قتلة عثمان، فضج الناس معها بالدعاء حتى بلغت الضجة إلى علي فقال: ما هذا؟ فقالوا: أم المؤمنين تدعو على قتلة عثمان وأشياعهم.
 
فقال: اللهم ألعن قتلة عثمان، وجعل أولئك النفر لا يقلعون عن رشق هودجها بالنبال حتى لقي مثل القنفذ، وجعلت تحرض الناس على منعهم وكفهم، فحملت معه الحفيظة فطردوهم حتى وصلت الحملة إلى الموضع الذي فيه علي بن أبي طالب، فقال لابنه محمد بن الحنفية: ويحك! تقدم بالراية فلم يستطع، فأخذها علي من يده فتقدم بها، وجعلت الحرب تأخذ وتعطي، فتارة لأهل البصرة، وتارة لأهل الكوفة، وقتل خلق كثير، وجم غفير، ولم تر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة. 
 
وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف، خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء، رحمهم الله، ورضي عن الصحابة منهم.
 
وقد سأل بعض أصحاب علي عليا أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير، فأبى عليه فطعن فيه السبائية وقالوا: كيف يحلُّ لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم؟ فبلغ ذلك عليا، فقال: أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه؟
 
فسكت القوم، ولهذا لما دخل البصرة فضَّ في أصحابه أموال بيت المال، فنال كل رجل منهم خمسمائة، وقال: لكم مثلها من الشام، فتكلم فيه السبائية أيضا، ونالوا منه من وراء وراء.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق