كورونا و الدولة الجديدة

الثلاثاء، 19 مايو 2020 04:36 م
كورونا و الدولة الجديدة
المشتشار معتز أبو زيد

تقديم :
تتابع المستجدات بشأن مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد و التي تجاوزت نطاق مساندة الاقتصاد و تسيير أعمال الدولة الى التدخل في الحقوق الفردية و الاساسية للأفراد من حرية التنقل و الاقامة و كذلك حرية ممارسة شعائر الأديان و حظر بعض الأنشطة و الاعتماد على قطاعات معينة في الدولة بما قد يتفق معه البعض أو يختلف معه البعض الآخر و لكن المؤكد أن تلك التحولات لا تخف في دور الدولة بشأن القيام بأدوارها أو مواجهة هذه الأزمة و كذلك حماية حقوق و حريات أفراد المجتمع.
 
أسس و أنواع دور الدولة:
تستمر جائحة فيروس كورونا المستجد (covid - 19) في اضافة و اعادة العديد من الأفكار الجديدة بالنسبة للسياسة و الاقتصاد و القانون ، و لما كانت النظم و النظريات القانونية والسياسية والدستورية قد استقرت على أن دور الدولة قد تراوح بين الدولة الحارسة و التي تكتفي بوظائف الدفاع و الأمن و القضاء و تترك ما عدا ذلك من انشطة التجارة والادارة و الاقتصاد الى توازنات السوق و نظرية العرض و الطلب و الدولة المتدخلة و هي التي تقاربت مع الفكر الاشتراكي الذي يسعى للتحكم في ادارة موارد الدولة و توجيه الدولة للفكر و النشاط الاداري و الاقتصادي بما تراه محققا للصالح العام .
 
و تطورت الدراسات الخاصة بانواع الدول و دورها في حركة الاقتصاد و الادارة باضافة دولة الرفاه و هي الدولة التي تحافظ على مستوى معيشي مرتفع بعد أن سلكت السبيل الذي حقق لها الوصول الى استقرار في نظام الادارة أو الحكم ، و كذلك ابتكار مصطلح الدولة الضابطة و هي التي تقدر تدخلها في بعض الأحيان لضبط توازن معين أو اقرار قواعد النظام العام أو تحقيق الصالح العام الذي يضمن الاستقرار و الاستدامة ، و لعل مصطلح الدولة الضابطة و الذي ظهر تحت عنوان عودة التحكم من جانب الدولة كان نتاجا طبيعيا لما واجهته الدول من حالات طوارئ أو كوارث سابقة و لكنها حديثة نسبيا بعد أن استقر لكل دولة مذهبها و اتجاهها مثل الأزمة المالية عام 2008 أو ربما مواجهة بعض الأوبئة و الأمراض مثل أزمة انفلونزا الخنازير (H1 N1) .
 
ملامح فكرة الدولة الجديدة :
و لكن ما ظهر جديدا مع وباء الكورونا المستجد أنه قد اضاف الى وظائف الدولة نوعا جديدا و فريدا في تطبيقه قبل هذه الفترة و هو ما يمكن أن نسميه (الدولة الضامنة) و هي الدولة التي تتحول بدورها في مواجهة الأزمات و الكوارث الى دولة من طبيعة أخرى و لمواجهة أمور و طوارئ أخرى ليس لاقرار نظام معين فتكون دولة ضابطة كما سلف البيان ، و انما هي دولة تضمن لمواطنيها و لنفسها بعد مرور الكوارث و الأزمات و اجتيازها أن تعود أنشطتها كما كانت و كأنها لم تمر بفترة الأزمة و لا وقت تحتاجه لاعادة نصاب الأمور الى السير العادي لادارة الدولة .
 
و لعل هذه الأفكار الجديدة التي ظهرت مع استعدادات و اجراءات الدول لمواجهة فيروس كورونا المستجد هي ما تكسبه نوعا من الاختلاف فالجميع يهدف حاليا الى اعادة الحال الى ما كانت عليه قبل جائحة فيروس كورونا المستجد سواء من جانب الدولة أو من جانب الأفراد و ظهر واضحا كم هو ضروري أن تتكاتف هذه الأطراف العامة و الخاصة لتحقيق ذلك بل و تعاون الدول فيما يشكل قواعد دولية أو دستورية موحدة جديدة لمواجهة هذه الأزمة و هو ما ينشد تحقيق ذلك في أسرع وقت لادارة أنشطة اقتصادية توقفت و لاعادة تشغيل مرافق قد تعطلت و لانصراف الدولة الى دورها الرئيسي بين الحراسة أو التدخل بحسب الأيديولوجية و الأساس الدستوري ، و هو ما يعني ايضا أن فكرة الضمان التي تتخذها الدول حاليا ليست ضمانا لاجتياز الأزمة فقط و اعادة الحال لما كانت عليه و انما هو ضمان كذلك لدور الدولة الذي سيتحول و يعود كما كان قبل الأزمة ، فالدولة تتدخل لتبتعد ، و تضيق الاطار لتفسح المجال فيما بعد فلا يتخذ ذلك ذريعة للتقييد و التدخل و انما هو سبيل للاصلاح و البقاء و الاستمرارية ، و هو ما يضمن من ناحية أخرى صلاحية هذه الدولة أو هذا الدور و مدى الثقة في ذلك للظهور من جديد مع كل أزمة بقدر المواجهة و التدخل ثم العودة للحال الأولى بناء على ما توافق عليه الجميع من دور لا ينكر للدولة في هذا المقام .
 
ان فكرة الدولة الضامنة لم تولد مصادفة و انما استجابة لضرورة يدعمها ظهيرها و سندها الدستوري حيث انها تفسير و تطبيق واضح و صريح لعبارات النصوص الدستورية التي تقرر ضمان الدولة و كفالتها و رعايتها للعديد من الحقوق و الحريات المنصوص عليها في الدساتير و هي الدرجة التي تتفاوت فيها أدوار الدولة بين الالزام مع التقييد أو التنظيم مع عدم التدخل بحسب ما تتخذه الدولة من اجراءات للتدخل او تسمح به من تعزيز للحرية و المذهب الفردي الليبرالي .
 
النتيجة و الخلاصة:
و يستنتج مما سبق أن فكرة الدولة الضامنة أو الدولة الجديدة التي استدعت وجودها جائحة فيروس كورونا المستجد هي تطبيق عملي فرض نفسه كاضافة دستورية و قانونية و ادارية و اقتصادية و قد يكون ذلك التطبيق مؤقتا و لكنه أثبت فعالية بين المنع التام أو السماح التام مما دعا أنصار المذاهب الفردية الى مراجعة النظر الى تدخل و ضرورة اتساع دور الدولة ، و من ناحية أخرى أن يراجع من ناصر المذاهب الاشتراكية و دعم دور الدولة أفكاره الى تنظيم هذا الاتجاه بما يتوازى مع كفالة و ضمان حقوق و حريات و أنشطة على نحو أوسع و ضمان بقاء هذه الدولة على نحو من الاستقرار و التطور و الاستدامة.
   
المراجع و المصادر :
- عبد الله خطاب – دور الدولة و النظرية الاقتصادية : الدروس المستفادة للحالة المصرية – ورقة مقدمة في مؤتمر شركاء التنمية حول دور الدولة في الاقتصاد المختلط – 2008 
- مقال أحمد يوسف أحمد – الدولة الحارسة – موقع جريدة الشروق – الأربعاء 6 مايو 2009
- مقال محمد نبيل الشيمي – الدولة بين الحياد و التدخل – موقع الحوار المتمدن – 15 / 3 / 2010 
- مقال ايناس عبد الله – عودة التحكم (أسباب و مظاهر تصاعد الدور الاقتصادي للدولة) – التحليلات و التحولات الاقتصادية – موقع المستقبل للأبحاث و الدراسات المتقدمة – 12 أكتوبر 2014
 
المستشار الدكتور/ معتز محمد أبوزيد
دكتوراة في القانون الدستوري
محاضر القانون العام – خبير تشريعات حقوق الانسان
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق