صلاة عيد الفطر: ألا كبروا في بيوتكم.. ألا صلوا العيد في بيوتكم

الأحد، 24 مايو 2020 03:00 ص
صلاة عيد الفطر: ألا كبروا في بيوتكم.. ألا صلوا العيد في بيوتكم
صلاة العيد
أيمن عبد التواب

هل شهد التاريخ الإسلامي توقف صلاة العيد في المساجد؟

مؤرخون يروون وقائع إلغاء صلاة العيد في البيت الحرام ومسجد الرسول.. و«الأقصى» ظل 90 عامًا بلا صلاة ولا أعياد.. والأزهر 100 عام

ألا كبروا في بيوتكم.. الا صلوا صلاة العيد في بيوتكم.. هكذا سيكون الحال فجر غرة شوال، أول أيام عيد الفطر المبارك، بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة فيروس كورونا، من خلال السماح لجميع المساجد التى كانت تقام بها صلاة الجمعة بإذاعة تكبيرات صلاة العيد عبر مكبرات الصوت الخارجية بالمسجد، دون السماح بالتجمع سواء للتكبير أم للصلاة بالمساجد أو الساحات، مع عدم ترك المسجد مفتوحا أثناء إذاعة تكبيرات العيد، على أن يصلى كلاً في بيته.

ولنقل أجواء الصلاة داخل كل بيت، قررت وزارة الأوقاف إقامة صلاة العيد بمسجد السيدة نفيسة رضى الله عنها وأرضاها بحضور نحو عشرين مصليا فقط من العاملين بالأوقاف، وبمراعاة ضوابط التباعد الاجتماعى والإجراءات الوقائية، ومراعاة وجود مسافة نحو متر ونصف على الأقل بين كل مصل وآخر، على أن يتم نقل الصلاة على الهواء مباشرة عبر قنوات التليفزيون المصرى والإذاعة المصرية.

هذه القرارات هدفها الحفظ على النفس البشرية من أية مخاطر تصيبها نتيجة التجمعات وأثرها فى سرعة نقل العدوى بفيروس كورونا، وذلك انطلاقا من أن أعظم مقاصد شريعة الاسلام حفظ النفوس وحمايتها ووقايتها من كل الأخطار والأضرار.

وا أشبه اليوم بالبارحة.. الدول الإسلامية، وكثير من دول العالم، اتخذت قرارات بتعطل صلاة العيد في المساجد والساحات؛ خشية زيادة أعداد ضحايا فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19».. الحدث ليس هو الأول من نوعه، فتاريخ أمتنا يذكرنا بوقائع توقفت- خلالها- صلوات الجمع والجماعات لأسباب مختلفة، منها ما لا علاقة له بالدواعي الصحية، وبعضها الآخر أعظم خطرًا مما نعانيه الآن.. إلى أن انقشعت الغُمّة- وإن طالت- وعاد إلى المساجد عُمّارُها ومحبوها.

وعلى الرغم من اتفاق المؤرخين والمختصين على أن هذه هي المرة الأولى التي تعطل فيها الصلاة في كل الأقطار الإسلامية، في وقت واحد، وللظرف نفسه، إلا أنهم اختلفوا.. فريق رأى أن الحوادث السابقة تعطلت فيها الصلوات بما فيها صلاة العيد في بعض المناطق دون غيرها، وفريق استثنى صلاة العيد من التوقف، وثالث رأى أن الإلغاء كان عامًا، فإذا شمل صلاة «الفروض الخمسة» فإنه يكون أولى في «السنة» وهو العيد.

«عمواس» وتوقف الصلوات

في عام 18هـ، وفي عهد أمير المؤمنين، عمر ابن الخطاب، وقع طاعون في بلدة «عمواس»- قرية فلسطينية- ومنها انتقل إلى مناطق أخرى حتى تفشى في بلاد الشام، وحصد أرواحًا كثيرة، منهم عدد لا بأس به من كبار الصحابة والتابعين، منهم «أبو عبيدة ابن الجراح، ومعاذ بن جبل».. وبلغ البلاء مبلغه حتى أقسم «الفاروق» ألا يذوق سمنًا ولا لبنًا ولا لحمًا حتى يحيا الناس، كما يروي «ابن الأثير» في كتابه «الكامل».

وعلى الرغم من شُحِّ التفاصيل اليومية بشأن تلك الفاجعة، بما في ذلك إقامة الصلوات، إلا أن كتب التراث تواترت رأي عمرو بن العاص بتفرق الناس في «رؤوس الجبال والشِّعاب وبطون الأودية»؛ حتى ينتهي هذا الطاعون الذي تزامن مع المجاعة التي حدثت في «عام الرمادة».. وهذا التفرق يحول «ضمنيًا» دون إقامة صلاة الجُمَع والجماعات، وإذا مُنِعت الفريضة، فالسنة أولى.. لكن يظل هذا المنع مجرد استنتاج وليس جزمًا، بحسب الدكتور محمد عز الدين، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة المنوفية.

العيد ووباء تونس والأندلس

خلت معه مساجد القيروان من المصلين؛ بسبب وقوع وباء عظيم في تونس عام 395هـ. وتسبب هذا الوباء في «شدة عظيمة انكشف فيها الستور، وغلت الأسعار، وعدم القوات، وهلك فيه أكثر الناس من غني ومحتاج، فلا ترى متصرفًا إلا في علاج أو عيادة مريض أو آخذًا في جهاز ميت، وخلت المساجد بمدينة القيروان»، بحسب وصف «ابن عذاري المراكشي» في كتابه «البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب».

وفي كتابه «تاريخ الإسلام»، يذكر الإمام الذهبي أن الأندلس شهدت سنة 448هـ وباءً شبيهًا بوباء تونس، قائلًا: «وفيها كان القحط العظيم بالأندلس والوباء، ومات الخلق بإشبيلية بحيث إن المساجد بقيت مُغلقة ما لها من يصلي بها». كما ذكر في كتابه «سير أعلام النبلاء»- أنه في هذه السنة «كان القحط عظيمًا بالأندلس، وما عُهد قحط ولا وباء مثله بقرطبة، حتى بقيت المساجد مغلقة بلا مُصَلِّ، وسُمي عام الجوع الكبير».

وتحدث «ابن الجوزي»- في كتابه «الكامل»- عن تفشي وباء في بلاد ما وراء النهر- آسيا الوسطى حاليًا- سنة 449هـ، ووصل إلى مشارف أرض العراق، فيقول: «ورد كتاب من تجار ما وراء النهر بوقوع وباء عظيم مسرف زائد عن الحد، حتى إنه خرج من هذا الإقليم في يوم واحد ثمانية عشر ألف جنازة، وأحصي من مات فكانوا ألف ألف وستمئة ألف وخمسين ألفًا.. والناس يمرون في هذه البلاد فلا يرون إلا أسواقًا فارغة، وطرقاتٍ خالية، وأبوابًا مغلقة، وطويت التجارات، وليس للناس شغل في الليل والنهار إلا دفن الأموات.. وخلت أكثر المساجد من الجماعات».

ويُفهم من خلو المساجد من الجماعات، عدم إقامة صلاة العيد؛ استنتاجًا ضمنيًا، وليس جزمًا، إعمالًا بمنطق منع السنة يدخل ضمن منع الفرض.

وباء مكة وطاعون مصر

كتب التاريخ الإسلامي ذكرت- مرارًا- إغلاق المساجد بسبب الأوبئة، ولم يسلم من ذلك مساجد مكة المكرمة وبيت الله الحرام نفسه؛ ففي كتابه «إنباء الغُمْر بأبناء العمر» قال الحافظ ابن حجر: «وفي أوائل هذه السنة [827هـ] وقع بمكة وباء عظيم، ومات كل يوم أربعون نفسًا، وحصر من مات في ربيع الأول ألفًا وسبعمئة، ويقال إن إمام مقام إبراهيم- وكان أتباع المذهب الشافعي يقيمون عنده صلواتهم- لم يصل معه في تلك الأيام إلا اثنان، وبقية الأئمة من المذاهب الأخرى بطلوا الصلاة لعدم من يصلي معهم».

وفي عام 749هـ، ضرب الطاعون مصر، وسُمِي بـ«الطاعون الكبير»، وعُرف في أوروبا بـ«الموت الأسود». ورصد المقريزي الآثار الاجتماعية لهذا الوباء في كتابه «السلوك لمعرفة دول الملوك»، قائلًا: «وبطلت الأفراح والأعراس، فلم يُعرف أن أحدًا عمل فرحًا في مدة الوباء، ولا سُمع صوت غناء، وتعطّل الأذان من عدة مواضع». وفي كتاب «النجوم الزاهرة» ذكر «ابن تغري بردي» مثل ما ذكره المقريزي، وزاد عليه «وغُلقت أكثر المساجد والزوايا».

إلا أن أحدًا لا يستطيع الجزم بأن توقف صلاة العيد كان ضمن تعطيل الصلاة «شبه الكلي» بالحرم المكي، أو في أكثر المساجد والزوايا بمصر، خشية العدوى والموت بالوباء والطاعون، بحسب الدكتور محمد عز الدين.

إلغاء صلاة العيد في المسجد الحرام

حتى بيوت الله في البقاع المقدسة لم تسلم من تعطيل الصلوات. ففي كتابه «إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم»، يصف القاضي عياض ما صنعه جيشُ يزيد بن معاوية بالمدينة وأهلها سنة 63هـ، قائلًا: «فهَزَموا أهل المدينة، وقتلوهم، واستباحوهم ثلاثة أيام، وقُتل فيها عدة من بقية الصحابة وأبناء المهاجرين والأنصار، وعُطّلت الصلاة في مسجد النبي تلك الأيام، وتوقف الأذان فيه».

وذكر عبد الملك العصامي المكي- في «سمط النجوم العوالي»- دخول إسماعيل بن يوسف الأخيضر، إلى مكة عام 250هـ، هربًا من والي بغداد، ثم «عَمَدَ إلى الكعبة الشريفة فأخذ كسوتها وما جدد في خزانتها من الأموال، ونهب مكة وأحرق بعضها ثم خرج منها بعد مقامه بها خمسين يوما». وبعدها «قصد المدينة فظلم أهلها وأخرب دورهم، وعُطلت الجماعة من مسجد النبي، ثم رجع إلى مكة فحصر أهلها حتى ماتوا جوعًا وعطشًا. ووافى الموقف والناس بعرفات فقتل نحو ألف ومئة نفس، فهرب الحجاج ولم يقف بعرفة أحد ليلًا ولا نهارًا سوى إسماعيل وعسكره».

وفي عام 317هـ، دَهَمَ أبو طاهر القرمطيّ بجيشه جموعَ الحُجّاج يوم التروية، فأفسد حجّهم، وقتل آلافًا من الناس في صحن المسجد الحرام، واقتلع الحجر الأسود ورجع به إلى عاصمة دُويلته هَجَر.. قال الإمام الذهبيّ في «تاريخ الإسلام»: «ولم يقف أحدٌ تِلْكَ السنة وقفة عرفة»، وتعطل الحج الذي هو أهم من صلوات الجماعات.

ونقل مؤلفو كتاب «معلمو المسجد النبوي» عن الشيخ ألفا هاشم، إمام المسجد النبوي، أواخر الحرب العالمية الأولى، أنه عندما اشتد حصار قوات الشريف حسين بن علي للمدينة «اتخذ واليها العثماني فخري باشا من المسجد النبوي الشريف ثكنة للجنود والأسلحة، واتخذ من منائر المسجد أبراجا للمراقبة، فتعطلت الصلوات ولم يُرفع الأذان من المنائر لفترة».

المسجد الأقصى بدون أعياد

كان المسجد الأقصى أكثر مساجد الإسلام عرضةً للانتهاك، وتعطّلت الصلاة فيه تحت حكم الصليبيين نحو90 عامًا، بدءًا من سنة 492هـ، وافتتحوا عهدهم فيها بمذبحة عظيمة. يقول ابن الأثير- في «الكامل»- واصفًا المذبحة: «وقتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفًا، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم، ممن فارق الأوطان وجاور بذلك الموضع الشريف».

ومع مطلع القرن السابع، اجتاح النصارى الإسبان الحواضر الكبرى في الأندلس، ثم تراجعوا عن تعهداتهم في معاهدة تسليم غرناطة القاضية باحترام الحرية الدينية للمسلمين، «فأغلِقت المساجد وحُظر على المسلمين إقامة شعائرهم، وانتُهكت عقائدهم وشريعتهم». بحسب عبد الله عنان، في كتابه «دولة الإسلام في الأندلس».

لا أعياد مع الغزاة والطغاة

وفي عام 656هـ، اجتاح المغول- بقيادة هولاكو- بغداد، فـ«قتلوا الخطباء والأئمة وحملة القرآن، وعطلوا المساجد والجماعات والجُمعَات مدة شهور»، كما يروي ابن كثير في «البداية والنهاية». بينما يصف الإمام السبكيّ- في «طبقات الشافعيّة»- هذه المأساة، فيقول: «وأخذت بغداد على يد هولاكو، وقُتل أمير المؤمنين وبَعده سائر المسلمين، ورُفع الصليب، وسُمع الناقوس، وخربت الجوامع وعُطّلت المساجد».

وعندما غزا القائد التتري «قازان» بجيوشه الشام سنة 699هـ؛ دخلوا دمشق فعاثوا فيها نهبا وسلبا، واقتحموا «جامع بني أمية، فانتهكوا حرمته بكل محرّم.. وامتُهن القضاة والخطباء وعُطّلت الجماعات والجمعة»، رغم أنه ادعى إسلامه!

وأما اجتياح تيمورلنك لدمشق فلم يكن أقلّ وحشيّة وبشاعة، مع أنه كان يدّعي الإسلام، واصطلح مع أهلها على فديةٍ يدفعونها ليسلموا من القتل والسلب، لكنه انقلب على الاتفاق ونهبها وخربها وأحرق بعضها، و«شُغل الناس عن الدين والدُّنيا بما هم فيه.. فتعطلت سائر الجوامع والمساجد من إعلان الأذان وإقامة الصلاة»، ويقول مجير الدين المقدسيّ في كتابه «التاريخ المعتبر في أخبار من غبر»: «ولم تقم الجمعة في الجامع الأموي إلا مرة واحدة، وهي الجمعة الأولى من استيلاء التتار على البلد»!

وفي كتاب «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى» يذكر أبو العباس الناصري، أنه "لما قُـتل السلطان عبد الملك بن زيدان (سلطان المغرب)، بويع أخوه الوليد بن زيدان.. وعظمت الفتن بفاس حتى عُطلت الجمعة والتراويح من جامع القرويين مدة، ولم يصلِّ به ليلة القدر إلا رجل واحد من شدة الهول والحروب»!

الأزهر بدون صلوات ولا أعياد

وربما لا يعلم كثيرون أن الجامع الأزهر الشريف تعرض للإغلاق مرات عدة، ومُنِعت إقامة الصلوات فيه، بما فيها الجمعة والعيدين. واستمر الإغلاق الأول نحو 100 عام، بدءًا بزوال الدولة الفاطمية ذات المذهب الشيعي، ومجيئ الدولة الأيوبية، حين قرر صلاح الدين الأيوبي غلق الأزهر سنة 589 هـ، ليمنع دراسة المذهب الشيعي، وظل مغلقا حتى عام 672هـ، إلى أن أعاد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس، فتحه للدراسة على أساس المذهب السني.

وأُغلق مرة أخرى لمدة عام من 1730 إلى 1731م، حين شن كبورلي زاده عبد الله باشا شن حملات لمطاردة الهاربين، وتضييق الخناق عليهم بمنطقة المجاورين الملاصقة للأزهر، فأغلقت أبواب الجامع الأزهر وأمر الوالي العثماني بمنع التوجه إليه خوفًا من الثورة عليه، ومع تصاعد حدة الغضب على الوالي عُزِل فيما بعد.

وفي يونيو عام 1880 أغلق قائد الحملة الفرنسية، مينو، الجامع الأزهر، عقب اغتيال القائد الفرنسي كليبر، على يد طالب الأزهر سليمان الحلبي، وظلت أبواب المسجد مغلقة حتى وصول المساعدات العثمانية والبريطانية في أغسطس 1801م، وخلال هذه المدة لم تقم الصلاة فيه، بما فيها الجمع والأعياد.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة