«أنتفيا».. حركة يسارية تقود الاحتجاجات ضد البيت الأبيض ومهددة بالتصنيف الإرهابى

السبت، 06 يونيو 2020 07:30 م
«أنتفيا».. حركة يسارية تقود الاحتجاجات ضد البيت الأبيض ومهددة بالتصنيف الإرهابى
محمود علي

الحركة ترفع شعار مناهضة «الأنظمة الفاشية» وتنتهج أسلوب العنف للتعبير عن احتجاجاتها 
 
 
كنا على موعد هذا الأسبوع مع جدل واسع أثارته تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول اعتزامه تصنيف حركة «أنتيفا» اليسارية منظمة إرهابية بعد تنظيمها عدد من الوقفات الاحتجاجية رفضاً لوحشية الشرطة على خلفية وفاة جورج فلويد، ما أعاد بنا للذاكرة الموقف الأمريكي الداعم لثورات الربيع العربي قبل نحو 10 أعوام واعتراض الإدارة الأمريكية حينذاك على اتخاذ الدول العربية خطوات مشابهة مع الحركات الثورية التي انتهجت نفس النهج.
 
وألقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمسؤولية على حركة «أنتيفا» وما يطلق عليهم بـ «اليساريين الراديكاليين» بإثارة الفوضى في البلاد، حيث شهدت ولاية مينسوتا بمدينة منيابوليس خلال الأسبوع الماضي عقب واقعة قتل الشرطي الأمريكي لفلويد بدم بارد، إحراق لمقرات الشرطة، وتكسير للمحال التجارية، واستنفار أمني عالي المستوى، في عددا من المشاهد التي لم تكن مألوفة في الولايات المتحدة الأمريكية، ما وضعتها خلال الأسبوع الماضي تحت دائرة الضوء وأنظار وسائل الإعلام الدولية بشكل غير مسبوق، وفيما تتواصل التظاهرات منذ نحو أسبوع، حتى  خرج دونالد ترامب وأكد إن حكومته ستصنف حركة «أنتيفا» منظمة إرهابية.
 
و»أنتيفا» هى حركة سرية يرمز اسمها إلى مبدأ «مناهضة الفاشية»، لا توجد لها إدارة مركزية معروفة، ولا أعضاء مسجلين، لكن تشير تقارير لوكالات عالمية أن عادة ما ينظم أعضاؤها تحركاتهم بشكل عفوي، بعيداً عن أعين رجال الأمن والشرطة، وتميل الحركة في أسلوبها إلى مناهضة العنصرية والرأسمالية والتمييز، مع استخدام العنف في بعض الأحيان خلال تنظيمها للاحتجاجات، فيما يتميز أنصارها بلبس اللون الأسود وبإخفاء وجوههم والظهور في الأحداث كملثمين.
 
وتعود جذور الحركة إلى سنوات بعيدة وترجعها الدراسات السياسية تحديدا إلى الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى، إلا أنها اختفت عن الأنظار لتظهر مجددا مع قدوم الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض بعد فوزه بانتخابات عام 2016، وتشير تقارير أن الحركة بدأت في الظهور لأول في أوروبا وتحديدا في إيطاليا رافعة شعار مناهضة الفاشية، وترافق ظهورها مع تصاعد قمع الجمعيات الاشتراكية والعمالية في البلاد آنذاك، كما يرتبط تاريخها بالدكتاتور الأشهر بينيتو موسوليني، إذ ظهرت لمواجهته، حين نجح في توحيد السلطة في ظل حزبه الوطني الفاشي.
 
وأنتيفا لها مجموعات متعددة في الولايات المتحدة بأصول مختلفة، ففي مدينة منيابوليس بولاية مينيسوتا، وهى مركز الاحتجاجات الأولى التي عمت البلاد بشكل مكثف، تشكلت مجموعة تدعى «بالديز» عام 1987 بقصد محاربة جماعات النازيين الجدد. 
 
وما أثار غضبا شديدا في أنحاء الولايات المتحدة، هو مشهد المواطن الأمريكي من أصل إفريقي فلويد، في مقطع مصور يظهر وهو يحاول بصعوبة التنفس، بينما كان شرطي أبيض يجثو بركبته على عنقه في مدينة منيابوليس، قبل أن يفارق الحياة.
 
وحتى كتابة هذه السطور لم تهدأ ردود الأفعال المتوالية على هذه الحادثة في الداخل الأمريكي والخارج، بينما كان لتداعيات هذه القصة أبعادا أخرى، أبرزها على الإطلاق ما ذكر حول تهديد الرئيس الأمريكي تصنيف الحركات الثورية بالإرهابية، ورغم أن ترامب لم يكن في الصورة، حين قررت الإدارة الأمريكية في 2011 أن تدافع عن ما وصفتها بالحركات الثورية ، إلا أن هذا التحرك الأخير من جانب البيت الأبيض يثبت تضارب السياسة الأمريكية وعدم التزامها بموقف واحد تجاه ما يحدث من ممارسات قد يراها البعض ثورية وآخرون يروها إرهابية وداعية للفوضى.
وينطلق الحديث عن التناقض والتضارب الأمريكي، من باب دفاع كثيرون عن ما يطلق عليه «مركزية القرار بالولايات المتحدة الأمريكية»، إذ يؤكد هؤلاء أن السياسة الأمريكية لم يتم تحديدها فقط داخل البيت الأبيض بل هناك مجموعة من المؤسسات مدعومة بمراكز أبحاث رأي مشاركة بشكل كبير في صناعة القرار الأمريكي.
 
إلقاء الضوء على هذا التناقض الأمريكي ليس بالضرورة دفاعاً عن هذه الحركات اليسارية أو إطلاق سهام النقد على الحركات اليسارية والثورية التي ظهرت في مصر وتونس وليبيا بعد ما يعرف بثورات الربيع العربي، إلا أنه يطرح تساؤلا مهما.. هل تعتذر الولايات المتحدة الأمريكية عن موقفها السابق الرافض لتحركات الدول العربية لتقييد مثل هذه الحركات المشابهة؟.. هل تعترف الولايات المتحدة إنها تتخذ الآن موقفا كانت قد اعترضت عليه في السابق؟!
 
ويرى مراقبون أن ما تشهده الولايات المتحدة من أحداث متعاقبة شبيه في كل تفاصيله بالاحتجاجات التي شهدتها الدول العربية في عام 2011 فيما يعرف بثورات الربيع العربي، حيث يشير طايل الضامن الإعلامي الأردني إلى أن قصة مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد خنقا بركبة شرطي في الشارع العام، وتهديدات الرئيس الأمريكي باستخدام الجيش ضد المحتجين الغاضبين على بشاعة الحدث، بعد أن وصفهم بالمندسين السيئين، تذكرنا بسنوات الربيع العربي في بعض الدول العربية، لافتاً إلى أن تهديد ترامب الأمريكيين الغاضبين على هذه الجرائم بإنزال الجيش إلى المدن، يعيد للأذهان ذات المشاهد التي اعتمدتها أنظمة الدول العربية، فيما حذرت الإعلامية الكويتية عائشة الرشيد، من تأثير الاحتجاجات المستمرة منذ نحو أسبوع في العشرات من مدن الأمريكية على الولايات المتحدة، مؤكدة أنها مؤشر خطير يدفع بأمريكا نحو الهاوية، ووصفت ما تتعرض له الولايات المتحدة من أحداث ومشاهد الآن بالربيع أمريكى، مؤكدة أنه قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على الولايات الأمريكية، 
 
وبالعودة إلى الحديث عن حركة «أنتفيا» وهل إيدلوجيتها قد تدفع الرئيس الأمريكي إلى حشد الجهود من أجل مواجهتها وتصنيفها إرهابيا، يقول مهتمون بالشأن الأمريكي أن هذه الحركة كانت قد تصادمت مع عدد من زعماء العالم وتحديدا داخل أمريكا، حيث تضم العديد من الزعماء المناهضين للفاشية في الولايات المتحدة من النقابيين، والاشتراكيين المهاجرين من إيطاليا، من ذوي الخبرة في تنظيم العمل والنضال القتالي، وتعتبر أنتيفا خليفة للمجموعات التي ظهرت في القرن العشرين وكانت تناهض النازية، حيث ظهرت هذه الحركات في سبعينات القرن الماضي  من أجل معارضة «سيادة البيض» وحركة حليقي الرؤوس، ثم انتشرت في نهاية المطاف بالولايات المتحدة، ورغم انتقاد الكثير لأيدولوجيتها التي تعتمد في بعض الأحيان على العنف حيث رفضها الكثير من المشرعين والمعلقين السياسيين، إلا أنها بدت تتعالى صوتها في السنوات الماضية مع وصول رؤساء لقارتي أوروبا وأمريكا يدافعون عن اليمين المتشدد.
 
 وسبق أن دانت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، العنف الذي مارسه نشطاء أنتيفا، بينما تعددت الدعوات إلى تصنيفها منظمة إرهابية، فيما انتقادها المفكر الشهير نعوم تشومسكي وأكد إنها ستكون في يوما من الأيام «الهدية الثمينة لليمين المتشدد»، على اعتبار أنشطتها المتطرفة التي تنفر وتخيف الناس من الحركات الاشتراكية واليسارية وتدفعها إلى التوجه نحو الحركات الأكير يمينية، وهو ما يعتمد عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذه الفترة لوقف الاحتجاجات، حيث يستخدمهم كفزاعة لإعادة الاستقرار إلى حكمه.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق