مواقع التواصل الاجتماعي «حكام» العصر الحديث

الأحد، 07 يونيو 2020 10:00 ص
مواقع التواصل الاجتماعي «حكام» العصر الحديث
هشام السروجي

لك أن تتخيل، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يكتب تغريدات بشأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، فيقوم الموقع بتصنيفها بأنها تغريدات «مضللة»، فيثور الرئيس ترامب ويهدد بحجب الموقع، وفي اليوم التالي مباشرة، يعاود الرئيس التغريد بعد مقتل مواطن أمريكي على يد شرطي، فيحجب الموقع التغريدة بسبب أنها تحرض على العنف، وفي كلا الحالتين كان القرار في يد إدارة الموقع، في مجابهة أقوى رجل في العالم.
 
في الماضي قالوا «التاريخ يعيد نفسه».. في دورة زمنية قد تحتاج إلى قرون من الزمن، لكن ومع ثورة الاتصالات والتقدم التكنولوجي وسرعة تداول المعلومات، أصبحت الدورة الزمنية أقصر وقتًا، لنجد أن ما شهدته الدول العربية فيما أطلق عليه الربيع العربي، يضرب قواعد الولايات المتحدة بعد أقل من ١٠ سنوات فقط.
 
قد لا تؤدي الاحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة إلى نفس النتيجة التي وصلت لها ثورات الربيع العربي، لكنها في أقل تقدير جعلتهم يعترفوا بمخاطر مواقع التواصل الاجتماعي على الأمن القومي للدول والأنظمة السياسية، بعد الصدام بين الرئيس الأمريكي وإدارة موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» على خلفية تغريدة للرئيس عن واقعة مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد -من أصحاب البشرة السمراء- على يد ضابط شرطة في مينيا بوليس الأمر الذي أثار عاصفة احتجاجات شعبية في عدد من الولايات والمدن الكبرى.
 
بعيدًا عن تعامل ترامب مع الاحتجاجات بنفس السلوكيات التي عمدت لها الأنظمة الحاكمة في الدول العربية حين اندلعت تظاهرات الربيع العربي، والتي انتقدتها بشدة الولايات المتحدة، خلال إدارة باراك أوباما، وتعاملت معها على أنها أحد أوجه الديكتاتورية والشمولية، إلا أن معركته الحقيقة كانت مع تويتر لإدراكه أن وصف المنصة لتغريدتين بخصوص المشاركة في الانتخابات والادلاء بالأصوات عبر البريد، بأنها معلومات مضلله، أمر يهدد شعبية الرئيس وفرصته في الانتخابات، ثم تأتي حادثة مينيا بوليس، ليغرد ترامب مرة أخري قائلاً:» حين يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار»، ليتحرّك فريق الإشراف في موقع تويتر ويحجب التغريدة مع ترك رسالة تقول إنه تمّ خرق قواعد الترويج لأعمال العنف.
 
كانت المعركة الحقيقة في نظر ترامب ومن قبله الدول التي شهدت احتجاجات الربيع العربي، مع مواقع التواصل الاجتماعي التي استطاعت في سنوات معدودة من السيطرة على مجريات الاحداث العالمية على جميع المستويات، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفنية والرياضية، بل نستطيع القول بكل أريحية أن مواقع التواصل الاجتماعي تحكم العالم وتحدد مساره، من هنا جاءت المنافسة علي فرض السلطة والسيادة بينها وبين الأنظمة الحاكمة.
 
في فيلم the circle الدائرة، إنتاج ٢٠١٧ المأخوذ عن الرواية الأكثر مبيعًا لـ»ديف ايجرز»، تنجح فتاة في الحصول على فرصة عمل وفر لها فرصه عمل في شركه الانترنت الاكثر نفوذا The Circle ،وهي مزيج بين جوجل و فيس بوك مجتمعين معا.. تقابل الفتاة رئيس الشركة «توم هانكس» الذي يعرض عليها فكرة آن تحمل معها كاميرا تبث كل أحداث يومها بث مباشر، وتقبل الفتاة العرض وتحمل الكاميرا ويصادف تعرضها لحادث أثناء أبحارها بقارب صغير، وتنجح الكاميرا في انقاذ الفتاة من الموت، ويبدأ تعميم التجربة وانتشارها، وتبدأ الشركة في السيطرة علي العالم من خلال سيطرتها على خصوصية البشر، حتى تتحكم في اختيار حكام الدول والمزيد، من خلال تحليل البيانات ودراسة نفسية وسيكولوجيات الكتل البشرية والمجتمعات، وترويج أفكارهم بناء على تلك التحليلات، وشيوع الحياة الشخصية للجميع.
 
الحقيقة التي لا جدال فيها أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت الحاكم الفعلي للعالم، أو كما نتداول ساخرين «مجلس إدارة العالم» القادر على تحديد مصائر الشعوب بجميع مناحيها، حتي أن رئيس أقوي دولة في العالم يرتعد ويتراجع أمام قرارات إدارة إحدى المنصات فيما يخص قراره، في الوقت الذي يخضع العالم بحكوماته وأنظمته وجيوشه وشعوبه أمام رغباته وقراراته، فتغريدة واحده منه قادرة على هدم اقتصاديات وغلق بورصات وانهيار عملات وشن حروب وقتل ملايين البشر، لكن كل ذلك ينهار أمام سطوة مواقع التواصل الاجتماعي، الحاكم الفعلي للعالم، هذه المواقع التي أصبحت من القوة الكافية بأن تقول للعالم أن معلومات أو تغريدات الرئيس الأمريكي «مضللة» وتجد جماهير عريضة تسير خلفها.
 
كان هناك في الماضي ما يسمى قادة الرأي، يصنعون الرأي العام ويوجهون الجماهير، وكانت الصحافة والإعلام هما المنبر الشرعي والوحيد لتوصيل رسائل هؤلاء القادة للشعوب والمجتمعات، لكن اليوم يستطيع شخص عادي من خلال منشور علي فيسبوك أو تغريدة على تويتر أن يحرك حكومات دول أو يشعل تظاهرات وحركات احتجاجية أو أن يغير مسار التاريخ، إذا حقق المنشور انتشارا لائقًا ووجد صدى لدي رواد المواقع الاجتماعي، وخير دليل ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة، حين صور أحدهم مقطع الفيديو للشرطي الذي تعمد قتل المواطن فلويد، اليوم أصبح كل البشر قادة رأي إذا توفر المحتوى المناسب في التوقيت المناسب.
 
أعتقد أن وجهة نظر المؤسسات الأمريكية تجاه مواقع التواصل الاجتماعي بعد الأزمة الحالية ستتغير، حيث أثبتت بالدليل القاطع أن خطورتها وتأثيرها لن يقتصر على العالم كله عدا الولايات المتحدة، كما كان يتصور سكان البيت الأبيض والإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء كانت هذه المواقع تجد أجنحة تدعمها داخل المؤسسات الأمريكية في الوقت الحالي ضد ترامب، أو كانت القصة كلها بدون ترتيب مسبق، فكل من سيأتي لحكم الولايات المتحدة لن ينسي ما آلت إليه الأوضاع في الأزمة الحالية، وسيكون على دراية كافية بأنه من السهل أن يكون هو الهدف القادم.
 
 ما كنا نراه دريًا من الخيال الدرامي في الأفلام من سيطرة التكنولوجيا على الحياة، ومصائر الشعوب ومقدراتها، اليوم نراه جليًا يحدث أمامنا، حكم الشعوب أنتقل من يد الحكومات والأنظمة السياسية إلي شركات التكنولوجيا، أصبح هناك مفهوم جديد للحكم، فبدلًا أن يتم اختيار الحكام من السياسيين من خلال الانتخابات، أصبح يحكم العالم إدارات شركات يتم توظيفهم بعد نجاحهم في مقابلة العمل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة