يوم حالك السواد.. حصار المحكمة الدستورية لإرهاب القضاة

السبت، 27 يونيو 2020 08:00 م
يوم حالك السواد.. حصار المحكمة الدستورية لإرهاب القضاة
المحكمة الدستورية
هبة جعفر

 
"حصار المحكمة الدستورية".. كان هذا العنوان الذى تداولته الصحف المصرية بل والعالمية في الثانى من ديسمبر 2012، في مشهد لم يحدث الا في مصر، فقد حاولت الجماعة الإرهابية أن تخرس كل الأصوات بما فيها القضاء المصرى، ولو وصل الأمر إلى منع القضاة من الوصول إلى أماكن عملهم، بل والتهديد بقتلهم.
 
وتعد المحكمة الدستورية هي ثالث محكمة من نوعها على مستوى العالم، وكان القضاء المصري سابقًا في إنشاء المحكمة الدستورية وكذلك في مجال المراقبة الدستورية والتى ظهرت الحاجة إليها منذ دستور 1923 من خلال الرقابة الدستورية على القوانين، وعلى الرغم من تلك القيمة المهمة للمحكمة المصرية العريقة، عكفت الجماعة الإرهابية منذ وصولها إلى السلطة حتى سقوطها في 30 يونيو، على محاصرة المحكمة ومنع قضاتها من الدخول إلى مقرها في مشهد مخجل دفع أكثر من 50 محكمة دستورية فى العالم إلى إعلان تضامنها مع المحكمة الدستورية، بعد محاولة أنصار الجماعة الإرهابية، فرض سياسة الغاب على الدولة وتقويض وتخويف كل من تسول له نفسه مخالفة قرارتها أو تنفيذ القانون وفرض سياسية الرأي الأوحد الذي يسير داخل جماعتهم.
 
جاءت البداية في ديسمبر 2012 عندما أعلنت المحكمة الدستورية عن تحديد جلساتها من أجل نظر الطعون المقدمة على تشكيل المحكمة التأسيسية للدستور وتحصين مجلس الشوري من الطعن عليه، ليصدر صفوت حجازي الإشارة لقطيع الجماعة للاحتشاد أمام مقر المحكمة بمنطقة المعادي وغلق الطريق وافتراش الأرصفة، ليفاجأ القضاة صباح يوم القضية بمنعهم من الدخول والهتاف المعادى للمحكمة وأعضائها.
 
وفي مشهد يؤكد همجية الجماعة، جمعوا الباعة الجائلين حولهم ووضعوا مكبرات صوت أمام أبواب المحكمة لإذاعة الأغاني الدينية المؤيدة للجماعة، وترديد هتافات معادية: «ادينا الإشارة يا دكتور مرسي.. واحنا نجبهملك في شكارة»، «يا قضاة الدستورية اتقوا شر المليونية»، وقاموا بالاعتداء على مراسلين الصحف في مشهد يؤكد غياب دولة القانون والاعتداء على رجالها، ويكشف منهج الجماعة في إبادة كل من يعترضهم.
 
وأمام كل هذه الهمجية أعلنت المحكمة برئاسة المستشار ماهر البحيري، تأجيل نظر الجلسات إلى أجل غير مسمى، نظرا للدواعى الأمنية التي تحيط بالمحكمة، بعد قيام الإرهابيين بمنع دخول قضاتها لعقد الجلسات، وعدم إمكانية أن يعمل القضاة تحت هذا التهديد وتعريض حياتهم للخطر، ولأن رئيس القبيلة في ذلك الوقت المعزول محمد مرسي العياط تعمد إهانة القضاء والتقليل من شأنهم، فلم يصدر الأمر لتفريق المتواجدين أمام المحكمة الدستورية لإرهاب القضاة، ومنعهم من عقد الجلسات وتمرير دستور 2012 الصادر من اللجنة التأسيسية المطعون على تشكيلها، وحاول القضاة التصدي لمحاولات الاعتداءات بعقد الجلسة داخل نادي المحكمة الدستورية المقابل للمحكمة ولكن لم تتمكن بعد محاصرة النادي وكان الاحتجاج بتعليق الجلسات.
 
ووصفت المحكمة هذا اليوم بأنه يوما حالك السواد في سجل القضاء المصري على امتداد عصوره، وسجلت ببالغ الأسى والألم أن أساليب الاغتيال المعنوي لقضاتها الذي سبق ممارسته الفترة الماضية من هذا الحشد وغيره ممن ينتمون إليه والذي يتظاهر اليوم ضد المحكمة، هي التي قادت إلى هذا المشهد البغيض المفعم بالخزي والعار، بما حمله من تشهير وتضليل وتزييف للحقائق، واصطناع أزمات مع القضاة توم عن مشاعر من الحقد والكرة ومحاولة الانتقام لممارسة مهام عملهم.
 
18 يومًا استمر خلالهم حصار المحكمة الدستورية من قبل 5 آلاف شخص من أنصار الجماعة، لمنع القضاة من مباشرة عملهم، وفى 15 يناير 2013 عادت المحكمة إلى الانعقاد مرة أخرى لإصدار الحكم بعدم دستورية قانون تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وحل مجلسي الشعب والشورى، واستمرت المحكمة في الانعقاد على مدار عدة جلسات انتهت فى 2 يونيو 2013 بإصدار حكم من الدستورية ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وحلها وكذلك حل مجلس الشورى مع الانتظار لحين انعقاد مجلس النواب.
 
وبعد محاصرتها بسبب حل مجلس شورى الإخوان، وقعت محاصرة أخرى للمحكمة في 27 يونيو 2013، عندما عقدت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، برئاسة المستشار ماهر البحيري في مقر المحكمة جلسة لنظر طعن المرشح الرئاسي الخاسر، الفريق أحمد شفيق، على نتيجة فوز منافسه محمد مرسى بالانتخابات الرئاسية عام 2012، الا ان أنصار مرسى حاصروا المحكمة مما دفع اللجنة إلى التنحي عن نظر الطعن.
 
وجاء سبب استشعار الحرج وصدور القرار بالإجماع ليس لأن المستشار البحيرى ساهم فى إصدار قرار إعلان فوز مرسى بل لعدم رضا القضاة أعضاء اللجنة، عن خوض الرئيس المعزول فى أحد خطاباته فى الطعن، وانتقاده لمنافسه السابق شفيق لإقامته الطعن، والحديث عن أن اللجنة العليا ودعوته لتظاهر أمام مقر المحكمة ومحاصرتها.
 
وظهر عداء رئيس القبيلة وأعضائها من جماعة الإخوان الإرهابية منذ الإصرار على الحضور لمقر المحكمة لحلف اليمين، أمام أعضاء المحكمة ومنذ إقرار الدستور قام الراحل مرسي، بإعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا وفقاً للمواد 176و232 واستبعاد 7 من مستشاري المحكمة على رأسهم المستشارة تهاني الجبالي والمستشار حاتم بجاتو.
 
 لم يقف الأمر عند استبعاد أعضاء من المحكمة الدستورية العليا وبل امتد لتقليص اختصاصاتها بجعل رقابتها سابقة على القوانين المتعلقة بالانتخابات وعدم السماح بالرقابة اللاحقة في حالة عدم إعمال رأيها ونزع اختصاصها المتعلق بنظر منازعات التنفيذ المترتبة على أحكامها.
 
يعد فصل محاصرة المحكمة الدستورية العليا أحد فصول العداء الكامن من الجماعة الإرهابية تجاه القضاء فقد سبقها الإعلان الدستوري بتحصين قراراته ومنعها من الطعن أمام المحكمة، ومخالفة القانون بعودة مجلس الشعب المنحل بحكم قضائي وكذلك بعزل النائب العام عبد المجيد محمود، من منصبه بالمخالفة للقانون الذي حدد طريقة تعيين النائب العام، وتعيين نائب تابع لهم هو المستشار طلعت ابراهيم، وحاصر أعضاء الجماعة دار القضاء العالي في تظاهرة أطلق عليها "جمعة تطهير القضاء "، كما ناقش مجلس الشورى  مشروع  قانون جديد السلطة القضائية يستهدف خفض سن تقاعد القضاة من 70 عاما الى 60 عاما، المساواة المالية بين القضاء، وإلغاء ندب القضاة، وطريقة تعيين النائب العام الأمر الذى آثار الغضب داخل الأوساط القضائية وتوقع البعض حدوث مذبحة جديدة للقضاة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق