دينا مراجيح وحاجز اللغة

السبت، 04 يوليو 2020 02:25 م
دينا مراجيح وحاجز اللغة
هشام السروجي

 
 
ماذا لو سمعت أغنية تقول كلماتها «الدفشة اللي في شلك شقالة قلوب»؟ إما تضعها على ميزان قناعاتك الشخصية المرتبطة بالبيئة والثقافة التي نشأت فيها، وبالتالي سوف تعتبرها افساد للذوق العام، لو لم تفهم مفرداتها، وفي الغالب لن تفهمها، إما يعجبك اللحن فلا تهتم للمعني كغالبية من يسمعون المهرجانات، لكن لو كنت من فئة العاملين في صناعة الذهب والمجوهرات ستكون أغنيتك المفضلة، لأنك فهمت مفرداتها.
 
«الدفشة اللي في شالك» بـ"سين" الجواهرجية تعني "الي واقفة جنبك"، و«شقالة» تعني حرامية، الي واقفة جنبك حرامي قلوب، كلمات عادية في اغنية رومانسية، لكنها في حالتنا تخاطب فئة محددة.
 
تُعرف موسوعة "ويكبيديا" حاجز اللغة، بأنه تعبير مجازي يطلق على الصعوبات، التي تواجه الأشخاص الذين ليس لديهم لغة مشتركة عندما يحاولون التواصل مع بعضهم البعض.
 
والعكس هو سر انتشار دينا مراجيح ومجدي شطه وغيرهم من « البابليك فيجرز» مشاهير تطبيق "تيك توك" ونجوم المهرجانات الذين فرضوا وجودهم على الساحة، سواء بانتشار اغانيهم أو بحالات اثارة الجدل التي تلاحقهم في كل تصرفاتهم.
 
هؤلاء تحدثوا لغة من عاش في حوارينا بالمناطق الشعبية، القلعة والدرب الأحمر والسيدة زينب وغيرها، لغة لها خصوصيتها في المعنى والمضمون، نابعة عن تجربة معرفية، فكانت هي الأقرب لآذان سائقي التوك توك والميكروباص، وشريحة واسعة من الشعب المصري.
 
 عندما نصف المحبوبة في أغاني عمرو دياب وتامر حسني بالحبيبة والجميلة، ثم تأتي المهرجانات تصفها بـ«البطل والموزه» وهي اللغة التي يعتمدها شريحة واسعة من الشباب، بالتأكيد يكون الأقرب لهم هو من يتحدث لغتهم، وليس من يأتي بمفردات بعيدة عن ثقافتهم، فتكتسح "عود البطل ملفوف" غيرها من الأغاني الكلاسيكية التي تزامنت معها. 
 
في الكتاب الأكثر مبيعًا في العالم كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس للكاتب الأمريكي «ديل كارنيجي» يقول تحدث باللغة التي يتحدث بها الأخر، ويوصي علم النفس أن نتحدث نفس مفردات ولغة شخص نريد التقرب منه، لأنه أمر يذيب الحواجز النفسية في بدايات التعامل، ويشعر الأخر بالألفة والقرب، فيميل إلى من يحدثه.
 
اللقطة الذكية أيضًا أن هؤلاء الأشخاص خاطبوا شريحة واسعة بلغتهم الخاصة، لا أملك عدد رسمي، لكن عشرات الالاف يدخلون السجون سنويًا، في قضايا جنائية وأسرة وجنح وغيرها، يجدون أن للسجون لغة خاصة – سين- ومفردات لا يعرف معناها إلا من دخلوا السجون، لكنها أمتدت أيضًا إلى خارج السجون وبدأت تداول بين الناس كمواعظ في البداية، مثلها مثل الأمثال الشعبية، كتجربة معرفية خاصة، بعضها يتناول الظلم وغدر الأقرباء وطبيعة التعامل مع الأخرين في ظروف معينة، فنشأت مفردات عديدة 
أخصام.. الأعداء
نصله.. سلاح أبيض يستخدم في السجون
مصلب.. مكان مميز داخل عنابر السجون يستحوذ عليه الزعيم
أندبك.. من الانتداب بمعنى اطلبك للمبارزة او الصراع بيننا 
ومنها خرجت مفردات المهرجانات التي انتشرت انتشار النار في الهشيم، لاتساع القاعدة التي تستخدمها في تعاملاتها اليومية، ولم تعد تقتصر فقط على من قضوا عقوبة في السجن.
 
الذوق العام لم ينحدر بسبب دينا مراجيح أو مؤدين المهرجانات، بل تحدث بلغة ثقافة جديدة انتشرت في المجتمع، لها خصوصية في المفردات، ولكل زمان مفرداته، فحين غنت "نعيمة المصرية" هات الازازة واقعد لاعبني دي المزه طازة والحال عاجبني، كانت لغة شريحة أصحاب المزاج والسهر في زمانها، وعاشت حتى الأن.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق