المتحرش والملابس المثيرة!

الأحد، 12 يوليو 2020 10:00 ص
المتحرش والملابس المثيرة!
أيمن عبد التواب

 
دونما ترتيب أو إعداد مسبق، انشغلت كثير من وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي بقضية «التحرش الجنسي»، خاصة الوقائع التي بطلها أحد أبناء الكمبوندات ذائعة الصيت، والذي أُلقي القبض عليه، وتتولى النيابة العامة التحقيق معه.
 
عشرات وقائع التحرش لذات «المتهم» أبت أن تمر دون ترك بصمة الأسئلة الجدلية: مَنْ السبب؟ ومَنْ يتحمل المسؤولية؛ الجاني؛ الضحايا؛ الأهل؛ المجتمع؟ وكالعادة انقسم الناس إلى أقسام ثلاثة؛ متابعون وراصدون فقط.. ومتعاطفون مع المجني عليهم.. ثم متعاطفون مع الجاني! وهم- على الرغم من قلتهم- إلا أننا لا يمكن التعامي عنهم، لأنهم ينتصرون للجلاد، ويحملون الضحية المسؤولية، لأنها «مش متربية.. وراحت له بمزاجها.. وبتتكلم مع ولاد.. وبتلبس عريان..»!
 
هذه التبريرات السطحية الساذجة، واختلاق الأعذار السخيفة لـ«الجاني»، لتبرير جريمته القذرة، تذكرنا بما حدث في ميدان التحرير، في أعقاب ثورة 25 يناير، مع «ست البنات»، التي تُحرِّشَ بها، وجُرِّدت من ملابسها، إلا من ورقة التوت، وانتشر- بسببها- المقولة القذرة لأحد الإعلاميين المنتمين لما يسمى بتيار «الإسلام السياسي»: «إيه إللي وداها هناك وهي لابسة عباية بكباسين»؟! معتبرًا أن «العباءة» نوع من أنواع الملابس «المثيرة»، المسؤولة عن تحريك غرائز الشباب في الميدان، ودفعتهم للتحرش بها! 
 
والحقيقة أن هذه الجملة: «لابسة عباية بكباسين»، التي رددها «الإسلاميون»- آنذاك- كفيلة بالرد على «المرضى» الذين يتعاطفون مع الجاني، ويبررون جريمته، بأن الضحية كانت تلبس ملابس «مثيرة»! فأي إثارة في «العباءة السوداء» التي ترتديها معظم بناتنا ونسائنا، وخاصة في المناطق الشعبية؟ اللهم إلا إذا كان المتحرش مريضًا نفسيًا، أو غائبًا عن وعيه من تأثير المخدرات، أو أسيرًا لثقافة قذرة حصل عليها من روافد أكثر قذارة! 
 
ثم إذا كانت الملابس «اللامؤاخذة» المثيرة هي سببٌ للتحرش، ودافعٌ للاغتصاب، فأي إثارة في ملابس المنتقبات، والمحجبات اللائي لم يسلمن من التحرش بهن في أماكن العمل، وفي وسائل المواصلات، وفي الشوارع؟ وأي إثارة في الملابس، دفعت أربعينيًا تونسيًا لأن يغتصب ويعنف مواطنته العجوز ذات الـ«89 عامًا»؟ وأي إثارة في الملابس، وأي أنوثة شجعت سائق توكتوك وعاطلين لاغتصاب عجوز «ستينية» في كرداسة؟ وأي إثارة في ملابس فتاة «معاقة ذهنيًا» دفعت لاغتصابها، بل وقتلها؟
 
وإذا كانت الأنوثة «الطافحة» والملابس «المثيرة» و«العريانة» مبررًا للتحرش والاغتصاب.. فأي إثارة في ملابس، وأي أنوثة كانت تسكن في جسد طفلة تحمل «3 سنوات» لتدفع شابًا لاغتصابها؟ وماذا نقول عن الرضيعة «جنى»، التي لم تبلغ العامين، الشهيرة بـ«طفلة البامبرز»، والتي اغتصبها وقتلها شاب ثلاثيني وقت خطبة الجمعة؟
 
ثم إذا كانت الملابس المثيرة سببًا، فماذا عن «محفظ القرآن» الذي كان يتحرش بالأطفال وينتهك براءتهم داخل المسجد؟ وماذا عن الآخر الذي اغتصب طفلًا داخل «دورة مياه» المسجد، ولم خشي افتضاح أمره، قتل الطفل خنقًا؟ فهل كان الطفل «الذكر» يرتدي ملابس مثيرة؟ وهل كان فيه ما يشعل الشهوة، ويلهب الغريزة إلى الدرجة التي لا يستطيع صاحبها التحكم في نفسه؟
 
ربما علق مختصون التحرش والاغتصاب على شماعة غياب الجاني عن وعيه، ووقوعه تحت تأثير المخدرات.. وإذا كان ذلك صحيحًا، فماذا نقول عن «شيوخ» محسوبين على الدعوة الإسلامية ثبت اتهامهم بالتحرش وارتكاب أفعال فاضحة، ومنافية للآداب العامة، كالشيخين «على ونيس وأنور البكليمي» وغيرهما؟ وماذا نقول عن قساوسة ورجال دين تحرشوا واغتصبوا سيدات وأطفال داخل الكنسية؟ 
 
لا تقولوا إن التحرش «حوادث فردية»، لأن الحوادث الفردية تكررت بشكل مخيف، وإن لم تصل إلى الظاهرة بعد.. فكل كائن حي- إلا ما رحم ربي- أصبح عرضة للتحرش، سواءً تحرش بالنظر، أو بالكلام، أو بالفعل.. والمحاضر المدونة في أقسام الشرطة ضد المتحرشين لا تدل على الأعداد الحقيقية للضحايا، خاصة وأن أكثر من 90 بالمئة منهم يخشون إبلاغ الشرطة خوفًا من الفضيحة، وكأنهم هم الجناة لا المجني عليهم! 
 
لن أعدد لكم جرائم التحرش والاغتصاب، فيكفي أن تكتب كلمة «تحرش» أو «اغتصاب» على محرك البحث «جوجل»، لتعرفوا «المستنقع» الذي نعيش فيه، و«البكابورت» الذي طفح في وجوهنا، وأزكمت رائحته أنوفنا.. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال بعضنا يلتمس الأعذار، ويختلق التبريرات للمتحرش والمغتصب! والأقبح مَنْ يتعاطف مع الجاني، ويلقي باللائمة على الضحية، ويحملها المسؤولية!
 
اختصارًا.. المريض «الشاذ» المتحرش أو المغتصب لا ينتظر إثارة من الضحية، لا في حركات الجسد، ولا الملابس، ولا مساحيق التجميل.. فهو لديه استعداد للتحرش بأي شيء، واغتصاب أي شيء متحرك أو ساكن.. إنسان «حلاوته».. حيوان «ماشي».. طائر «وماله».. كائن حي «يا جماله».. ميِّت «ميضرش»!
نعم.. لا تتعجبوا.. فهناك مَن يعيش بيننا، وينتمي لعالمنا، ويحمل لقب «إنسان» وهو يتحرش بحيوانات ويغتصب أموات! وهناك مَنْ يرسل إلى دار الإفتاء مستفهمًا عن حكم «نكاح البهيمة»، و«نكاح الأموات»! والعجيب حقًا أن دار الإفتاء تأخذ السؤال على محمل الجد، وتفتيه، وتوضح له الحكم الشرعي! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
«أوت أوف كادر» 1
في مشهد من فيلم الأرض (1969)، يصفع محمد أفندي (حمدي أحمد) شقيقه دياب (على الشريف) على وجهه بقوة، قائلًا له باشمئزاز وقرف: «الجحشة دى للركوب بس»! مستنكرًا الفعلة «الشنعاء» التي أقدم عليها دياب مع «الجحشة»! 
 
فهل كانت- اللامؤاخذة- «الجحشة» ترتدي ملابس «مثيرة» تبرز «مفاتنها» وتحرك «غرائز» الشاب دياب؟!
 
«أوت أوف كادر» 2
في 1979، كثرت معاكسات ومضايقات النساء في مصر، إلى الدرجة التي تدخل فيها الرئيس أنور السادات، وأصدر في مارس من العام نفسه قانونًا يسمى «الشتائم ستكلفك»! ومما جاء في هذا القانون، أن مَن يسب أو يتلفظ بلفظ خارج تجاه أي أنثى في الشارع، إن كان موظفًا، يخصم من راتبه  يومان في المرة الأولي، و3 أيام في التانية، و4 في الثالثة، وهكذا، وتنتهي بالفصل من شغله!
نحن نجيد طبخ القوانين، لكن نكره تناولها!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة