آمنت بالمؤامرة

السبت، 01 أغسطس 2020 06:44 م
آمنت بالمؤامرة
هشام السروجي يكتب:

ملامح المؤامرة التي رفضناها أصبحت كشمس الحقيقة حينما تزامن الإرهاب في الشرق مع التحركات التركية في الغرب وبدء ملء سد النهضة الأثيوبي في الجنوب 

محاولة حصار الملك على رقعة الشطرنج لم توضح فقط حقيقة المؤامرة بل كشفت معادن عدد كبير من المعارضين الوطنيين
 
لا أخشى الاعتراف بأني صدقت نظرية المؤامرة وكذبت فرضيات أخرى، فمنذ اللحظات الأولى من ثورة 25 يناير 2011، كانت هناك أصوات مسئولة أتاحت لها مناصبها الاطلاع على مساحة معتبرة من المعلومات، تقول إن هناك قوى أجنبية تستغل هذا الزخم الثوري في تحقيق مخطط يستهدف تدمير مصر، لكن طريقة الترويج لهذه النظرية لم تكن بالشكل المناسب للحراك الثوري في الشارع المصري، لذا لم تجد من يصدقها إلا قليل.
 
آمنت بالثورة ولازلت، لكن هذا الإيمان تطرف في بعض الأحيان حتى أعماني عن تقدير الموقف وتقبل بعض الحقائق، خوفًا من أن يطعن في نسب الثورة التي رأيتها تولد على يد الشباب في الميادين.. كان المخاض دمويًا في شوارع وسط البلد حيث كنت أنا وثلة من الأصدقاء، فكيف أقبل أن يقال بأنها ابنة بالتبني، اختلط الأمر لدي بين قبول إنها ثورتنا لكن هناك من يستغلها، وبين اعتبارها منذ البداية مؤامرة دبرت بليل، ولعل هذا التخبط كان نتيجة غياب صوت العقل فيمن يخاطبوننا.. كان التطرف هو السائد بين الفرضيتين، وكنا نحن المؤمنين بها طحين الرحى.
 
كان من غير المعقول بالنسبة لقطاع كبير من الشعب، أن تُكشف خيوط المؤامرة في الأيام الأولى للثورة، لإن سرعة الحديث عنها جعلت قناعتنا تميل إلى كونها فزاعة وعصا تريد أن تتعامل معنا كأننا قطيع أغنام وتسوقنا إلى بيوتنا فتنتهي الثورة، وكان أول سؤال يتبادر إلينا، إن كنتم تعلمون بالمخطط فلما عجزتم عن التصدي له؟ 
 
 الوقت كشف لنا أن كرة الجليد عندما تتدحرج من تونس إلينا كان من الصعب التصدي لها، خاصة وأنها كانت بداية الانفجار الذي سبقه حالة احتقان عام في الشارع المصري، وكان ينتظر الشرارة الأولى ليثور.
 
على مدار 9 سنوات على طرح فرضية المؤامرة، كانت الغيوم تتبدد يوما تلو الآخر، حتى تجلت مؤخرًا حقيقتها ليس للشعب المصري فقط بل للعالم كله، نفس الأعداء الذين قيل إنهم متربصون بنا، ونفس المخطط الذي أذيع علينا مئات المرات، ونفس بنوده، كل شيء جاء كما حذرونا منه.
قيمة الحديث ترتكز في المقام الأول على منطقية وفكر من يتحدث وامتلاكه لأدوات الإقناع والمنطق، كان هذا الأمر أحد أهم أسباب رفض الغالبية لخطاب التعرض لمؤامرة.
 
من تبنوا هذا الطرح في الإعلام كانوا أبعد ما يكونوا عن صياغة منطق يحترم عقول الآخرين، لافتقادهم أدنى درجات الحضور والمهنية والتأثير، جلوس بعضهم على جميع الموائد، وانحياز البعض الآخر لمؤسسات بعينها دون مراعاة لشعور الرفض العارم الذي ساد حينها ضد هذه المؤسسات، بل أيضاً افتقارهم لقدرة التأثير على الرأي العام خلق لديهم حالة عنف شديدة، جعلهم يهاجمون الناس بدلًا من فتح باب نقاش منطقي يستطيعون من خلال التسويق لقناعة المؤامرة، ليجدوا الناس تنفض من حولهم.
 
الدور الإعلامي كان من الممكن أن يغير خريطة المواجهة لو استطاع طرح رؤية المؤامرة بشكل يتناسب والحالة الشعبية الثائرة، لو اختار توقيتاً صحيحاً، وقبل التوقيت كان المهم اختيار وجوه غير مصنفة وأصوات عاقلة، قادرة على تحشيد جزء من الرأي العام، واستقطاب كتلة محترمة من الثوار، لكن سيولة المعلومات التي تخرج على الشاشات كل لحظة، وتناولها بشكل هذيل أقرب للردح والتراشق، جعلها مبتذلة وهذيلة وغير قادرة على إقناع طفل بمحتواها، من ثم غاب تقدير الموقف السليم، لغياب المعلومة المنطقية وضعف الطرح الإعلامي عن إقناع الجمهور، فكانت النتيجة أن سبحت مؤسسات الدولة المعنية في بحر متلاطم الأمواج منفردة.
 
التكاتف الشعبي خلف القيادة السياسية ومؤسسات الدولة، يجعل منهما قوة لا يستهان بها، إذا استطاعت الدولة تبني خطاب عقلاني يطرحه مختصون، لكن ضعف الأدوات المستخدمة مقابل أدوات العدو فائقة القوة والحرفية حينها، حسمت المعركة لصالح العدو.
 
دارت دورة الأيام لنجد النظام التركي يحاول تطويق مصر في ليبيا، وينهب ثروات الغاز في البحر المتوسط، وفي أقصى الجنوب تهديد مباشر لأهم مقدرات الشعب المصري –نهر النيل- وأولوية أمنه القومي، وإرهاب في الجهة الشرقية، اتضح بعد العملية الأخيرة في مدينة بئر العبد بما لا يدع مجال للتنظير أنه مسيس يخدم نفس الأجندة المستهدفة تدمير الدولة المصرية.
 
حين تزامن الإرهاب في الشرق مع التحركات التركية في الغرب وبدء ملء سد النهضة الأثيوبي في الجنوب، ملامح المؤامرة التي رفضناها أصبحت كشمس الحقيقة.
 
قالوا إن الإخوان خونة لكنهم سيطروا على البرلمان والحكومة والسلطة التنفيذية –مشروع الأخونة- حتى وصلوا إلى سدة الحكم، واليوم لا تخفى خيانتهم على أحد، إعلامهم يمجد أردوغان وجنوده، بل ويطالبه بوقاحة أن يحتل مصر.. قالوا إن قطر تقود حلفاً معادياً للدولة المصرية وليس للنظام السياسي كما يدعون، واليوم لا مجال للنقاش عما ترتكبه الدوحة من جرائم ضد الشعب المصري ومؤسسات الدولة، من دعم وتمويل للإرهاب، وتسخير منابرها الإعلامية للهجوم على مصر، وتحركها السياسي والاقتصادي ضد كل مصالح مصر بدءا من التوغل في العمق الإفريقي ومحاولة إفشال كل التحركات السياسية المصرية في عمقها القارة السمراء، سواء في قضية سد النهضة أو محاولة استعادة مصر ريادتها لأفريقيا.
 
قالوا إن الهدف الجيش المصري واليوم تحاول قوى إقليمية تطويق الحدود المصرية عسكريا بخلق بؤر للجماعات الإرهابية في ليبيا بتواطؤ من المجتمع الغربي، بعد أن عقدت صفقات مع تركيا، على أن تقوم الأخيرة بنقل الميلشيات المسلحة من سوريا إلى ليبيا، بدلًا من تسهيل تسللهم إلى أوروبا، مقابل تحقيق مصالح سياسية للرئيس التركي، على أمل أن يستنزف الجيش المصري في معركة خارج حدوده، كما حدث من قبل مع الجيش الروسي، ثان أقوى جيوش العالم في أفغانستان.
 
محاولة حصار الملك على رقعة الشطرنج لم توضح فقط حقيقة المؤامرة، بل كشفت معادن عدد كبير من المعارضين، منهم عدد يعيش في الخارج، هؤلاء الذين يخوضون معارك رأي لتأييدهم حق الدفاع الشرعي عن الأمن القومي المصري، ورفض محاولات تهديده، أعلنوها صراحة دون حسابات ضيقة، أن من يؤيد جيوش أجنبية تهدد جيش بلده فهو خائن، تلاحقهم الاتهامات كل يوم دون أن تحرك شعرة فيهم، المواقف الصعبة هي الفاصلة بين الوطني من الخائن، ولعل هذه المواقف الفردية من هؤلاء الشباب، تكون بادرة ليعيد طرفي الخصومة السياسية حساباتهم في التعامل بينهما، وأن يعاد صياغة تعريف المعارضة بالنسبة لمن يمارسونها ومن تمارس عليهم، فها هي المواقف أثبتت أن هناك رقابة ذاتية لدى قطاع واسع من المعارضة على قدر عالي من الوعي بأن الحياد وقت الحرب خيانة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق