سر التفكك داخل الإخوان.. تقرير للمرصد المصري يكشف تفاصيل الخلاف ولماذا انقلب الشباب على القيادات؟

الأحد، 06 سبتمبر 2020 02:00 ص
سر التفكك داخل الإخوان.. تقرير للمرصد المصري يكشف تفاصيل الخلاف ولماذا انقلب الشباب على القيادات؟

خلال الفترة الماضية شهدت جماعة الإخوان خلافات حادة، التى وصلت إلى العديد من تفكيك إلى عدة كيانات خارجية وداخلية، تتصارع فيما بينها من أجل السيطرة على قرار التنظيم وموارده، أخر إرهاصات هذه الخلافات، رفض قطاعات واسعة من الجماعة، قرار تعيين القيادى إبراهيم منير، نائب المرشد العام، وأبرز قادة التنظيم الدولى، قائما بأعمال المرشد، عقب اعتقال القائم السابق بأعمال المرشد العام محمود عزت.

تقرير نشره المرصد المصرى التابع للمركز المصرى للدراسات والفكر، كشف فيه عن رفض قطاع كبير من شباب الإخوان لهذا القرار، ظهر بوضوح من خلال بيان نشره حساب مرتبط بالجماعة على موقع (تليجرام)، تحت عنوان (هذا ما جناه منير وحسين)، فى إشارة إلى القيادى أبراهيم منير، وأمين عام الجماعة محمود حسين، وقد حملهما البيان مسؤولية الانقسامات المتتالية التى شهدتها الجماعة، وقارن البيان بين أداء الجماعة فى فترة تولى محمد مهدى عاكف، منصب المرشد العام للجماعة، وبين أداء الجماعة فى الفترة الحالية، التى يتصدر فيها كل من منير وحسين المشهد التنظيمى للجماعة

 

وكشف التقرير أن مكتب الإرشاد فى الجماعة، سارع بإصدار بيان، لمحاولة تطويق الغضب المستشرى فى صفوف شباب الجماعة، خاصة أولئك المتواجدين حاليًا على الأراضى التركية، وطالب فيه بتوحيد الصفوف فى هذه المرحلة الدقيقة. غضب شباب الجماعة المتزايد من الشخصيات المتصدرة للمشهد فى الجماعة، والذين يعرفون بأنهم (الحرس القديم)، له جذور تتعدى مجرد الاختلاف الحالى فى الرؤى والتوجهات، فشباب الجماعة على قناعة أن كل من إبراهيم منير ومحمود حسين، بجانب القياديين محمود البحيرى ومحمود الإبيارى، يتحملون مسئولية أساسية فى انقسام الجماعة إلى عدة كيانات، تختلف فى ما بينها احيانًا إلى حد الصراع.

البداية الحقيقة لظهور التصدعات فى بدن الجماعة عقب ثورة 30 يونيو 2013، كانت على يد الأمين العام للجماعة محمود حسين، الذى دخل فى ديسمبر 2014، فى مواجهة ممتدة حتى اليوم مع شباب الجماعة، خاصة المتواجدين على الأراضى التركية، بسبب جملة من القرارات التى تم اتخاذها من جانبه، حيال التجمعات والجمعيات التابعة للإخوان فى تركيا، وعلى رأسها ما تسمى جمعية (رابعة)، التى أتخذ حسين حينها قرارًا بتجميد نشاطها، عقب انتخاب مجلس إدارة جديدة لها، غالبيته من شباب الإخوان. فى هذا التوقيت، انتشرت شائعات تفيد بإقالة حسين من منصبه، لكن تبين عدم صحتها.

34330-WhatsApp-Image-2020-09-05-at-7.19.05-PM

وتابع التقرير أن محمود حسين، الذى يعد من أهم حلفاء أنقرة فى قيادة جماعة الإخوان حاليًا، ويعتبر الممر الوحيد الذى من خلاله تمر الأموال التركية والقطرية فى أوصال الجماعة المنحلة، وذلك عبر شركات ومؤسسات خيرية موجودة فى تركيا ودول أخرى، كما أنه يتولى الإشراف على التمويلات التى يتم إرسالها لمنتسبى الجماعة فى مصر. عاد الجدل مرة اخرى حول دوره، بعد أن أدلى بتصريحات تلفزيونية فى ديسمبر 2015، نفى فيها ما صرح به المتحدث الإعلامى لجماعة الإخوان حينها محمد منتصر، حول إقالته من منصبه كأمين عام للجماعة. عقب تصريحات حسين بيومين فقط، صدر قرار من مكتب الجماعة فى العاصمة البريطانية، بإقالة المتحدث الإعلامى للجماعة، وهو القرار الذى فجر أزمة داخلية كبيرة مازالت مستمرة حتى اليوم، فقد تمردت للمرة الأولى، عدة مكاتب محلية تابعة للجماعة فى عدة محافظات مصرية، منها القاهرة والفيوم والإسكندرية، وأعلنت رفضها الصريح لهذا القرار.

لم يتوقف الانقسام عند هذا الحد، فقد فجرت هذه الأزمة، أزمة أكبر، تشكل بناء عليها، محورين أساسيين داخل الكيان القيادى للجماعة، ففى ظل رفض مكاتب الجماعة فى عدة محافظات لقرار إقالة المتحدث الإعلامى، ظهر تيار يسمى (ضمير الإخوان)، ويتكون من 22 قيادى بارز فى الجماعة، أعلن تأييده لكافة قرارات اللجنة الإدارية العليا، التى كان يرأسها حينها القيادى الراحل محمد كمال، وقد تراجع مكتب لندن عن قراره، وأعلن بدوره عن تأييده الكامل لهذه اللجنة.

تصريحات القيادى الراحل محمد كمال حينها، أظهرت حجم الصدع الذى أصاب بنية الجماعة، فقد أعتبر بشكل صريح، أن القرارات التى صدرت فى هذا التوقيت، ضد أعضاء منتخبين أو ممثلين للجانهم بجماعة الإخوان، هى محاولة لتصفية الحسابات السياسية.

ترأس محمد كمال، ما سمى (اللجنة الإدارية العليا)، منذ تأسيسها فى فبراير 2014، بهدف إدارة شئون الجماعة، عقب اعتقال معظم القيادات العليا. ومنذ توليه هذا المنصب، تصاعد الخلاف بينه وبين النائب الأول لمرشد الإخوان، القيادى محمود عزت، حول طريقة إدارة شئون الجماعة فى مرحلة ما بعد اعتقال القيادات، ووصل هذا الخلاف لذروته أواخر عام 2015، حين أصدر نائب المرشد، قرارًا بإقالة جميع أعضاء لجنة كمال، وتعيين آخرين.

35712-WhatsApp-Image-2020-09-05-at-7.19.06-PM

من نقاط الخلاف الأساسية، كانت رؤية القيادى الراحل محمد كمال، بشأن اللجوء إلى ما أسماه (العنف الثوري)، وهو التوجه الذى قام بتدشينه فعليًا اوائل عام 2015، عبر تشكيلات مسلحة عديدة، منها (حركة حسم) و(لواء الثورة) وغيرها. وقد أدت هذه الخلافات، إلى استقالة كمال من عضوية مكتب الإرشاد فى مايو 2016، ومن أية مناصب إدارية أخرى داخل الجماعة، وشرع فى تأسيس جناح إدارى خاص به ومنفصل عن الجماعة، تمت تسميته (المكتب العام). ظل هذا الوضع قائمًا، حتى قُتل كمال، خلال اشتباك مع الشرطة أثناء إحدى المداهمات فى أكتوبر 2016. شكلت وفاته المفاجأة، نقطة انطلاق جديدة فى مسار الصراع الداخلى فى جماعة الإخوان.

ظهر هذا جليًا، من خلال ردود الفعل التى تلت مقتل كمال، فى صفوف قياديى الجماعة ونشطائها، فعقب صلاة الجنازة التى أقامها الإخوان فى تركيا، وشهدت انقساما واضحًا بين المعسكر الموالى للراحل محمد كمال، والمعسكر الموالى لمحمود عزت، صدرت عدة بيانات من نشطاء بارزين فى الجماعة، تهاجم محمود عزت إبراهيم منير، منهم مؤسس شبكة (رصد) عمرو فراج، وعز الدين دويدار. كما تشكلت جبهة من شباب الإخوان، أتهمت صراحة المعسكر الموالى لمحمود عزت، بالتورط فى عملية التبليغ عن مكان تواجد القيادى الراحل محمد كمال.

فى مارس 2017، أعترف المرشد العام السابق للجماعة محمد بديع، ضمن رسالة قام بتوجيهها من السجن إلى أنصاره، بأن الجماعة باتت تعانى من انشقاقات أساسية، وأعلن عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات الداخلية، التى أجرتها الجبهة المؤيدة لعضو مجلس شورى الإخوان الراحل، محمد كمال، قبل ذلك، وتحديدًا فى فبراير 2016، دب الخلاف الأول فى الأوساط التنظيمية للجماعة، وذلك بعد إعلان أحدى الكيانات الإدارية للجماعة، المسمى (اللجنة الإدارية العليا)، عن إجراء تعديلات على اللائحة الداخلية الخاصة بجماعة الإخوان فى مصر، لتقديمها إلى ما يسمى (مجلس شورى الجماعة)، وذلك بإيعاز من الشيخ المقيم فى قطر يوسف القرضاوي.

هذه الخطوة أثارت غضب بقية كيانات الجماعة الإدارية، بما فيها مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة، والمرشد نفسه، نظرًا لعدم التنسيق معها فى تحديد وصياغة هذه التعديلات. يضاف إلى ذلك، بدء انقسام الدوائر الإعلامية الممثلة للجماعة، فأصبح لها متحدثين رسميين اثنين، وموقعين الكترونيين اثنين أيضًا.

الانقسام الطولى فى الجهاز القيادى للجماعة، تمثل فى بدء تشكل جبهتين رئيسيتين، الأولى هى جبهة القائم بأعمال مرشد الإخوان محمود عزت، ومعه كل من محمود حسين أمين عام الجماعة، وإبراهيم منير أمين التنظيم الدولى، وعدة قياديين فى مكتب الجماعة فى لندن، مثل محمود الأبيارى، بجانب عدة شخصيات من الرعيل الأقدم من قادة الجماعة، مثل محمود البحيري. الجبهة الثانية هى الجبهة المؤيدة لعضو مجلس شورى الجماعة الراحل محمد كمال. وقد عارضت الأولى التعديلات التى تم اقتراحها على لائحة الجماعة، فى حين أيدت الجبهة الثانية هذه التعديلات.

واستقطبت الجبهة المعارضة لجبهة (محمود حسين – محمود عزت – أبراهيم منير)، عدة أسماء بارزة من شباب الجماعة وقيادييها، منهم عصام تليمة، الذى عمل سابقًا كمدير لمكتب يوسف القرضاوي. كان لعصام عدة تصريحات لافتة خلال شهر مايو من نفس العام، أقر فيها بوصول حالة الانشقاق والخلاف داخل الجماعة إلى حد خطير، واصفًا قيادات الجماعة بأنها “قيادات فاشلة ليس لديها بدائل أو خطة ولا تحافظ على المسار، ولكنها تحافظ فقط على كراسيها داخل التنظيم”. كذلك شن عدد من أعضاء مجلس شورى الإخوان فى تركيا، هجومًا على الجبهة الثلاثية (حسين – عزت – منير)، مثل القيادى محمد العقيد.

بداية من عام 2018، بدأت قبضة الجبهة الثلاثية، فى الإحكام أكثر على العصب التنظيمى للجماعة المنحلة، وهذا ربما كان من أسباب تتالى التصريحات المستفزة، من جانب أمين عام الجماعة محمود حسين، ففى مارس من هذا العام، أدلى بتصريح صحفى، أكد فيه على عدم وجود أية خلافات داخلية فى جماعة الإخوان، وأن نسبة المعارضة لجبهته وللقائم بأعمال مرشد الإخوان محمود عزت، ضئيلة جدًا. وهذا أستفز عدد من القيادات الشابة فى الجماعة، مثل هيثم أبو خليل، وعصام تليمة، الذى كتب مقالًا هاجم فيه أمين عام الجماعة، واتهمه بالتسبب فى كافة الخلافات والانشقاقات التى عانت منها الجماعة، فى فترة ما بعد عام 2013.

أواخر هذا العام، كانت محمود حسين، بطلًا لأزمة أخرى، فجرتها تصريحات صحفية له، هاجم فيها القيادى الراحل محمد كمال، واللجنة الإدارية العليا التى كان يترأسها، واتهمه بأنه هو السبب الرئيسى فى موجة الانشقاقات التى حدثت فى الجماعة خلال السنوات الماضية. هذا الهجوم دفع أحد أتباع كمال، وهو القيادى فى الجماعة مجدى شلش، إلى كتابة مقال لاذع، هاجم فيه حسين بضراوة.

شهد عام 2019، حدثين مهمين، ساهما فى زيادة الرفض من جانب شباب الإخوان وبعض القيادات فى الجماعة، لنهج جبهة حسين وعزت ومنير، الحدث الأول كان تسلم السلطات المصرية، لأحد عناصر الإخوان فى تركيا، المدعو محمد عبد الحفيظ، وذلك فى شهر فبراير 2019، وهو الحدث الذى أثار غضب القطاعات الشبابية الإخوانية، ودفع بعضهم لبدء فتح ملف ظروف معيشة الإخوان وعائلاتهم فى تركيا، ومخاوف هؤلاء من التعرض لنفس مصير عبد الحفيظ، الذى اتهموا جبهة حسين وعزت ومنير صراحة، بتسليمه إلى السلطات المصرية، وعدم العمل بشكل جدى، على حمايته.

الحدث الثانى تم الكشف عنه فى يوليو 2019، وكان بمثابة زلزال ضرب قواعد الجماعة، وساهم بشكل أكبر فى زيادة نقمة بعض القطاعات الإخوانية، على الجبهة الثلاثية الممسكة بزمام الأمور فى الجماعة. فقد ظهر تسجيل صوتى، لأحد أعضاء مجلس شورى الجماعة، ويدعى أمير بسام، تحدث فيه بشكل صريح، عن وقائع فساد مالى ارتكبتها أكبر قيادات جماعة الإخوان فى تركيا، وتحديدًا كل من محمود عزت وإبراهيم منير ومحمد البحيرى، حيث قال بسام فى هذا التسجيل، أن محمود حسين أعترف بشراء شقق فى تركيا، من أموال التبرعات التى يحصلون عليها لصالح جماعة الإخوان، وأنه قام بتسجيل هذه الشقق باسمه، وكذا شراء سيارة خاصة بقيمة 100 ألف يورو.

على الرغم من نجاح قيادات الإخوان فى لملمة هذا الملف بشكل سريع، إلا أن الكشف عن هذه الفضيحة، أضر بشدة بصورة الجبهة الثلاثية الحاكمة بأمر الجماعة، وفتحت الباب واسعًا، لسلسلة طويلة من الانشقاقات، والتسجيلات المصورة، التى يشتكى فيها عناصر الإخوان فى تركيا، من شظف العيش وقسوة الظروف، فى حين تنعم قيادات الجماعة بالأموال والسكن، والجنسية التركية.

جاء اعتقال القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، محمود عزت، بمثابة صدمة كبيرة للجماعة، وجبهتها الحاكمة، فى هذا التوقيت بالذات، وذلك يعود للمواقف المتشددة والقاطعة، التى أصدرتها قطاعات شعبية عدة فى الجماعة، ترفض فيها تولى إبراهيم منير، نائب المرشد، لمهام المرشد العام للجماعة، وتصويب هذه القطاعات نيرانها على محمود حسين، بشكل أكثر تركيزًا مما سبق، ويمكن إجمال الأسباب القريبة لهذا الرفض من جانب هذه القطاعات للرجلين فى نقطتين أساسيتين:

1 - موقف إبراهيم منير من ملف الرئيس المعزول محمد مرسى، الذى عبر عنه فى مكالمة هاتفية، بينه وبين المقاول الهارب فى أسبانيا محمد على، وقال خلالها أن ملف مرسى (قد مات بموته)، وهذا أستدعى ردود فعل غاضبة من شباب الإخوان وبعض الوجوه البارزة فيها، مثل عمرو عبد الهادي. يضاف إلى ذلك، مواقف سابقة لمنير، حظيت بانتقادات كبيرة من جانب شباب الإخوان، مثل تصريحاته الصحفية حول المعتقلين من الإخوان، الذين رأى أن جماعة الإخوان (لم تطلب منهم الانضمام إليها، وليست مسئولة عن اعتقالهم)، وهذا أستدعى ردًا لاذعًا من القيادى بالجماعة عمرو دراج، الذى وصف هذه التصريحات بأنها “حمقاء”. كذلك أتهم شباب الإخوان منير، بأنه يتدخل فى من يحصل ومن لا يحصل على الجنسية التركية، وذلك بناء على مدى ولاء المتقدم لطلب الجنسية، إلى الجبهة الحاكمة حاليًا للجماعة.

2 - حقيقة أن محمود حسين، كان قاسمًا مشتركًا، فى كل الأزمات التى حدثت للجماعة منذ عام 2014، فبالإضافة إلى دوره فى حل مجلس شورى الجماعة فى تركيا، ومكتب إدارة الأزمة، وكذلك دوره فى حل اللجنة الإدارية العليا التى يرأسها القيادى الراحل محمد كمال، وملف الفساد المالى الذى كشف عنه القيادى أمير بسام، تتهم قطاعات شبابية إخوانية، محمود حسين، بالتضييق على شباب الإخوان المعارضين له فى تركيا، ورفض استقبال أعداد منهم، كانت توجد سابقا فى السودان.

3 - تفاقم الانقسامات الحالية داخل الجماعة، عبر عنه بشكل دقيق، القيادى بها عصام تليمة، الذى نشر فيديو مطول، يتحدث فيه عن (لجان إلكترونية)، تمولها القيادات التاريخية الحاكمة للجماعة، تستهدف كل صوت يعارض للجبهة الحاكمة الحالية، أو يحاول توجيه انتقادات إلى أبراهيم منير أو محمود حسين، أو أى قيادى موالى لهما. وأشار تليمة فى هذا الفيديو، إلى دور محمود حسين فى شق صف الجماعة، عن طريق حل الكيانات الإدارية الأخرى للإخوان فى تركيا، وعزل القيادى الراحل محمد كمال ولجنته.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق