يوسف أيوب يكتب عن مؤتمر مدبولى: السيطرة على سرطان البناء المخالف ضرورة حتمية قبل أن يهد جسد الدولة

الأربعاء، 09 سبتمبر 2020 04:43 م
يوسف أيوب يكتب عن مؤتمر مدبولى: السيطرة على سرطان البناء المخالف ضرورة حتمية قبل أن يهد جسد الدولة
الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء

فقدان 90 ألف فدان زراعى أكبر خطر يواجهنا.. وحل مشاكل التنفيذ دليل أن الهدف هو الحفاظ على ثرواتنا وأرواح المواطنين
 
الأرقام التي أعلن عنها الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، في مؤتمره الصحفى، الخاص بتوضيح عدداً من الحقائق الخاصة بقانون التصالح في مخالفات البناء، والتصدى لهذا السرطان الذى ينهش منذ سنوات في جسد الدولة، تستدعى التوقف أمامها كثيراً، لأنها كاشفة عن عدد من الحقائق التي كانت غائبة عن كثير منا، ومنها على سبيل المثال الرقم الخاص بحجم الاراضى الزراعية التي افتقدناها طيلة السنوات الماضية، وتحويلها إلى كتل خرسانية صماء، لم يقتصر أثرها السلبى على تشويه التخطيط العمرانى، بل تجاوز ذلك وامتد إلى ثروة مصر الزراعية.
 
رئيس الوزراء قال أننا فقدنا 90 ألف فدان من الأراضى الزراعية الملاصقة للمدن والقرى، والتي كانت من اجود الاراضى الزراعية، وتم تحويلها في غيبة ضمير ورقابة أيضاً إلى مبانى متلاصقة غير مخططة، وتفتقد لكل مقومات الحياة من توفير لخدمات البنية الأساسية وغيرها، حدث ذلك كله لإن أهالينا في الدلتا والصعيد، وحتى في القاهرة والجيزة، لم يكتفوا بالحيز العمرانى الذى اضطرت الدولة في 2008 لتوسيعه لاستيعاب الزيادة السكانية المضطردة، وتعدوا هذا الحيز، لإنشاء كتل سكانية مشوهه.
 
حدث ذلك رغم أن الدولة، كما قال مدبولى، توسعت فى الأحوزة العمرانية وتم إضافة 160 ألف فدان تم استقطاعهم من الرقعة الزراعية، لكن بطريقة مخططة، شملت القرى والمدن، من خلال استراتيجية لاستيعاب الزيادة السكانية، وفى نفس الوقت توفير ما تحتاجه الرقعة السكانية الجديدة من خدمات، سواء مياه أو كهرباء وصرف صحى وطرق وغيرها من الخدمات التي يحتاجها ساكنى هذه المناطق المضافة للحيز العمرانى للقرى والمدن، وكان التخطيط الذى تم وضعه في 2008، ان هذه الزيادة قادرة على استيعاب 24 مليون نسمة، من واقع دراسة دقيقة انتهت إلى أن كل فدان قادر على استيعاب 150 فرد، هذا بطبيعة الحال بخلاف المدن الجديدة التي أنشاتها الدولة وتواصل إنشاءها، والقادرة على استيعاب مثل هذا الرقم أيضاً، وهو ما يعنى أن الحيز العمرانى الجديد المعتمد في 2008، بالإضافة إلى المدن الجديدة، قادرة على استيعاب أكثر من 45 مليون مواطن، بما يشير إلى أنها قادرة على تحمل أي زيادة في سكان مصر حتى 2030.
 
كل هذا يؤكد أن هناك تخطيط سليم من جانب الدولة لاستيعاب أي زيادة، لكن الذى حدث أننا رأينا خروجاً على هذا التخطيط، من جانب أهالينا الذين استغلوا الأحداث التي مرت بها الدولة، سواء قبل 2011، أو بعدها، ورأينا تزايد في حجم الاعتداءات على الاراضى الزراعية، وزاد على ذلك، أن البناء المخالف في مجمله، جاء مخالفاً لكل المعايير والاشتراطات الهندسية، وهو ما أدى في حالات كثيرة إلى انهيار الكثير منها رغم عدم مرور أكثر من خمس سنوات على بعضها.
 
من ينظر لهذه الأرقام سيتأكد أن مصر تواجه وضعاً غريباً وشاذاً، كان يتطلب التدخل بحسم، لإن استمراره يعنى أننا نتجه إلى المجهول، فالتعديات والمخالفات مستمرة، حتى في ظل وجود قوانين رادعة، وإجراءات أكثر ردعاً، لكن للأسف الشديد، لم يلتفت أهالينا لكل هذه الاعتبارات، بل تمادى الكثير في السير على طريق المخالفة، رغم إدراكه أنه يشارك في جريمة سيعانى منها أبناءه وأحفاده في المستقبل، لغن استمرار البناء العشوائى، سيؤدى بنا في نهاية المطاف إلى حجم هائل من المشاكل والتحديات كما أنه يمثل ضغطاً كبيرا على الدولة والمواطنين أيضاً، لأنه أيا كانت الإمكانيات التي تملكها الدولة، فإنها بطبيعة الحال ستصل إلى مرحلة لن تكون معها قادرة على مجابهة كل هذه المخاطر حال استمرارها، لذلك كان من الضرورى ان تتدخل الدولة لحسم هذا الملف قبل أن يتحول إلى خطر يهددنا جميعاً.
 
بالتأكيد لدى بعض منا ملاحظات على قانون التصالح في مخالفات البناء، لكن هذه الملاحظات لا تنفى حقيقة مهمة، وهى أننا بحاجة لهذا التدخل الحاسم والحازم من جانب الدولة، أخذا في الاعتبار أن هذا التدخل تأخر لسنوات طويلة، لكن لا يجب أن يستمر التأخر، حتى نفاجئ بتأكل كل الرقعة الزراعية، ويستمر هذه المناظر العشوائية التي نراها كل يوم.
 
لذلك فإن خروج رئيس الوزراء في هذا التوقيت، لتوضيح الصورة كاملة أمام المواطن، كانت خطوة موفقة من جانب الدولة المصرية، التي اعتادت منذ 2014 على انتهاج سياسة المصارحة والمكاشفة مع المصريين، وفى نفس الوقت تصحيح الأخطاء إن وجدت، وهو ما أكد عليه مدبولى في مؤتمره امس، حينما أشار إلى تلقى المجلس عدد من ملاحظات المواطنين والمسئولين عن تنفيذ القانون على الأرض، وتم التعامل معها بشكل سريع، لإن المطلوب ليس تكبيل المواطن وزيادة اعباءه، وإنما تبسيط الإجراءات لتحقيق الصالح العام للجميع، وحتى تستطيع الدولة وضع حد لسرطان البناء المخالف والتعدى على الأراضى الزراعية، قبل أن يكبل الدولة بأكملها.
 
لذلك لم يكن مستغرباً ان نرى رئيس الوزراء وهو يصارح المصريين بمشاكل تنفيذ القانون على الأرض، ويعرض لما تم التوصل إليه من حلول لهذه المشاكل، منها النظر في تبسيط الإجراءات، والسماح بتقسيط قيمة التصالح، والتظلم منها، وتوجيه المحافظين بمراعاة البعد الاجتماعى ومراجعة التقديرات الأولية للجان التدقير وفق كل حالة، مع وضع المواطنين في صورة الهدف الذى تسعى ليها الدولة من جراء هذا القانون، فبجانب الحفاظ على الدولة وثروتها العقارية والزراعية، والحفاظ على أرواح المصريين، فهناك أمر أخر لا يقل أهمية، وهو أن يكون لدينا تقنين كامل لكل الثروة العقارية، لأنه لا يعقل أن يكون أكثر من نصف العقارات المصرية غير مقننة، لانها مخالفة، وبالتالي يتم حرمان الملاك من الاستفادة من مزايا العقارات المقننة، فحتى اليوم لا يستطيع مالك الا قليل، التعامل مع البنوك على سبيل المثال بضمان العقار المقيم فيه، كما نتابع يومياً المشاكل التي تظهر في حركة البيع والشراء، والناتجة عن عدم تسجيل غالبية عقاراتنا، وهو ما أتاح للسماسرة التلاعب بالباحثين عن شقة أو منزل للإقامة به.
 
بقيت حقيقة مهمة أكد عليها رئيس الوزراء، حينما أكد أن الأجهزة التنفيذية لن تهدم بيتاً مأهولا بالسكان وبمجرد استلام المواطن لنموذج 3 سيتم إيقاف وتجميد إجراءات الهدم، وهى اقوى رسالة لكل مثيرى الشائعات والفتن الذين حاولوا تأليب المصريين على القانون، بنشر شائعات عن توجه الدولة لهدم البيوت على ساكنيها.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق