يوسف أيوب يكتب: 4 أسباب جعلت حملة الحكومة على مخالفات البناء ضرورية

السبت، 12 سبتمبر 2020 05:50 م
يوسف أيوب يكتب: 4 أسباب جعلت حملة الحكومة على مخالفات البناء ضرورية
مخالفات البناء

2.8 مليون مبنى مخالف تقف شاهدة على الخلل الذى استشرى لسنوات
فقدان 90 ألف فدان وتحويلها إلى كتل خرسانية صماء
الأبرياء الذين يموتون سنويا تحت أنقاض العمارات المخالفة 
التصدي لأباطرة المقاولات وطيور الظلام والفاسدين  
 
الأسبوع الماضى قرأت تقرير قدمته الحكومة لمجلس النواب، عن عدد العقارات المخالفة فى مصر والذى وصل إلى 2.8 مليون مبنى مخالف على مستوى الجمهورية، حيث أشار التقرير إلى أن عدد الأدوار المخالفة 396 ألفًا و87 دورًا، وعدد الوحدات المخالفة يقترب من 20 مليون وحدة مخالفة على مستوى الجمهورية، وعلى مستوى محافظى القاهرة والجيزة، فقد سجل آخر حصر للمبانى المخالفة بالقاهرة أكثر من 80 ألف مبنى، وفقا لما أعلنته وزارة التنمية المحلية، وفى الجيزة 129 ألف مبنى مخالف، بالإضافة لوجود مخالفات لم يتم رصدها من الإدارات المحلية في الأحياء والمدن، وهى ما يتم التصالح عليها الآن، وفقا لقانون التصالح والذى يرفض مخالفات التعديات على خط التنظيم ومخالفات السلامة الانشائية والبناء في اراضى الدولة .
 
الأرقام الواردة في التقرير تكشف لنا خطورة ما تعانيه مصر منذ سنوات طويلة، من أزمة كبيرة أسمها "المباني المخالفة"، والتي باتت تؤرق كل أجهزة الدولة وكذلك المواطنين، لما لها من تأثيرات سلبية، أقلها من وجهة نظرى عدم قدرة البنية التحتية على تلبية احتياجات هذه المباني التي تمت بشكل مخالف، وبما يضغط على البنية التحتية، وأكثرها إيلاماً لنا جميعاً، أن هذه المباني لم تراعى التصميمات الهندسية، ويكون مصير غالبيتها الانهيار، وفقدان الاف من أرواح الأبرياء.
 
ومن واقع المتابعة العملية سنجد أن مخالفات البناء تتنوع، فمنها، مخالفة البناء بدون ترخيص، ومخالفة تغيير الاستخدام مثل التغيير من سكنى لتجارى أو من سكنى لإدارى، ومخالفة عدم المطابقة للاشتراطات التخطيطية والبنائية السارية، ومخالفة الرسومات المعمارية والإنشائية للترخيص الصادر، وتعلية أدوار مخالفة بعقار مرخص بالمخالفة لرخصة البناء، البناء على أملاك الدولة، وكلها حالات من الخطر أن نتركها كما هي، لأن استمرارها سيؤدى إلى مجموعة من المخاطر التي تهددنا جميعاً، لذلك لم يكن مطلوباً أن تستمر الأوضاع على شكلها السابق، بل يجب أن تتدخل الدولة، وهو التدخل الذى طالبنا به جميعاً، بل أن غالبية المصريين لاموا الحكومات المصرية المتعاقبة لأنها تقاعست وتأخرت عن مواجهة  مخالفات البناء، والعدوان على الأراضي الزراعية وتحويلها إلى كتل خرسانية تؤثر على حصة مصر الزراعية، وأخيراً وجدنا الدولة تسمع لكل النداءات، وتستجيب لمطالبنا بالتصدى لهذا السرطان والفيروس الذى يهدد حياة الملايين منا، وأصدرت قانون التصالح الجديد الذى ينتهى صلاحيته نهاية الشهر الجارى، وهو القانون وفر فرصة ذهبية للمخالفين لتعديل وضعهم القانوني لعدم هدم المبنى المخالف، حيث يشمل التصالح على بعض مخالفات البناء التى تدخل فى قانون التصالح، كل الأبنية السكنية أو غيرها، التى تم إنشاءها بدون تراخيص أو تم مخالفة تراخيص بنائها، كذلك إنشاء محال بدون رخصة، أو تحويل النشاط السكنى إلى نشاط تجارى أو إدارى أو صناعى أو خدمى، بدون تراخيص، ويشترط فى كل ذلك سلامة المنشأة وفقا لتقارير الاستشارى والأوراق التى يتم تقديمها للمحافظة. 
 
لكن للأسف الشديد وجدنا من يعترض على تطبيق القانون رقم 17 لسنة 2019 بشأن التصالح فى بعض مخالفات البناء وتقنين الأوضاع والمعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2020، والحقيقة التى تابعتها أنه لم يعترض على القانون إلا ووراءه هدف أو مصلحة شخصية، لأنه في المجمل لا يمكن أن نجد داعما للقبح وللعشوائيات إلا كل كاره للنظام، أو من لديه مصلحة ورغبة في استمرار العشوائية، لإن من يعترض على ما تقوم به الدولة حالياً من ضبط لمنظومة البناء، هو نفسه من سبق وطالب الدولة بالتدخل لمواجهة الخلل والعشوائية التى سيطرت على حياتنا، فكم كنا نشكو من مخالفات البناء، والتعدى على الأراضى الزراعية، وتحولها إلى كتل خراسانية؟ حيث أشارت أخر التقارير الحكومية إلى فقدان 90 ألف فدان من أجود الاراضى الزراعية، بعدما تحولت إلى كتل خرسانية صماء.. وكم اشتكينا من تراخى الدولة في مواجهة هذه الخروج على القانون؟.. وكم مرة تسألنا عن اليوم الذى تضع الدولة يدها على هذه المشكلة، وتقف بالمرصاد للمخالفين؟.. كنا جميعاً نطالب الدولة بالتدخل، لكنها حينما قررت التدخل وبحسم، وجدنا من يعود ويقول "لماذا الآن؟"، وكأن القبح والعشوائيات من المفترض ان يظل معنا لسنوات أخرى!.
 
قد يقول البعض أن الاعتراض ليس على التنفيذ وإنما بعض الإجراءات، أو عدم فهم البعض لبنود القانون، وهو قول حق يراد به باطل أيضاً، لإن القانون واضح ويفسر نفسه، كما ان الحكومة ربما من المرات القليلة التي خرجت عبر كل وزراءها المختصين وكذلك المحافظين لشرح كل تفصيله بالقانون، بل وافقت الحكومة على مد مهلة التصالح مرة وأثنين، لأنها في النهاية وهى تهدف إلى القضاء على عشوائيات ومخالفات البناء، فإنها أيضاً تراعى أوضاع المصريين، لكن هذه المراعاة لا يجب أن تكون على حساب النظام العام، أخذا في الاعتبار نقطة في غاية الأهمية، وهى أن غالبية المنتفعين بالعقارات والمبانى المخالفة يعلمون من البداية أنهم يتعاملون مع عقار أو بناء مخالف، وبالتالي فهو لم يفاجأ بما تقوم به الحكومة حالياً، لكنه يريد أن يوهمنا أنه متفاجئا!.
 
جزء مهم فى الجهد الذى تقوم به الحكومة في قضية مخالفات البناء، وهى أن المحرك الرئيسى هو الحفاظ على أرواح ملايين المصريين، فكم من عمارة سقطت على المقيمين بها، لبنائها بشكل مخالف سواء بزيادة عدد الأدوار عن المسموح به، أو عدم اتباع المعايير الهندسية في البناء، فتكون النتيجة سقوط العقار الذى لم يمر على بنائه أكثر من عامين أو ثلاثة، لذلك جاء القانون ليضع حداً لهذا النوع من التعدى، لإن تقديم طلب التصالح يتبعه تشكيل لجنة هندسية لمعاينة العقار والتأكد من سلامته إنشائيا، قبل التصالح عليه، وهو ما يؤكد أن الدولة حريصة فى المقام الأول على حماية المواطن، والحفاظ عليه، هذا بالإضافة إلى أن قانون التصالح يجعل للعقار المخالف قيمة مضافة، ويمكن صاحب العقار أو المستفيد من التعامل بشكل قانونى على الوحدة أو العقار، فيستطيع الحصول على قرض تمويل عقارى عليه، كما أنه يستطيع تسجيله رسميا فى الشهر العقارى، وهو ما يؤكد أن القانون يساهم فى حل إشكالية التسجيل العقارى الذى كانت تعانى منه الحكومة على فترات متباعدة، فهناك نحو 85 % من العقارات فى مصر غير مسجلة، وهو ما يصعب تقديرها وتثمينها بشكل رسمى، فالثروة العقارية داخل مصر تتخطى الـ6 تريليونات جنيه.
 
الشاهد الآن، أن تطبيق القانون الخاص بمخالفات البناء والتصالح، أساسه هو الحفاظ على أرواح المصريين، وأيضاً القضاء على العشوائيات والمناظر القبيحة التي حولت مصر إلى كتل خرسانية لا رابط بينها، وهو بالتأكيد تحرك أغضب "طيور الظلام" المستفيدين من استمرار هذه المخالفات، لذلك نراهم يتصدون للحكومة في إجراءاتها وحملتها على المباني المخالفة، فـ"طيور الظلام" لا يهمهم حياة المصريين بقدر اهتمامهم بزيادة ثرواتهم.
 
وخير شاهد على سلوك "طيور الظلام" هي قضية رجل الأعمال صلاح دياب، الذى يخضع للتحقيقات حالياً في جرائم التعدى على أراضى الدولة ورفض دفع مستحقات للدولة تتجاوز الـ11 مليار جنية، فقد كشف البلاغ الذى تلقته مباحث الأموال العامة بالإدارة العامة لمباحث القاهرة من حسن مندور عبد العزيز مندور، مدير إنتاج سابق بشركة قناة السويس للمنتجات الخشبية " كوين"،  متهما صلاح الدين دياب، أنه فى غضون عام 2013 ، قام بشراء مصنع كوين للمنتجات الخشبية، والمملوك آنذاك لشركة قناة السويس للمنتجات الخشبية التابعة لبنك قناة السويس، وذلك بالتواطؤ مع مسئولي البنك بمبلغ 12 مليون وثمانمائة ألف جنيه، فى حين أن المصنع يبلغ سعره آنذاك أكثر من 70 مليون جنيه، وأن صلاح دياب استولى على أرض مخصصة ملحقات مسجد بذات المكان بالمنطقة الصناعية بالبساتين، وقام ببناء مبنى على تلك الأرض بالمخالفة للقانون، سيكتشف كيف تتحرك طيور الظلام لتشويه أ إجراء تقوم به الدولة لحماية المواطنيين، فالبلاغ الذى تم تأكيده من خلال التحريات الأمنية، تضمن ارتكاب صلاح دياب عدة مخالفات، أبرزها تواطؤه كمالك لشركة لابوار مع المسئولين عن شركة قناة السويس للأثاث شركة مساهمة مصرية و التابعه لبنك قناة السويس بنك حكومي في شراء مصنع كوين للأثاث بأقل من قيمته الشرائية مما يعد إهدار للمال العام، فضلاً عن الاستيلاء على قطعة أرض مخصصة لمسجد بعد شرائها من شركة قناة السويس بعقد إبتدائي رغم عدم بيع مالكها الأصلي لها، والتعدي على مسجد باستقطاع جزء من المسطح الأرضي المخصص له بمساحه 500 متر وبناء مبنى كامل التشطيب عليه، وهو ما يؤكد الحقيقة التي حاول الكثيرون التستر عليها، وهى أن هناك من يعمل على تشوية جهود الدولة، للتغطية على فساد الكبار.
 
وبالنظر مرة أخرى لقضية صلاح دياب، فإن أكثر من لفت انتباهى هو استيلائه على أراضى مخصصة لبناء ملحقات لمسجد فى المنطقة الصناعية بالبساتين، واستخدمها لبناء مبانى مخالفة للقانون، فللأسف الشديد رأينا كيف استولى صلاح دياب على أراضى مخصصة لبناء مسجد وملحقاته وبنى عليها مبانى مخالفة، فى حين أن الدولة تقوم كل يوم ببناء مساجد ودور عبادة، وفى نفس الوقت نجد من يهاجم الحكومة ويقف مع رجل أعمال اغتصب أراضى الدولة!
 
كل ذلك يؤكد لنا كيف تدار حملة الأكاذيب والشائعات ضد الدولة المصرية وكل تحركاتها لحماية أرواح المواطنين، أيضاً لحماية الرقعة الزراعية، فكل من دافع عن رجل أعمال مغتصب لأراضى الدولة، هم انفسهم المستفيدين من تعطيل الحملة التي تشها الدولة عن حق ضد كل المشاركين في الجريمة التي لن تتقادم بمرور التاريخ، وهى جريمة البناء المخالف والتعدى على الأراضى الزراعية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق