العرب يودعون أمير الإنسانية.. الأمير الراحل صباح الأحمد أفشل محاولات الإخوان للوقيعة بين مصر والكويت

السبت، 03 أكتوبر 2020 09:00 م
العرب يودعون أمير الإنسانية.. الأمير الراحل صباح الأحمد أفشل محاولات الإخوان للوقيعة بين مصر والكويت
الشيخ صباح الأحمد
محمود على

نقلا عن العدد الورقي

الشيخ صباح الأحمد صاحب مواقف مشرفة ورؤية حكيمة وأكبر داعم لإرادة المصريين 

الانتقال السلس للسلطة إلى الشيخ نواف الأحمد يؤكد دعائم الدولة المستقرة التي أرساها الأمير الراحل

الأمير الراحل أفشل محاولات الإخوان للوقيعة بين مصر والكويت.. وساهم في رفع راية بلاده عالية بالأمم المتحدة بعد سنوات من المفاوضات
 
اتشح العالم العربي الأسبوع الماضي بالسواد حزناً على رحيل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الملقب بأمير الإنسانية؛ بعد 66 عاماً من العطاء السياسي والدبلوماسي قضاها في خدمة بلاده ودفاعا عن قضايا أمته ودعم جهود السلام حول العالم.
 
مسيرة الشيخ صباح الأحمد مسجلة بأحرف من نور، حيث ظلت طيلة 6 عقود ماضية حافلة بالعطاء وزاخرة بالإنجازات، شهدت محطات كثيرة منذ توليه أول مسؤولية "عمل عام" في 1954 وهو فى سن الـ 25 عاما، ثم توليه منصب أول وزير للإعلام بالكويت، مرورا بتوليه منصب وزير الخارجية، وصولا إلى أن أصبح رئيساً للوزراء خلال الفترة من 2003 إلى 2006، ثم أميرًا للكويت منذ عام 2006.
 
وخلال هذه الفترة، الذي تولى فيها العديد من المناصب والمهام والمسؤوليات، ظل الشيخ صباح الأحمد متفانيا في خدمة وطنه وأمته بشكل عام، محققة الكويت الكثير من القفزات التنموية والاقتصادية بالكثير من المجالات.
 
وما المبادرات والمشاريع الإنسانية التي قادها أمير الكويت في مختلف القضايا حول دول العالم، إلا امتداد لهذا الإرث حيث أسهمت وساطاته في حل العديد من أزمات المنطقة، ومنحت الأمم المتحدة الشيخ صباح الأحمد لقب "قائدًا للعمل الإنساني" ليكون تتويجا لمبادراته الإنسانية التي كانت لها أصداء عالمية في مختلف دول العالم، وخصوصا داخل الدول النامية والفقيرة في محاولات دائمة منه لضمان توفير الغذاء والمسكن والتعليم المناسب لهم.
 
ويعد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الحاكم الـ15 لدولة الكويت الأبن الرابع للشيخ أحمد الجابر الصباح الحاكم العاشر للكويت، ولد في 16 يونيو عام 1929، ومن ثم دخل "المدرسة المباركية" وأوفد إلى بعض الدول الأجنبية للدراسة واكتساب الخبرات والمهارات السياسية، وهو ما ساعده في ممارسة العمل بالشأن السياسي، كما كان يرافق الشيخ صباح الأحمد والده كثيرا في رحلاته الخارجية.

مواقف مشرفة مع مصر 
كان أمير دولة الكويت الراحل، الشيخ صباح الأحمد الصباح، من أوائل الداعمين للإرادة الشعبية في مصر، ولجيشها العظيم، فمع اندلاع ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية، فلم تمر أيام قليلة على هذا الحدث التاريخي والذي واجهت فيه مصر تشويه خارجي ومعركة تكسير عظام مع الدول الكبرى لإقناع العالم بحقيقة الأوضاع في البلاد، إلا وعبر عن موقفه الداعم للثورة المصرية عبر عرض الكويت تقديم مساعدات مالية تقدر بـ 6 مليارات دولار، كوديعة في البنك، بالإضافة إلى مساعدات نفطية من أجل أن تتخطى مصر هذه المحنة التي وضعتها فيها جماعة الإخوان الإرهابية خلال حكمها البلاد في عام 2013.
 
تقدير أمير الكويت الراحل لإرادة الشعب المصري في ثورة 30 يونيو، جاء واضحا في لقاءات أمير الكويت الراحل مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، فدائما ما كان يثني على الموقف التاريخي العظيم الذى قام به الجيش المصري من أجل حفظ أمن مصر والمنطقة العربية.
 
ورغم المحاولات الإخوانية للوقيعة بين الشعب المصري وشقيقه الكويتي، لكن أمير الكويت الراحل كان لها بالمرصاد، عندما وجه حكومته ومجلس الأمة بقطع الطريق أمام محاولات الجماعة الإرهابية بث الفتنة بين الشعبين الشقيقين.
 
ولم ينس الشعب المصري توجيهات الشيخ صباح الأحمد لحكومته في إحدى البيانات التاريخية، بإفشال جميع المخططات الدنيئة التي كانت جماعة الإخوان رأسا شيطانيا فيها، والتأكيد على أن مصر والكويت، تربطهما علاقات أخوية لا يمكن النيل منها، وهو ما حدث بالفعل، حين اتخذت الخارجية الكويتية من توجيهات الأمير الراحل طريقاً، نجحت من خلاله في وأد القتنة الإخوانية، التي سعت من خلالها الجماعة لتشويه الدولة الكويتية والترويج بأن المصريين لا يلقون معاملة طيبة في الكويت، وأنهم يتعرضون لمضايقات واعتداءات متكررة.

مسيرة سياسية زاخرة 
بدأ عمله السياسي في 19 يوليو عام 1954، حيث تم تعيينه عضوًا في اللجنة التنفيذية العليا، التي عهد إليها بمهمة تنظيم مصالح ودوائر الحكومة الرئيسية ووضع خطط عملها ومتابعة تنفيذ تلك الخطط، ثم تولى بعدها بعام منصب رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل.
 
وأولى الشيخ صباح اهتمامًا بالفنون وعلى رأسها المسرح، متوليا تنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، لينشأ على إثر ذلك أول مركز لرعاية الفنون الشعبية بالكويت عام 1956، ثم في 1957 أضيفت إلى مهامه رئاسة دائرة المطبوعات والنشر، إذ عمل على إصدار الجريدة الرسمية للكويت "الكويت اليوم"، وتم إنشاء مطبعة الحكومة لتلبية احتياجاتها من المطبوعات ووقتها تم إصدار مجلة "العربي".
 
اختير ليكون عضوًا في المجلس التأسيسي الذى عهدت إليه مهمة وضع دستور البلاد فب أعقاب استقلال دولة الكويت عام 1961، ثم عين في وزيرا للإرشاد والأنباء في أول تشكيل وزاري عام 1962، وهي الوزارة التي تحول اسمها بعد ذلك لوزارة الإعلام، ليكون أول وزير لها في تاريخ الكويت.
 
وبدأت مسيرته السياسية التي انطلق من خلالها ليكون من أهم الدبلوماسيين المرموقين في تاريخ الكويت، عندما عين الشيخ صباح الأحمد وزيرا للخارجية في 28 يناير 1963 وبعد إجراء أول انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء مجلس الأمة.
 
وانطلق من هذا التعيين في مسيرته مع العمل الخارجي والدبلوماسي، التي برع فيها ليكتب أسمه بأحرف من ذهب مُلقبا بمهندس السياسة الخارجية الكويتية، وعميد الدبلوماسيين في العالم، حيث استمر في هذا المنصب 40 عاما.
 
خلال فترة توليه وزارة الخارجية، رفع الشيخ صباح الأحمد الجابر علم الكويت عاليا فوق مبنى الأمم المتحدة، بعد جهدا كبيرا بذله من أجل قبولها لتكون عضوا في الأمم المتحدة في عام 1963، كما أجرى جولات عديدة ولقاءات كثيرة من أجل تنمية علاقات الكويت الخارجية مع مختلف دول العالم، وهو ما نتج عنها استقرارا في سياسات بلاده الخارجية.
 
لكن ثمار هذه التحركات الخارجية لأمير الكويت الراحل إبان فترة قيادته لوزارة الخارجية، باتت واضحة، وتحديدا عام 1990، عندما وقف العالم مناصرا للقضية الكويتية خلال بعدما غزت العراق بلاده، وهو ما نتج عنه إصدار مجلس الأمن قرار رقم 678، الذى أجاز استخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية لتحرير الكويت.
 
وبسبب خبراته وتحمله المسؤولية ونجاحه في الكثير من المهام التي وكلت له، فقد أوكلت له العديد من المناصب بجانب منصب وزير الخارجية، ففي الفترة من 2 فبراير 1971 وحتى 3 فبراير 1975 عين وزيرًا للإعلام بالوكالة، وفي 16 فبراير 1978 عين نائبًا لرئيس مجلس الوزراء الكويتي، كما تسلم حقيبة الإعلام بالوكالة في 4 مارس 1981 حتى 9 فبراير 1982، كما اختير ليكون نائبًا لرئيس مجلس الوزراء حتى 18 أكتوبر الأول 1992، فيما أسندت إليه مهمة تشكيل الحكومة الكويتية بالنيابة عن ولى العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك الأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح بسبب ظروفه الصحية، وذلك يوم 14 فبراير 2001.
 
وصدر مرسوم أميري في 13 يوليو 2003، بتعيينه رئيسًا لمجلس الوزراء، مسجلا نجاحًا جديدًا في الداخل الكويتي، على غرار ما فعله في قيادته للسياسة الخارجية خلال 40 عامًا، مستمرا في تحقيق الإنجازات كرئيساً للحكومة حتى يناير عام 2006، وهو الموعد الذي قرر فيه مجلس الوزراء الكويتي بالإجماع بتزكية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أميرًا للبلاد، وفقا للمادة 3 من قانون توارث الإمارة الصادر عام 1964، مؤديا اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، كأول أمير كويتي منذ عام 1965.

أمير الإنسانية والسلام
نفذت الكويت في مختلف دول العالم مبادرات ومشاريع إنسانية وتنموية لا سيما في الدول النامية والفقيرة وكان للشيخ صباح الأحمد الصباح دورا كبيرا فيها، فبخلاف أنه يعد ضمن أحد أبرز الشخصيات السياسية المؤثرة في العالم، كان له مكانة مرموقة ورؤية سياسية عميقة وحنكة، تجعله يلقب بـ"رجل المصالحة" ورجل المبادرات الأول، فلم يفوت الشيخ الراحل فرصة خلال لقاءاته بالقادة العرب إلا وكانت قضايا الأمة العربية، والمناطق التي تشهد صراعات واشتباكات يومية حاضرة في تلك الاجتماعات متشاوراً مع كل القادة، للوصول إلى حل سريع لهذه القضايا.
 
وسجل الأمير الكويتي الراحل بهذه الرؤية الحكيمة في التعامل مع القضايا العربية، أسمه باقتدار من بين الأسماء البارزة المساهمة في تحقيق السلام والاستقرار في العالم من خلال جهوده السياسية التي وأعماله الإنسانية التي أفادت الكثير من الدول والشعوب المنكوبة.
 
في عهده عرفت الكويت بأنها قبلة القرارات العربية الحاسمة، فبفضل دعمه للقضايا العربية، قولاً وفعلاً، ومساهماته التاريخية في الوطن العربي، نظر للكويت على أنها "عاصمة المصالحات والمبادرات العربية".
 
وعلى خلفية دوره السياسي والدبلوماسي في تاريخ الكويت الحديث والمعاصر على مدار أكثر من 6 عقود، أطلق عليه الكثير من الألقاب، فلقب بـ"القائد الحكيم"، "حامي الدستور"، "مخطط المستقبل"، وعلى المستويين العربي والدولى لقب بـ "أمير الإنسانية" و"رجل السلام" و"رجل المصالحة".

انتقال سلس للسلطة
وجاء انتقال السلطة إلى الشيخ نواف الأحمد ليكون أمير الكويت، ليؤكد دعائم الدولة المستقرة التي ارساها الأمير الراحل، فبعد الإعلان عن وفاة الشيخ صباح الأحمد، عقد مجلس الوزراء الكويتى اجتماعاً عاجلاً الثلاثاء الماضى، انتهى إلى مناداة الشيخ نواف اميراً للكويت، وفى اليوم التالى أدى الأمير الجديد اليمين الدستورية أمام مجلس الامة الكويتى، وقال في كلمته إن "البلاد تعرضت خلال تاريخها الطويل إلى تحديات جادة ومحن قاسية، ونجحنا بتجاوزها متعاونين متكاتفين وعبرنا بسفينة الكويت إلى بر الأمان.، مشيرا إلى أن الوطن يواجه ظروفًا دقيقة وتحديات خطيرة لا سبيل لتجاوزها والنجاة من عواقبها إلا بوحدة الصف وتضافر الجهود".
 
وأكد الأمير نواف اعتزاز الكويتيين بالدستور والنهج الديمقراطي مضيفا: "نفتخر بكويتنا دولة القانون والمؤسسات وحرصنا على تجسيد روح الأسرة الواحدة التي عرف بها مجتمعنا الكويتي والتزامنا بثوابتنا المبدئية الراسخة"، متعهداً ببذل الجهود للحفاظ على رفعة الكويت وعزتها وحماية أمنها واستقرارها وضمانة كرامة ورفاه شعبها، بدعم ومساندة أهل الكويت.
 
وقال الشيخ نواف الأحمد، إن الراحل الأمير صباح الأحمد، رمزا شامخا من رموزنا الخالدين قدم الكثير لوطنه وشعبه وأمته ، وترك إرثا غنيا زاخرا بالإنجازات والأعمال المشهودة محليا وعربيا وإسلاميا ودوليا، ونستذكر بكل الاعتزاز والاهتمام توجيهاته السديدة ونصائحه الأبوية التي تعكس عشقه لكويتنا الغالية وأهل الكويت الكرام والتي ستظل نبراسا هاديا لنا ونهجا ثابتا.
 
ويتمتع الشيخ نواف الأحمد، الذى أصبح الأمير الـ16 للكويت، بمسيرة حافلة بالعطاء، تدرج فيها سلم المسئولية، شاغلاً خلالها العديد من المناصب المهمة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق