لو أنهم عملوا لكان خيرًا لهم ولنا

الأحد، 25 أكتوبر 2020 10:00 ص
لو أنهم عملوا لكان خيرًا لهم ولنا
حمدي عبد الرحيم يكتب

 
لا يتصور عقل وجود تجمع بشري بدون حاكم، ولم يسجل التاريخ مثل هذه الظاهرة، فكل تجمع يلزمه كبير مسموع الكلمة يأمر بالصالح وينهي عن السوء ويحافظ على مصالح شعبه ويرعاها، ولان الإسلام قد ختم رسالات الله وجاء في وقت نضوج العقل البشري والعلاقات الإنسانية، فقد سجل اهتمامًا خاصًا بالحاكم، وألزمه بما لم يلزم به المواطن وفرض له من الحقوق ما لم يفرضه للرعية، وظل الأمر هكذا حتى تجرأ البعض على مكانة ومقام الحاكم فأراد أن يحل محله ويسطو على صلاحياته.
 
مِن هؤلاء ذلك الشاب الذين يقولون إنه من أصل شيشاني الذي قتل مدرسًا فرنسيًا في عرض الطريق لأن المدرس عرض على تلاميذه رسمًا مسيئًا لرسولنا الكريم.
 
هنا تاهت القضية الأصلية وهي هل من حق الشاب المسلم وتحت أي زعم أن يقتل مخالفًا له في الرأي والعقيدة؟
 
بعض الأبواق أغرقتنا في طوفان من الفتاوى التي تؤيد قتل الذي يسب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
 
الفتاوي كلها حقيقية وإسنادها صحيح لا غبار عليه، وقد قالها علماء الفقه فعلًا، ولكن ليست هذه هي القضية.
 
نعم أجمع العلماء على قتل المسلم الذي يسب الرسول، لكنهم اختلفوا في التعامل مع غير المسلم، فريق قال يقتل وفريق قال لا يقتل.
 
ثم يجب علينا أن نعلم أن الفقه، كل الفقه ليس هو الدين، إنه إنتاج بشري، لنا أن نأخذ برأي إمام وندع رأي إمام لا يقل عن الذي أخذنا عنه، ففي الأمر سعة، فلماذا نضيق على أنفسنا وأمامنا سبل فسيحة ممهدة، لماذا لم يأخذ الشاب الغاضب برأي الذين قالوا: لا يجب قتل غير المسلم؟
 
ثم لماذا لم يقل الذين شحنوا الشاب بدماء الغضب والثأر: إن كل الفتاوي قد صدرت عن فقهاء مسلمين ليأخذ بها مسلمون في دولة الخلافة الإسلامية؟
 
إن زمن الفتوى وملابساتها مهم غاية الأهمية فكيف نتجاهل تلك الفروق الظاهرة بين زمن الفتاوى وبين زماننا نحن الآن؟
 
هل فرنسا دولة مسلمة؟ هل أغلبيتها من المسلمين؟ هل قوانينها تعتمد على شريعة الإسلام؟
 
لا، الواضحة الصريحة القاطعة هي الإجابة الوحيدة على هذه الأسئلة.
 
الدولة الفرنسية الآن وفي أعلى مناصبها تبحث عن منهج تتعامل به مع الإسلام الذي ترى أنه يعيش أزمة عالمية، فيأتي هذا الشاب ليصب الزيت على النار ويوفر لكارهي الإسلام كل أسباب التنكيل بالمسلمين أو على الأقل التشنيع عليهم وإلصاق كل التهم العنصرية البغيضة بهم وبدينهم الذي يرون أن دين قتل وقتلا وسيوف وحراب وقطع رقاب.
 
دائمًا وأبدًا هناك شعرة تفصل بين الهلاك والنجاة، فلو أبصر ذلك الشاب الغاضب تلك الشعرة ما زعم لنفسه مكانة الحاكم، وذلك لأن كل الفقهاء الذين أخذ عنهم جواز قتل المدرس، هم أنفسهم الذين عقبوا على فتاويهم بقولهم:"
 
إن عقوبة الذي يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تتم عن طريق الحاكم لا عن طريق الأفراد كي لا تشيع الفوضى ويُرمى أبناء الإسلام بالتهم الباطلة التي هم منها براء".
 
إن قتل المخالفين لن يحل المشكلات التي بين المسلمين والآخرين، ولن يصب بحال من الأحوال في مصلحة الإسلام، بل سيخصم منه، فلو أن كل غاضب عمل عملًا حقيقًا مثمرًا لكان خيرًا له وللإسلام ولنا جميعًا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق