يوسف أيوب يكتب: انتخابات مجلس النواب شاهدة على تغيير في ثقافة ووعى الشارع السياسى

السبت، 05 ديسمبر 2020 11:00 م
يوسف أيوب يكتب: انتخابات مجلس النواب شاهدة على تغيير في ثقافة ووعى الشارع السياسى
انتخابات مجلس النواب

النظرة الأولى لانتخابات مجلس النواب، التي ستستكمل بجولة الإعادة للمرحلة الثانية هذا الأسبوع، أن التصويت في غالبية الدوائر الانتخابية، ذهب لمن هم متواجدين في دوائرهم، ومتعاطين مع الشارع والناخبين، وليس من يتعاملوا مع دوائرهم من خلف الكيبورد ووسائل التواصل الإجتماعى، وكانت هذه مفاجأة لعدد ليس بقليل من النواب الحاليين الذين ترشحوا لانتخابات المجلس الجديد، وأغلب ظنهم أن نجاحهم شبه مضمون، بسبب كثرة ظهورهم في الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعى، كبديل عن التواجد في الدائرة وبين الناخبين، معتبرين أن التواجد السوشيالى هو البديل الآمن عن التواجد في الدائرة.
 
سقط هؤلاء ولم يصدقوا أن سقوطهم كان بما فعلته أيديهم، وليس لأسباب أخرى، رغم أن تواجدهم داخل دوائهم خلال أسابيع الانتخابات كان مؤشر على انفصامهم عن الشارع والدائرة، لكن أخذتهم العزة، ورفضوا الاعتراف بحقيقة أن الشعب سيطردهم من تحت القبة.
 
المؤشر الأخر في الانتخابات هذه المرة، أن عدد ليس بقليل من الناجحين حتى الآن استفادوا بشكل أو باخر من الخدمات ومشروعات البنية التحتية التي تقيمها الدولة في المحافظات.
 
ما حدث من وجهة نظرى أن ثقافة الانتخابات بدأت تسيطر على الشارع المصرى، وكذلك الوعى، فلم تعد الشعارات السياسية أو حتى المال هو المتحكم في المعركة الانتخابية، وإنما كان الحكم والفيصل هو "النائب الخدمى"، وأمامنا الكثير من الأمثلة التي شهدت التصويت بكثافة لشخصيات معروف عنها الجانب الخدمى، وفى نفس الوقت ليست لديهم الملاءة المالية التي تمكنهم من الانفاق على الانتخابات.
 
ورغم أن الامل كان يراودنى مثل كثيرين، أن تكون هذه الانتخابات بداية التخلص من فكرة "النائب" الخدمى، والتصويت لنائب التشريعات، لكن ما جرى في الانتخابات هو مؤشر على مستوى التقدم في التغيير الديمقراطي الذى تشهده مصر.. نعم لم يصل إلى المستوى المطلوب، لكنه مؤشر جيد، أخذا في الاعتبار، الماضى الذى كان سببا في موروثات سلبية، وصلت إلى النخبة، ولم تكتفى فقط بالمواطن البسيط، فعلى سبيل المثال إذا ما نظرنا إلى انتخابات النقابة المهنية مثل الصحفيين والمحاميين والأطباء وغيرها، سنجد أنها لا تزال هي الأخرى محكومة بموروثات قديمة رغم أن هذه النقابات تمثل "النخبة"، لكن هذه النخبة لاتزال تصوت حتى اليوم للمرشح الخدمى، فبات المرشح الذى يعرض خدمات على الأعضاء مثل تسهيل الحصول على بطاقات التموين أو غيرها هو الأوفر حظاً بالفوز من المرشح الذى يتحدث عن مستقبل المهنة.. يحدث ذلك في النخبة، فما بالكم بالمواطن البسيط.
 
الشاهد في كل ذلك، أن التغيير بدأ يحدث، لكنه سيأخذ بعض الوقت حتى يصل إلى المستوى المأمول منا جميعاً، وهذا ليس رأى فقط، وإنما أتجاه يسود في الأحزاب المصرية، فقبل شهر كان المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس مجلس الشيوخ، ضيفاً على الإعلامى عمرو أديب، متحدثاً عن المجلس والحياة السياسية في مصر، وضمن ما قاله وهو كثير أستوقفنى تحليله للديمقراطية المصرية في الوقت الراهن، وأيضاً رؤيته أو للأوضاع الحزبية.
 
رئيس مجلس الشيوخ قال أن "الديمقراطية في مصر تمر الأن بمرحلة جديدة نتمنى أن نخرج منها بتطور نوعى في الأداء البرلماني والحزبى، خاصة أن الأداء الحزبى بدأ مؤخراً يتبلور إلى أحزاب يكون لها وجود حقيقى على وأرضية صلبة"، معرباً عن أمله في أن تحافظ الأحزاب الموجودة على المكتسبات الحزبية القديمة.
هذا التوصيف للحالة السياسية المصرية في الوقت الراهن من جانب رئيس مجلس الشيوخ، يمكن قراءته ضمن حالة التغيير الشاملة التي تشهدها مصر، فنحن أمام تجربة سياسية وحزبية تمر بمسار جديد، بل يمكن القول أن التجربة المصرية في الوقت الراهن تؤسس لأدبيات وتعريفات جديدة في القاموس السياسى، سيكون لها تأثير كبير في العمل السياسى ليس المصرى فقط، وربما لا ابالغ أذا قلت أنها ستكون محل عناية ودراسة من جانب أنظمة خارجية، ستحاول تقييم ما يحدث في مصر، للاستفادة منه مستقبلاً.

أذن ماذا حدث ويحدث في مصر الآن؟
الذى حدث أن الدولة المصرية منذ 1952 وحتى 2016 مرت بالعديد من التجارب السياسية والحزبية، وجربت كل الأشكال والنظم، سواء النظام الحزبى الواحد أو المتعدد، لكن ظلت المشكلة الرئيسية أن الدولة لا تزال تعانى سياسياً، لعدة أسباب، أهمها على الإطلاق، ارتفاع نسبة الأمية، وغياب واضح للتنمية، ويضاف إلى ذلك سبب أخر متعلق بالأحزاب نفسها، التي ارتضت لنفسها أن تكون منغلقة على نفسها داخل مقراتها، تاركة الساحة لقوى أخرى غير شرعية، ووصل بنا الحال إلى وجود 104 حزباً، لكن للأسف الشديد قياداتهم أعلم منا بأنها لا تأثير لها في الشارع.
 
بعد 2014 بدأت الدولة المصرية تدرك حقيقة الموقف، وتوصلت إلى النتيجة المنطقة المبنية على معطيات سياسية ومجتمعية، وأساسها أنه بدون كيانات حزبية قوية وفاعلة في الشارع، فمن الصعب الحديث عن أية تطورات مستقبلية، لكن بقيت النقطة الأهم، وهى تهيئة الشارع للعمل الحزبى والسياسى، وأيضاً الديمقراطية، لذلك بدأت الدولة في خوض غمار معركة التنمية الشاملة للدولة، رافعة شعار أن الاولوية الآن للتنمية، سواء تعليم وصحة وطرق وغيرها، وتزامن ذلك مع فتح ملفات شائكة، ظلت مغلقة لسنوات طويلة، مثل قضية تجديد الفكر الدينى، وهو الموضوع الصعب، بالإضافة إلى قضة محو الامية وتنظيم الاسرة، وهى أيضاً من الموضوعات المهمة التي كانت مؤجلة رغم أهميتها، وكان الأساس الذى من خلاله فتحت الدولة كل هذه الملفات مرة واحدة، أن الدولة القوية يجب أن تستند لمجتمع قوى، لإن القوة لا تأتى فقط من قوة المؤسسات وإنما بمجتمع قوى، والمجتمع المصرى لن يكون قوياً الا بتحقيق اختراق لكل الملفات المؤجلة التي تستهدف تنمية المواطن وتوفير حياة كريمة له.
 
لذلك كان ولازال التركيز على القضايا التي تؤدى إلى إنضاج المجتمع، ويعطيه المناعة القوية ضد أي تدخلات أو مؤثرات خارجية، لإن ارتفاع نسبة الامية على سبيل المثال يجعل من الحديث عن تغير سياسى من الصعوبة بمكان.
 
بالتوازي مع ذلك، كان هناك اهتمام بالأحزاب وتقوية دورها السياسى وفى الشارع، وهنا لا أقصد تدخل من جانب الدولة في عمل الأحزاب أو شئونها، وإنما كان دور الدولة هو توفير البيئة المناسبة للأحزاب لكى تعمل وتنشط، وإطلاق قوتها الكامنة بداخلها، وكانت البداية من خلال المؤتمرات الوطنية للشباب، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى في 2016، التي كسرت تابوهات سياسية قديمة، وإقامة جسور مباشرة من الحوار بين الشباب والدولة، وتحولت هذه المؤتمرات إلى ما يشبه جلسات التلقين التلقائى ليس فقط للشباب، وإنما للأحزاب ولكل مؤسسات الدولة، حول مستقبل الدولة المصرية، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية من خلال اصطفاف وطنى، ومشاركة فاعلة من الجميع.
 
من قلب مؤتمرات الشباب بزغت فكرة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، التي كانت بمثابة نقلة نوعية في العمل الحزبى والسياسى المصرى، لأنها بنت أسس جديدة للعمل السياسى، لم يكن موجوداً قبل ذلك، حينما بعثت برسالة إيجابية لكل الأحزاب انها قادرة على الجلوس معاً والحوار والنقاش حول القضايا الوطنية، والخروج بنتائج ورؤى موحدة، أو بمعنى أدق، أن اختلاف التوجهات والأيدولوجيات بين الأحزاب ليست عائقاً أمام التوصل إلى قواعد مشتركة تجاه العديد من القضايا، شريطة أن يكون لديهم استعداد للحوار العقلانى والبناء.
 
وكانت التنسيقية بداية لتحالفات حزبية وحوارات، نتجت عنها القائمة الوطنية من أجل مصر التي خاضت خلالها 12 حزباً بجانب التنسيقية، انتخابات مجلس النواب، تحت شعار وبرنامج انتخابى موحد.
 
كل هذه التحركات سيكون لها تأثير إيجابى على مستقبل الحياة الحزبية والسياسية، خاصة ان الشارع بدأ يتفاعل بقوة مع ما يحدث، وهو ما يمكن رصده في انتخابات مجلس النواب.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق