حدادٌ على لُغة الضَّاد

السبت، 19 ديسمبر 2020 06:50 م
حدادٌ على لُغة الضَّاد
مختار محمود يكتب

 
يوافقُ الثامنَ عشرَ منْ شهرِ ديسمبرَ من كلِّ عامٍ، اليومَ العالمىَّ للغَّةِ العربيَّةِ، وكانتْ الجمعيَّةُ العامَّةُ للأممِ المتحدةِ، أصدرتْ قبلَ سبعةٍ وأربعينَ عامًا، قرارَها رقم 3190 الذي تمَّ بمقتضاهُ إدخالُ اللغةِ العربيةِ ضمنَ اللُغاتِ الرسمية ولُغاتِ العملِ في المُنظمةِ الدوليَّةِ. وسبقَ هذا القرارَ وتلاهُ قراراتٌ أُمميَّةٌ عدةٌ للتمكينِ للُّغةِ التي ينطقُ بها أكثرُ من خمسمائةِ مليونِ عربىٍّ.
 
 وبعيدًا عنْ تلكَ القراراتِ.. فإنَّ اللغّةَ العربيَّةَ واحدةٌ منْ أقدمِ اللغاتِ الساميَّةِ، وهىَ لُغةُ القرآنِ الكريمِ، كما إنها لُغَّةٌ شعائريةٌ لدى عددٍ منْ الكنائسِ المسيحيةِ في الوطنِ العربيِّ. تتميزُ لُغةُ الضادِّ بقدرتِها على التعريبِ واحتواءِ الألفاظِ منْ اللغاتِ الأخرى بشروطٍ دقيقةٍ مُعينةٍ، وتحظى بسماتٍ تستعصى على الحصرِ، يعلمُها العالمونَ بدروبها، العاجزونَ عن تصويبِ مسارِها!
 
 وبينَ الاحتفاءِ الأُممىِّ منْ ناحيةٍ، وبينَ المكانةِ التاريخيَّةِ الرفيعةِ لها منْ ناحيةٍ ثانيَّةٍ.. فإنَّ واقعَ اللُغَةِ العربيَّةِ مريرٌ لا مراءَ في ذلكَ، وصارَ حالُها بينَ أبنائِها حالكًا، بلْ إنَّ مِنْ بينِهم مَنْ يتخذُها سِخريًا، ويظهرُ ذلكَ بوضوحٍ في الأعمالِ الفنيَّةِ المختلفةِ التي تهزأُ بمَنْ يَحرصُ على النطقِ الصحيحِ بها، كما إنَّ هناكَ كتاباتٍ غزيرةً في الصحفِ السيَّارةِ تُحرِّضُ على كسرِ كرامةِ اللغةِ العربيَّةِ وتغريبِها داخلَ أوطانِها، واستبدالِها بـ "عاميِّةٍ كريهةٍ ومُبتذلةٍ"، ولمْ تعدْ هناكَ صحيفةٌ مصريَّةٌ أوْ عربيَّةٌ تخلو منْ "خطايا لُغويةٍ صارخةٍ" في عناوينِ صفحاتِها الأولى، وفى مُتُونِ موضوعاتِها، كمَّا أنَّ صُحفًا رصينةً وعريقةً مصريَّةً وعربيَّةً لا تخجلُ منْ أن تعترىَ كلماتِها الافتتاحيةَ ومقالاتِ رؤساءِ تحريرِها "أخطاءُ كارثيّةٌ".
 
 الجريمةُ ذاتُها حاضرةٌ بأدقِّ تفاصيلِها في المسلسلاتِ والأغانى الدينيَّةِ في مصرَ، ما يعكسُ إهمالًا صارخًا، كانَ غائبًا عن هذهِ النوعيَّةِ من الأعمالِ التي كانتْ يومًا عُنوانًا للعنايةِ بوقارِ اللُغةِ العربيَّة واحترامِها.
 
 ولمْ يعدْ منْ مقوماتِ قارئِ نشرةِ الأخبارِ، أوْ المذيعِ، فى الإذاعة أو التليفزيون الرسميين، الإلمامُ بأبسطِ قواعدِ اللُّغةِ العربيَّةِ، بعدَ ما كانَ إتقانُها، نُطقًا وكتابةً، شرطًا أساسيَّا للقبولِ بالعملِ الإذاعىِّ والتليفزيونىِّ.
 
 خُطباءُ المساجدِ ووعاظُها أصبحوا أكثرَ الناسِ هتكًا للغةِ القرآنِ الكريمِ. والأدهى والأمرُّ منْ ذلكَ كلِّه.. أنَّكَ لا تجدُ مسئولًا عربيَّا، كبيرًا أوْ صغيرًا، يمكنه قراءةُ خطابٍ تمَّ إعدادُه سَلَفًا، بشكلٍ سليمٍ، ما يعنى أنَّ اللغةَ العربيَّةَ صارتْ أقربَ إلى الموتِ منْ الحياةِ، ولوْ نطقتْ في يومِها العالمىِّ، لأنشدتْ قولَ شاعرِ النيلِ "حافظ إبراهيم":  فلا تَكِلُوني للزّمانِ/ فإنّني أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي!!
 
وهذا العامَ..حددتْ اليونسكو  موضوعًا مُهمًا لاحتفالِها باليومِ العالمىِّ للغةِ العربيَّةِ، وهو: "مجامعُ اللغةِ العربيةِ.. ضرورةٌ أم تَرَفٌ؟ وفى هذا الاحتفال.. تُسلّط المنظمة الأمميَّة الضوءَ على دور مجامع اللغةِ العربيةِ في حمايةِ لغة الضّاد وتعزيز استخدامِها في جميع أرجاءِ العالم. 
 
والمُتابعُ لإنتاج وأداءِ المجامع اللُّغوية في الوطن العربى الكبير بشكلٍ عامٍ يدركُ للوهلةِ الأولى أنًّها تعيشُ في أبراج عاجيةٍ أو جزرٍ مُنعزلة، وتكادُ تكونُ معزولةً تمامًا عن الحياة العامة، وتعانى من حالة من الشيخوخة والعجز قد تتفاقمُ وتصلُ إلى حد الزهايمر
 
 ولعلَّ مَجمعَ اللغةِ العربيةِ في مِصرَ نموذجٌ صارخٌ على تراجُعِ المَجامع اللغوية وغيابِ دورِها المؤثر؛ لا سيما بعدما دخل نفقًا مُظلمًا، لا يُرتجى خروجُه منه في وقتٍ قريبٍ، إثرَ النزاعاتِ المُفتعلةِ التي ضربتْ هدوءَه، وزعزعتْ استقرارَه، فضلًا عن معاناته الواضحة من "الشيخوخة"، على حدِّ وصفِ رئيسه المُعيَّن الدكتور صلاح فضل الذى شدد فى الحواراتِ التى أجريتْ معه مؤخرًا؛ لتسويقه وتبرير وجوده، على أنه ليسَ فى الإمكانِ أبدعُ مما كانَ.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة