مصر وفرض القانون الدولي في شرق المتوسط.. هكذا أجهضت وزارة الدفاع المصرية المساعى التركية

الإثنين، 28 ديسمبر 2020 04:00 م
مصر وفرض القانون الدولي في شرق المتوسط.. هكذا أجهضت وزارة الدفاع المصرية المساعى التركية
التنقيب عن الغاز شرق المتوسط

ترتكز مصر في إطار سياستها الخارجية على مجموعة من الثوابت الحاكمة، والتي من خلالها يمكن تفسير وإدراك تحركاتها على الساحة الدولية. 

وعلى رأس تلك الثوابت مبدأ احترام الشرعية الدولية وما أقره القانون الدولي من قواعد كمبدأ حاكم للدولة المصرية في علاقاتها الخارجية، وأيضاً في سعيها نحو ضمان أمنها القومي وتحقيق مصلحتها الوطنية.

وتعد منطقة شرق المتوسط من أبرز الساحات التي يمكن في إطارها رؤية ترجمة إعمال هذا المبدأ.

Capture
 

التطبيق المصري لقواعد القانون الدولي في منطقة شرق المتوسط

ووفًقا لمنظمة المسح الجيولوجي الأمريكية، قُدر احتياطى الغاز الكامن بالمنطقة بما بين 340 إلى 360 تريليون قدم مكعب، والتي قِدرت إجمالي قيمتها المالية بما بين 700 مليار و3 تريليون دولار وهو ما يعني أن المنطقة قد احتلت المركز الثاني عالمًيا من حيث احتياطيات الغاز، وكل ما تم اكتشافه مجتمًعا فى قبرص وإسرائيل ومصر حتى الآن هو 70 تريليون قدم فقط.

تمثلت بداية الاكتشافات في المنطقة مع اكتشاف إسرائيل لحقل تمار عام 2009 ،ثم اكتشاف قبرص لحقل أفروديت في أغسطس 2011، ثم اكتشاف إسرائيل لحقل "ليفاثان".

ومع توالي تلك الاكتشافات، تصاعدت الخلافات حول من يمكنه استغلال الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط. فمن ناحية، يمكن أن يفيد هذا الغاز دول المنطقة من خلال تلبية احتياجاتها من الطاقة وتوليد عائدات التصدير، ومساعدة الاتحاد الأوروبى على تنويع إمدادات الطاقة.

ولكن في ظل غياب الغاز عن الأراضى التركية، آثر الجانب التركي عرقلة أي جهود مرتبطة باستكشاف أو تطوير الغاز بالمنطقة.

وعقب اكتشاف قبرص لـ "حقل أفروديت"، تقدمت تركيا بمقترح لحكومة "هشام قنديل" فى مارس 2012 لترسيم حدود مصر البحرية طبقاً لتصورات تركيا الخاصة بترسيم حدودها مع مصر واليونان.

ووفًقا لهذا التصور، سعت تركيا للإستيلاء على ما مساحته 274 كم من الحدود القبرصية داخل المتوسط، و50 كم من الحدود اليونانية، و70 كم من الحدود المصرية بالمتوسط.

وبالطبع، كان الغرض التركي من ذلك هو تعظيم الثروة التركية من غاز المتوسط، وقد تعاظم هذا الأمل مع استمرار وجود حكومة الإخوان بمصر. ولكن، لم يسير الأمر وفًقا لما كان مخطط له، حيث رفضت وزارة الدفاع المصرية -التى كان يتوالها وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى-، واللجنة العليا لأعالى البحار، المقترح التركى لأنها رأت فيه تعدًيا صارًخا على مناطق الامتياز الخاصة بمصر.

كما سارعت وزارة الدفاع، حرصًا منها على حقوق مصر، بإرسال الخريطة "الأصلية" التى توافق صحيح نصوص قانون البحار الدولى لوزارة البترول، حتى تكون المرجع الذى تستند إليه الوزارة فى طرح المزايدات البترولية طبقًا للنقاط الحدودية الرئيسية المتفق عليها مع الدول المجاورة والمتقابلة.

واستمرت المحاولات الإخوانية، لاسيما التشريعية منها، لإتمام اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، بل وصل الأمر إلى حد تقديم النائب الإخواني "خالد عبد القادر عودة" اقتراًحا بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية بين مصر وقبرص الموقعة في القاهرة بتاريخ 17 فبراير 2003 لترسيمها على أسس خاطئة. على أن يعاد ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخاصة بين قبرص ومصر في حضور تركيا كطرف ثالث.

وعليه، وفي حال افتراض اكتمال هذا المخطط وإلغاء اتفاق مصر مع قبرص، كانت ستصبح حدود مصر المائية متنازع عليها، بشكل يحجم شركات التنقيب العالمية عن العمل بالحدود المائية لمصر؛ نظًرا لتوتر المنطقة، وعليه عدم اكتشاف حقول غازية كحقل ظهر أو أي حقول آخرى.

وفي هذا الإطار، يمكن رؤية ترجمة التزام الدولة المصرية بعد 30 يونيو باحترام ما أقرته الشرعية الدولية من قواعد وذلك عبر أكثر من محطة.

على صعيد التعاون الثنائي، فإلى جانب اتفاق ترسيم الحدود البحرية المصرية القبرصية، وقعت الحكومتان في 12 ديسمبر 2013، اتفاق "تقاسم مكامن الهيدروكربون" لتنظيم استغلال الثروات الهيدروكربونية من المكامن المشتركة بين البلدين، وهو الاتفاق الذي اعترضت عليه تركيا بفبراير 2018.

وفي 6 أغسطس 2020 ،نجحت الدولة المصرية في إبرام اتفاق تعيين الحدود البحرية مع الجانب اليوناني، هذا الاتفاق الذي يأتي في إطار أوسع من التفاعل والتعاون القائم ما بين البلدين لاسيما في ملف الطاقة، وذلك في إطار عضوية البلدين داخل منتدى غاز شرق المتوسط.

وعلى صعيد التعاون متعدد الأطراف، توافقت مصر مع كًل من قبرص واليونان في أكتوبر 2018 على إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، يكون مقره القاهرة، ويضم الدول المنتجة والمستوردة للغاز ودول العبور بشرق المتوسط، بهدف تنسيق السياسات الخاصة باستغلال الغاز الطبيعي بما يحقق المصالح المشتركة لدول المنطقة، إلى جانب تسريع عملية الاستفادة من الاحتياطيات الحالية والمستقبلية من الغاز بتلك الدول.

وفي يناير 2019 ،كان الاجتماع الأول لوزراء طاقة الدول الأعضاء بالمنتدي، بمشاركة وزير الطاقة الامريكي، وممثل المفوضية الأوروبية لشؤون الطاقة وممثل للبنك الدولي. وفي سبتمبر 2020 ،تم الإعلان عن تحول المنتدى إلى منظمة إقليمية متخصصة في إدارة قضايا الغاز داخل منطقة شرق المتوسط.

التجاهل التركي لمقررات القانون الدولي

وعمدت تركيا خلال الفترة الماضية –وتحديدا منذ عام 2011 -إلى تصعيد تحركاتها الاستفزازية داخل المنطقة، والتي من شأنها الاستحواذ –بشكل غير شرعي- على أكبر قدر من الموارد الغازية بما يسهم في تغطية استهلاكها وتحسين أداء اقتصادها المتراجع. وتبًعا لرفضها التوقيع على اتفاق القانون الدولي للبحار والذي تعتمده دول المنطقة كمرجع قانوني لتعيين حدودها، وضعت تركيا رؤيتها الخاصة إزاء ترسيم الحدود البحرية لمنطقة شرق المتوسط بما يتلاءم مع مخططاتها التي تساعدها في الوصول إلى مناطق غنية بحقول الغاز، وتمكنها من ترسيخ نفسها كممر رئيسي للطاقة.

ووفًقا لقواعد القانون الدولي، فإن المنطقة الاقتصادية لتركيا هي فقط المنطقة المشار إليها باللون البني بالخريطة أدناه، وهي منطقة بعيدة عن موقع الاستكشافات الجديدة. ولذلك، أدعت تركيا طريقة ترسيم على خالف قواعد القانون الدولى، بحيث تمكّنها من الوصول إلى مربعات رقم 10 ،و11 من المنطقة الاقتصادية القبرصية.

كما قسمت أيضا المنطقة الاقتصادية القبرصية إلى نصفين (وهو المشار إليه بالخط الأحمر بالخريطة أدناه) بحيث يصبح النصف الأيسر من المنطقة تابع للمنطقة الاقتصادية التركية، بينما يتبع النصف الأيمن للمنطقة الاقتصادية القبرصية ولكن من حين لآخر تثير تركيا مضايقات بهذا النصف بحجة دفاعها عن حقوق جمهورية شمال قبرص التركية الغير معترف بها دولًيا سوى من قبل تركيا.

وتدّعي تركيا سيادتها على جزر شرق بحر إيجه، التي تمثل نقطة الاتصال المباشرة بين بحر إيجه والبحار المفتوحة، وهو ما يضفي لمالكها نفوذا قوًيا على المالحة الحرة، والطيران، والأمن بشكل عام في المنطقة. ولكن، بموجب اتفاقية لوزان عام 1923، تقع تلك الجزر ضمن نطاق السيادة اليونانية.

وعليه، ومع عدم القبول الدولي –لاسيما الأوروبي- بالإدعاءات التركية، اتجه النظام التركي إلى تصعيد عمليات عسكرته بشرق المتوسط، من خلال توقيف البحرية التركية لسفن الشركات الدولية العاملة بالمنطقة، إلى جانب تعزيز الأسطول البحري التركي بسفينتي الحفر "فاتح" و"يافوز"، وإجراء مناورات عسكرية داخل منطقة شرق المتوسط. وأخيًرا، تسيير سفنها الاستكشافية وإجراء عمليات تنقيب بمرافقة قطع بحرية عسكرية بالمياه المتنازع عليها.

وفي سبتمبر 2019، نشر على موقع الرئاسة التركية صورة أردوغان، وخلفه خريطة توضح ما تطلق عليه أنقرة "الوطن الأزرق"، حيث تتوسع خريطة تركيا لتشمل الجزء الشرقي بكامله من بحر إيجه، وكذلك جزر ليمنوس ولسبوس ورودس وشيوس اليونانية. وفي نوفمبر من نفس العام، كان الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق الليبية والذي بمقتضاه اقتِطعت مناطق من المياه الاقتصادية اليونانية والقبرصية وتم إلحاقهما للسيادة البحرية لتركيا.

وبمقتضى هذا الاتفاق نشرت تركيا بالثاني من يونيو 2020 خريطة تنقيب جديدة. حيث تقع إشكالية تلك الخريطة–الموضحة أدناه- كونها تضم مناطق تقع بالمياه الاقتصادية الخالصة لليونان –وتحديًدا قبالة سواحل جزر رودس وكارباثوس وكريت اليونانية-.

وفي النهاية، وفي ظل ضعف احتمالات اتجاه تركيا نحو التهدئة أو اعتماد مبادئ القانون الدولي في تحركاتها الخارجية، فمن المتوقع، أن تلجأ دول المنطقة نحو توطيد أواصر التعاون المؤسسي القائم فيما بينهم ضمن منظمة منتدى غاز شرق المتوسط، لاسيما وأن إطار المنظمة قد أسهم ليس فقط في توصل الدول الأعضاء إلى ترسيم حدودهم البحرية، وإنما نجح أيًضا في اجتذاب دول من خارج المنطقة للإنضمام إلى المنظمة بصفة مراقب كالواليات المتحدة وفرنسا والإمارات العربية المتحدة.

قد يسفر تنامي حجم الزخم الدولي الناتج عن التفاعلات ضمن المنظمة عن شعور تركيا بالمزيد من العزلة داخل المنطقة. وبناءا على المشاهدات السابقة، فقد تلجأ تركيا إلى تصعيد حجم ونطاق الاستفزازات، رغبة منها في كسر العزلة المفروضة ولدفع دول المنطقة لاسيما الجانب الأوروبي إلى القبول بها وبرؤيتها للمنطقة، ولكن، من غير المتوقع أن تفلح تلك المحاولات، لاسيما في ضوء الرفض والتنديد الأوروبي للسلوك التركي حيال أعضاءه.

وعلى الرغم من احتمال تقويض السلوك التركي لفعالية منظمة شرق المتوسط، ولكن مع ذلك تبرز لمصر، ومن ثم المنظمة، فرصة نحو تجاوز هذا التقويض، وذلك من خلال ما تمتلكه مصر من محطات لتسييل الغاز الطبيعي، حيث توفر محطات الإسالة المصرية فوائد اقتصادية وتجارية لجميع الجهات الفاعلة الإقليمية المعنية، فضلا عن تجنبها للتوترات المرتبطة بالنزاعات الإقليمية القائمة. كذلك، فإن هذا المسار من شأنه أن يوفر لموردي الغاز في شرق المتوسط مرونة فيما يتعلق بأسواق المقصد في المستقبل، حيث عدم الاعتماد فقط على المستورد الأوروبي، وإنما هذا من شأنه فتح المجال أمام تصدير الغاز إلى أي جهة بأنحاء العالم.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق