رسالتان من الدكتورة عبلة الكحلاوى

الإثنين، 25 يناير 2021 01:09 م
رسالتان من الدكتورة عبلة الكحلاوى
مختار محمود يكتب :

"شمسٌ من العلم والولاية قد انطفأتْ".. من أجمل ما قيل فى وصف الراحلة الدكتورة عبلة الكحلاوى التي غيَّبها الموتُ عن 72 عامًا، بعد سيرة طيبة ومسيرة مظفرة فى الدعوة إلى الله والعمل الخيرى.
 
 هذا الوصف البليغ ورد ضمن كلمات مرثية مؤثرة صاغها الدكتور أسامة الأزهرى عن وفاة "الكحلاوى"، جاء فيها أيضًا: "ببالغ الحزن والألم والأسى.. أنعي إلى الشعب المصري العظيم والأمتين العربية والإسلامية أستاذتنا الفقيهة الجليلة الشيخة الصالحة الأستاذة الدكتورة عبلة الكحلاوي، مُردفًا: "كانت شمسًا ونورًا في حياة ملايين من الأسر والبيوت، الذين وجدوا في كلامها ونصائحها نورًا يملأ القلوب سكينة ونورًا"، حتى انتهى: "كانت من أهل العلم والصلاح الذين يصحُّ أن نُسميَّهم: ورثة النبوة بحق وصدق".
 
وفى مرثية أخرى تقطر صِدقًا وبلاغة، نعى مفتى مصر الدكتور شوقى علام الراحلة بقوله: "كانت من العالِمات العاملات؛ فقد جمعتْ بين علوم الشريعة عِلمًا وتعليمًا، وبين العمل الخيري، حيث أسست واحدة من أكبر الجمعيات الخيرية في مصر التي تقوم بالكثير من أعمال الخير والبر".
 
ولأنَّها كانت أستاذًا للفقه في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، فقد نعتها الجامعة: "الدكتورة عبلة الكحلاوي وهبت حياتها للدعوة، فكانت مثالاً للمرأة المسلمة التي تدعو بلسانها وتفعل الخير بيدها"، مؤكدة أن "برامجها الإعلامية ومؤلفاتها العلمية وأعمالها الخيرية ستظل باقية تُخلد ذكرها وتُشجع غيرها للسير على خُطاها".
 
وما تقدَّم مجردُ غيضٍ من فيض، فقد عمَّ الحزنُ محبى وتلامذة ومتابعى الدكتورة عبلة الكحلاوى فور إذاعة خبر وفاتها، وتسابق علماء الدين وغيرهم من أهل الفكر والعلم والإعلام والسياسة إلى الحديث عن مناقبها ومآثرها، سواء عن منهجها الوسطى المهذب فى الدعوة الإسلامية بالجامعة وعندما سافرت إلى مكة، وعندما عادت إلى مصر، أو عن عملها الخيري عندما أسست  جمعية "الباقيات الصالحات" في ضاحية المقطم القاهرية، لرعاية الأطفال الأيتام ومرضى السرطان وكبار السن من مرضى ألزهايمر .
 
وبالتوازى مع حالة الحزن والحداد على فقد إنسانة أجمع على حبها الكثيرون فى مصر والعالم الإسلامى، فإنه لا بد هنا من وقفة للتذكرة والتبيان، فـ"الكحلاوى" قبل أى شيء تتلمذت ودرست وتخرجت وعملت أستاذًا فى جامعة الأزهر الشريف، فى الوقت الذى لا يزال فيه بعض صغار النفوس يرمون الأزهر جامعًا وجامعًا وعلماءً بكل نقيصة، ويتهمونه بتفريخ المتطرفين والمتشددين والإرهابيين، ويزدرون إمامه الأكبر، ويحرضون الدولة على إغلاقه بالضبة والمفتاح، ولعل السمعة الطيبة التي تمتعت بها "الكحلاوى" فى محياها وبعد مماتها أثبتت عمليًا زيف هذا الادعاء وتهافت أصحابه، وهذه رسالة أولى للمعسكر الذي يسترزق من التطاول على المؤسسة الإسلامية الأرفع والأقدم على مستوى العالم. 
 
أمَّا الرسالة الثانية من سيرة الدكتورة عبلة الكحلاوى، وأعتبرها الأكثر أهمية، فهى موجهة لبعض العاملين فى مجال الدعوة الإسلامية والإعلام الديني، حيث لم تعمد الراحلة يومًا فى جميع برامجها ومداخلاتها إلى إثارة الجدل والنفاق السياسي وتوظيف الدين فى خدمة السياسة، كما يفعل "شيوخ الترندات" الذين أفسدوا الدعوة الإسلامية بفتاوى متضاربة ومراهقة وصبيانية، لأغراض معروفة تعتملها صدورهم وضمائرهم. لم تُحلْ "الكحلاوى" حرامًا، ولم تحرم حلالاً؛ بغرض الإثارة وجذب الإعلانات ورفع سعرها فى سوق الفضائيات وبزنس الإعلام الديني، فهى –ر حمها الله- كانت أكبر مقامًا وأعظم قدرًا من ذلك، هذا فضلاً عن عملها الخيرى فى توفير مقومات الحياة لمن هزمتهم الحياة وقست عليهم كبارًا وصغارًا، فى الوقت الذي يُعرف فيه عن كثيرين من أثرياء الإعلام الدينى وأصحاب العمائم البخل والتقتير، حيث يدعون الناس إلى الإنفاق فى سبيل الله، بينما هم يبخلون، وحيث يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم..فهل يلتزم المشايخ والعلماء الذين تسابقوا لنعي "الكحلاوى" والبكاء على رحيلها، بمراجعة نفوسهم الأمارة بالسوء، والتأسي بنهجها العاقل الذي يعكس الصورة المثلى للإسلام علمًا وعملاً، قولاً وفعلاً؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق