أيمن عبد التواب يكتب: حنانيك يا شيخ حسان

السبت، 30 يناير 2021 08:00 م
أيمن عبد التواب يكتب: حنانيك يا شيخ حسان
الشيخ محمد حسان


هل «روشتة» الداعية السلفى بزعم وجود علاج قرآني ونبوي لفيروس كورونا لوجه الله أم طمعًا في أرباح «اليوتيوب»؟

النبي قال «لكل داء دواء» ورسخ قواعد العلم لكن تجار الدين يروجون للأعشاب لمصالح خاصة

هل يتحمل «مولانا» ذنب ضحايا العلاج بـ«الحبة السوداء»؟.. وما رأيه في قول الشيخ كريمة بأن علاج كورونا القرآني والنبوي «ازدراء للإسلام»؟
 
بينما العلماء معتكفون في مراكز أبحاثهم، ومعاملهم، وأكاديمياتهم، يواصلون الليل بالنهار، من أجل فك شفرة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، وإنتاج مصلٍ ولقاحٍ لهذا الفيروس.. كان، في الناحية المقابلة، بعض المستشيخين، وتجار الدين، والمحسوبين على الدعوة الإسلامية، الذين صَعُبَ عليهم أن تفوتهم «اللقطة».. هؤلاء راحوا يبحثون في الدين عن آيات قرآنية، وأحاديث نبوية يلوون عنقها؛ ليؤكدوا لأتباعهم ومريديهم، ودراويشهم وجود علاج قرآني، ونبوي لهذه الجائحة العالمية، التي لم تفرق بين مؤمن وكافر، ورجل وامرأة، وصغير وكبير، وصحيح وسقيم، إلا مَن رحم ربك.
 
في الأمم التي تُعلي قيمة العلم، لا مجال للخرافات، ولا الأساطير، ولا العواطف الدينية، إلا بالقدر الذي ينفع الناس، وينقذ البشرية.. بينما الأمم «المتواكلة»، «الكسولة»، والتي «ركنت العلم على الرف»، يحلو لمدعي العلم، ومدعي التدين، والمتكسبين بالوعظ والدعوة إلى الله، إلصاق كل شيء في الدين، بزعم أن القرآن الكريم وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم- فيهما شفاء من كل داء.. فهؤلاء حاولوا الربط بين كورونا وبين إجراءات الوقاية والسلامة منه، خاصة النظافة، لدرجة أن بعضهم قال «إن الوضوء خمس مرات في اليوم كفيل بالقضاء على الفيروس»!.
 
من أمثال هؤلاء، الداعية السلفي الشهير، الشيخ محمد حسان، الذي لم يُفَوِّت الفرصة وسجل «مقطع فيديو» على قناته الخاصة على شبكة الإنترنت، بعنوان: «العلاج القرآني والنبوي لفيروس كورونا العالمي»، والذي حقق أكثر من مليوني و200 ألف مشاهدة، وأكثر من 100 ألف إعجاب.. ما يعني أن أموالًا سوف تتدفق على «مولانا» من موقع «يوتيوب»، جراء نسب المشاهدة التي حققها هذا الفيديو.. ولا عزاء للعلم، ولا عزاء لأصحاب باقات الإنترنت، الذين قد يستدينون لمشاهدة فيديوهات شيخهم على «اليوتيوب» أو «الفيسبوك»! 

علاج كورونا «الإيمان بالله»
بعد مقدمة طويلة عريضة عن الأمراض والاوبئة، تساءل مولانا الشيخ حسان عن المخرج، وعن العلاج لهذا الوباء والبلاء.. لكنه لم يتركنا طويلًا، وقدم لنا الحل، والمخرج، والعلاج.. وأنه يكمن في الآتي:
أولاً: أن نؤمن بالله جل وعلا، والقدر خيره وشره.. واستشهد الشيخ بقوله تعالي: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ».. وبالحديث الشريف: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة».
 
وطالبنا بالأخذ بأسباب الوقاية والعلاج دون فزع ولا هلع ولا جزع؛ فكل شيء بقضاء: «قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ».. وما أروع حديث سيدنا رسول الله: «عجبًا لأمرِ المؤمنِ إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر وكان خيرًا لهُ وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له».
 
والحقيقة أن ربط العلاج من فيروس كورونا، أو من أي مرض بالإيمان بالله، ما هو إلا «جليطة شيوخ»، إن جاز التعبير.. فهناك ملايين الكفار، والملحدين، والذين يسبون الله ليل نهار.. وعلى الرغم من ذلك كله يرزقهم الله، ويشفيهم من أسقامهم وأمراضهم.. بينما هناك مؤمنون مشهود لهم بالإيمان يموتون جراء إصابتهم بأمراض وفيروسات، كفيروسات الكبد.. فالأمر لا علاقة له بالإيمان والكفر.. ولا بالهداية والضلال.. ولا بالمسلمين وغير المسلمين.

الحجر الصحي والنظافة
الشيخ حسان قال إن العلاج الثاني من العلاج القرآني والنبوي لفيروس كورونا يكمن في «الحجر الصحي»، معقبًا أنه تشريع نبوي كما في الصحيحين: «إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ، فلاَ تَقْدمُوا عَلَيْهِ، وإذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ».. مضيفًا أن العلاج الثالث يتمثل في «النظافة»، والحرص الشديد على غسل الأيدي بالماء والمنظفات.. قال تعالي: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ».
 
هنا نتفق مع الشيخ حسان، مع التأكيد على أن ما ذهب إليه ليس علاجًا قرأنيًا، ولا نبويًا، ولا حتى علميًا وطبيًا.. فإلى الآن لم يقطع العلم والطب برأيه في فيروس «كوفيد 19»، لا في أسباب انتشاره، ولا أعراضه، ولا طرق الوقاية منه، ولا لقاحٍ ناجعٍ له.

العسل وحبة البركة
رابع العلاجات القرآنية والنبوية في «روشتة» الشيخ حسان، كانت «العسل الأبيض والحبة السوداء»، أي حبة البركة! قائلًا: نعم.. فقد قال الله في العسل: «فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ».. وفي الصحيحين أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «الحَبَّةِ السوْدَاءِ شِفَاءٌ من كل دَاءٍ إلاَّ السَّام». يعني (الموت).. مضيفًا أن الأبحاث العلمية الحديثة، (لم يذكر اسم بحث أو جهة)، أثبتت أن الحبة السوداء ترفع كفاءة وقدرة جهاز المناعه في الإنسان!
 
ربما كان بعض كلام الشيخ حسان عن «حبة البركة» صحيحًا، وحقيقيًا.. لكن القول بأن «الحبة السوداء» فيها شفاء من كل داء إلا الموت، معناه أحد أمرين، إما أن الشيوخ- «أمثالك يا مولانا»- لا يريدون أن يكشفوا للناس عن العلاج الذي لديهم، والذي يشفي جميع الأمراض.. وإما أنكم «تكذبون» على الله ورسوله، وتكذبون على الناس!
 
وللأسف يا مولانا، فات عليك أن تذكر أن «الحبة السوداء» شانها شأن أي نبات أو عشب، لا يجب أن يستخدم إلا تحت إشراف طبيب متخصص، وبالجرعات التي يحددها هذا الطبيب، حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه! كما فات عليك أن تذكر أن لـ«الحبة السوداء» آثارًا جانبية، ذكرها موقع «ويب طب webteb»، منها: أنها قد تسبب طفحًا تحسسيًا لدى بعض الأفراد.. ويمكن أن تسبب اضطراب في المعدة، أو قيء، أو إمساك.. وقد يزيد تناولها من خطر النوبات، وإبطاء تقلصات الرحم.. وقد تؤثر الحبة السوداء على تخثر الدم. إذا كان مَن يتناولها يأخذ أدوية لتخثر الدم! فهل يتحمل الشيخ حسان وزر الذي سيصيبهم مكروه جراء تناولهم الحبة السوداء؛ ثقةً في مولانا؟

التوبة والاستغفار والصلاة لعلاج «كوفيد19»
في البند الخامس من علاج الشيخ حسان، ذكر «التوبة والاستغفار والتضرع إلى العزيز الغفار».. مستشهدًا بقوله تعالي: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». أما «المحافظة على الصلاة» فقد ذكرها «مولانا» سادسًا في علاجه القرآني والنبوي.. وأقسم بالله أن لا مخرج لنا إلا بالسجود بين يدي الله، بحبٍ، وافتقارٍ، وذلٍ، وانكسارٍ.
 
وزاد الشيخ حسان: لقد وقفت مندهشاً أمام تغريده للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قال فيها: «إنه لشرف عظيم لي، أن أعلن يوم الأحد الموافق 15 مارس 2020، اليوم الوطني للصلاة في أمريكا، فنحن بلد طوال تاريخنا نتوجه إلى الله، من أجل أن يمنحنا الحماية والقوة في مثل هذه الأوقات». وبابا الڤاتيكان يقول: «إننا نصلي من أجل أن يرفع الله هذا الوباء عن أهل الأرض»، حتى اليهود يصلون عند حائط «المبكى»، يقصد «البراق»، في القدس الشريف من أجل أن يرفع الله هذا الوباء عن أهل الأرض ومن أجل أن يوفق الله الأطباء للعثور على علاج سريع لهذا الفيروس المخيف.. فلنرجع إلى الله ولنحافظ على الصلاة، يا أمة الصلاة.. حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطي وقوموا لله قانتين.
 
قطعًا، هنا أتفق مع مولانا الشيخ بأن المحافظة على الصلاة، والاستغفار، والتوبة إلى الله من الأمور التي لا خلاف عليها.. لكن ظني أن الصلاة والاستغفار والتوبة لا قيمة لها، إذا لم يصحبها عمل دؤوب، وبحث دائم في المعامل والمراكز البحثية عن علاجات وأدوية تخدم البشرية.. تمامًا كما يفعل الغرب، وتفعل الدول التي ترفع العلم إلى أعلى المراتب، فتنتج للعالم الغذاء، والدواء، والسلاح.. بينما تكتفي الدول «الكسلى» بالاستيراد!

علاج كورونا القرآني والنبوي «ازدراء للإسلام»
في رده على وجود علاج لفيروس كورونا المستجد، «كوفيد 19»، من خلال بعض الأعشاب، استنادًا إلى القرآن والسنة، قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن القرآن الكريم كتاب هداية، وليس كتاب طب أو صيدلة.. «لينذر من كان حيًا ويحق القول على الكافرين»، مؤكدًا أن الأعشاب أو الفواكه، التي ورد ذكرها في القرآن، هي للتدليل على قدرة الله، وتذكرة بنعمه، لا أكثر ولا أقل!.
 
فـ«العلاج بالأعشاب ليس طبيًا ولا غيره، ولكنه من واقع البيئة العربية، ومنها حبة البركة» بحسب الدكتور كريمة، في تصريحات متلفزة.. موضحًا أن هذا الأمر لم يخترعه الرسول- صلى الله عليه وسلم- وإنما مورس في صدر الإسلام من قبيل العادات وليس العبادات.. مرتئيًا أن إقحام الرسول والقرآن الكريم والصحابة في العلاج بالأعشاب، يعتبر «جريمة وازدراء للإسلام».. مشددًا على أن هذه الأمور خاصة بالأطباء فقط وليس لغيرهم.. مطالبًا بالابتعاد عن الإسلام في الترويج للأعشاب من التجار.

العلاج النبوي الحقيقي
الغريب والمدهش حقًا، وما قد يغيب عن ذهن الشيخ حسان وأمثاله، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما بُعث هدايةً للعالمين في أمور الدين والدنيا معًا، رفع لواء العلم.. وعَمِلَ على تحرير العقل العلمي من سيطرة عقلية الخرافة الكهنوتية.. ولِمَ لا، وهو القائل: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». وفي صحيح مسلم، قال: «لكل داء دواء». وقال: «تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد؛ الهرم». رواه أبو داود. وروى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تتطبب ولم يُعلم منه طبٌّ فهو ضامن».
 
معنى ذلك أن النبي الكريم حرر العقول من الأوهام والخرافات والأساطير.. وأرسى قواعد العلم والأخذ بالأسباب، والتداوي بالأدوية التي توصل إليها العلم بعد بحث وتجارب سنوات وسنوات، وليس العلاج بحبة البركة وغيرها من الأعشاب دون ضابط، أو رقيب.. ونحمد الله أن المسلمين الأوائل لم يكونوا على شاكلة الشيخ حسان.. فهؤلاء لم يقفوا في ممارسة الطب على ما روي في السنة المطهرة من أساليب الطب النبوي، بل تعمقوا في دراسة الطب اليوناني وغيره، ونشطوا نشاطًا واسعًا في ترجمة كل ما وقع تحت أيديهم من كتب الطب القديمة، وأفادوا منها وطوروها على أُسس علمية جديدة.
 
اختصارًا.. في الأمور الطبية، وخاصة في جائحة مثل فيروس كورونا، يجب رفع رأي العلماء «الثقات»، وأهل الطب «المتخصصين»، وليس «بائعي الكلام»، وهواة «الهبد والفتي» في كل شيء.. وعلينا الابتعاد عن كلام «المتاجرين بالدين»، والشيوخ، خاصة أولئك الذين يحاولون ربط كل شيء علمي، أو طبي بالدين.. ويصعب عليهم أن يخرج أي «دواء» عن عباءة «الطب النبوي»، وأن يخرج أي إنجاز عن عباءة الكتب المقدسة، التي أنزلت- في الأساس- للعبادة والتعبد، وليس للطب والتداوي!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق