مختار محمود يكتب:

ابعد عن الحب وغني له!

السبت، 13 فبراير 2021 02:02 م
ابعد عن الحب وغني له!

ربما لو استقبل "عنترة" من عُمره ما أدبر لما خاض الوغى من أجل "عبلة". وربما لو جلس "جميل" فى نهاية عمره مع نفسه لسخر منها وازدراها؛ لأنها انشغلت بنظم القوافي في حب "بثينة". وربما لو فكر "قيس" قليلاً ما سهر الليالي فى عشق "ليلي".
وربما لو أعاد "عمرو بن كلثوم" حساباته قبل الرحيل لعاد إلى رشده وامتنع عن التحرش العنيف بالنساء في أشعاره وفي حياته. ومن أجل ذلك..ربما يصبح "فتحي قورة" أكثر ذكاءً من هؤلاء جميعهم، عندما نظم أغنية "ابعد عن الحب وغني له" في ستينيات القرن الماضي، محذرًا فيها من الوقوع في "براثن الحب" و"أفخاخ الغرام" و "أكمنة الهوى" و"شِباك الغرام"!
استوحى "قورة" عنوان أغنيته من المثل الشائع: "ابعد عن الشر وغني له"، فكأنما قصد الشاعر الربط بين الحب والشر، باعتبارهما يقودان إلى طريق واحد ونهاية محتومة ومصير غير مأمون باستثناءات محدودة جدًا آخذة في التلاشي فى السنوات الأخيرة، حتى ضجت المحاكم المختصة بالدعاوى والقضايا، وحتى لجأ اهل الحل والعقد من أصحاب العمام إلى العبث بأمور الطلاق، وصولًا إلى إباحة زواج المحلل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!
الأغنية التي لحنها منير مراد وغنَّاها عادل مأمون تقول كلماتها: ابعد عن الحب وغنيله/ وإن فات عليك إياك تنادي له/ خليك زيِّنا في حياتنا هنا/ لا خدنا منه ولا بنديله، قبل أن تُحذر فى مقطع تالٍ من الافتتان بالجمال المادي مهما كان لافتًا وطاغيًا؛ فمصيره إلى الاعتياد ثم الزوال: خلي العيون السود وأصحابها والحب بعيد/ واسأل عليها اللي مجربها وأساه بيزيد/ ده ياما شاف الويل في غيابها وعيونه صعبت على منديله.
يعدد الشاعر إيجابيات الإقلاع عن العشق والهوى وسهر الليالي بقوله: محلى الحياة بالقلب الخالي مين طايل مين/ بتنام عينيا ويرتاح بالي من شوق وحنين!
تعتبر الأغنية الحب ضياعًا للعمر والغرام إهدارًا لفترة الشباب التي يجب أن تذهب في أمور أكثر جدية وأهمية من: حرام يضيع في الحب شبابنا ليه نجني عليه/ وليه نجيب بإيدينا عذابنا راح ناخد إيه/ ترتاح قلوبنا ونقفل بابنا والحب لا يجيلنا ولا نجيله.
ومن التزموا بالنصائح الغالية والثمينة التي تتضمنها هذه الأغنية لا ينشغلون بالاحتفال بطقوس عيد الحب العالمي الذي يحل فى الرابع عشر من شهر فبراير، ولا عيد الحب المحلي الذي يتزامن مع الرابع من نوفمير، ولا يتزاحمون على أكشاك الورد ولا متاجر الهدايا، وسوف يعودون إلى منازلهم فى هذين اليومين تحديدًا مطمئنين البال والقلب، لن تزعجهم عبارات النقد وألفاظ التأنيب وكلمات العتاب الثقيلة، و المقارنات الهلامية والهزلية، متذكرين فى نشوة الانتصار أن الفارق بين عيد الحب وعيد الأضحى هو الخروف! 
المدهش أن المصريين ينفقون -وفقًا للأرقام الرسمية- أكثر من 60 مليون دولار سنويًا على دباديب عيد الحب، ناهيك عن الهدايا المادية الثمينة الأخرى، ما يعني ضعفي الرقم المذكور على الأقل، وهذه الحصيلة لا تقل عما يتم إنفاقه وإهداره سنويًا على قضايا محكمة الأسرة وتداعياتها. أما السناجل من أولي الألباب والعقول الرشيدة فلم يتكبدوا مشقة دفع الأموال وعناء التقاضي غير العادل وقسوة النكران وألم الجحود!
التاريخ ينحاز لمن أبرموا ميثاقًا غليظًا مع "العزوبية" وينصف من أخلصوا لـ"السنجلة"، حيث خلدهم فى سجلاته وأبقى على سيرتهم فى دفاتره، ومن هؤلاء: إسحق نيوتن،   باسكال، ديكارت، سبينوزا، فولتير، جان جاك روسو، كانط، كيركيغارد، نيتشه، ستندال، بلزاك، فلوبير، بودلير، رامبو، رينيه شار، بيتهوفين، ابن النفيس وأبو العلاء المعري، ابن تيمية، ابن القيم والنووي..وغيرهم كثيرون جدًا، ولو أن كل واحد من هؤلاء انشغل بالحب والغرام لطوتهم يد النسيان ولم يتركوا أثرًا واحدًا يخلذ ذكراهم.
وفى عيد الحب، وكل عيد حب، وكل صباح ومساء.. طوبى للسناجل العظام الكرام الذين ابتعدوا عن الحب وغنوا أو لم يغنوا له، أما العاشقون المغرمون البلهاء..فلا أراكم الله مكروهًا فى رومانسي لديكم..

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق