قبلات الضرورة الدرامية!!

الخميس، 25 فبراير 2021 03:58 م
قبلات الضرورة الدرامية!!
مختار محمود يكتب

على فترات متباعدة.. يتجدد الحديث عن المشاهد الساخنة في الأعمال الفنية ومدى أهميتها في سياقاتها الدرامية. وفي كل مرة..يكون الخلاف بين المؤيد والمعارض حادًا وعنيفًا، وتكون الاتهامات الملفقة والساذجة سابقة التجهيز، ويبدو الأمر كأنه خلافٌ على قضية وطنية أو دينية، أو نزاع على الميراث!
 
لنبدأ أولاً بالتأريخ لأول قبلة في السينما المصرية، ومنها تنطلق لنعرف كيف تطورت القبلة في العمل الفني الواحد  إلى عشرات القبلات في أعمال أخرى لاحقة.
تاريخيًا.. تُعتبر القبلة التي تضمنها فيلم "قبلة في الصحراء"، الذي تم إنتاجه في العام 1927، ببطولة بدر لاما وأنور وجدي وبدرية رأفت وتوقيع المخرج إبراهيم لاما، الأولى في السينما المصرية ولكن الفيلم لا يُعرض كثيرًا فلا يذكرها أحد، تلتها قبلة فيلم "الوردة البيضاء" بين محمد عبد الوهاب وسميرة خلوصي، وكان ذلك في العام 1933، ولكن تم حذفها آنذاك بسبب اعتراض الأزهر، وبعد 6 سنوات أخرى تم إنتاج فيلم "العزيمة"  الذي تضمن قبلة واضحة وصريحة،  بين حسين صدقي وفاطمة رشدي، وهذه القبلة تحديدًا تعتبر الأولى فى تاريخ السينما المصرية!
 
تعددت بعد ذلك القبلات الفنية، لا سيما في أفلام المخرج المصري "اليهودي" توجو مزراحي، حيث لم يخلُ فيلم له من قبلة أو أكثر، ولكنها بقيت قبلات نمطية وكلاسيكية جدًا، مثل قبلات: "سلفنى 3 جنيه" عام 1939، "سلامة" عام 1945 وغيرها. ومن أشهر قبلات هذه الحقبة الزمنية قبلة عمر الشريف وفاتن حمامة في فيلم "صراع في الوادي" عام 1954، وقبلة شكري سرحان وتحية كاريوكا في فيلم "شباب امرأة" عام 1956، وقبلة عمر الشريف وسعاد حسني في "إشاعة حب" عام 1960. وظل الأمر متوقفًا على قبلة أو اثنتين، حتى نصل إلى فيلم " أبي فوق الشجرة" لعبد الحليم حافظ ونادية لطفي وميرفت أمين، وتم إنتاجه في العام 1969، وكسرت القبلات فيه حاجز الأربعين قبلة أو أكثر في رواية ثانية، وكان ولا يزال مقصدًا للمراهقين، وأدرك الجميع أن تلك القبلات كانت لأغراض تجارية بحتة، وهو ما يبرر منع عرض الفيلم على الشاشة الصغيرة حتى الآن. والطريف أن هند رستم المعروفة بـ"فنانة الإغراء" رفضت المشاركة في هذا الفيلم، احتجاجًا على عدم منطقية هذا القدر غير المبرر من القبلات!
 
فتحتْ قبلات رشدي أباظة وشادية في فيلم "الطريق" الذي تم إنتاجه العام 1964 الباب واسعًا لمرحلة ما بعد القبلات العادية، وهي المشاهد شديدة الجرأة والإثارة، وهذه المرحلة  توصف بـ"سينما الستينيات"، كما أصبحت هناك فنانات متخصصات في تقديم هذه المشاهد بلا أي خجل، مثل: ناهد شريف وناهد يسري، وأخذت الأمور أبعادًا أخرى عامًا بعد عام!
 
في المقابل تحصَّنت فنانات أخريات-رغم نجوميتهن المبكرة- بعدم التورط في تقديم هذه المشاهد دون أن تطالهم سهام النقد الغاضب والانتقامي كما يحدث الآن، مثل: نورا وآثار الحكيم، رغم ظهورهما في عدة أفلام مع عادل إمام، وعفاف شعيب وسميرة أحمد ونجوى إبراهيم وفردوس عبد الحميد.
ورغم شهرته الفائقة وظهور معظم جميلات عصره أمامه إلا إن الفنان الكوميدي إسماعيل ياسين يبقى ظاهرة فنية حقيقية، حيث كان  يشترط في عقود أفلامه عدم تقبيل أية فنانة تحت أي مبرر، على النقيض تمامًا من الفنان عادل إمام!
 
المدهش.. أن أكثر الفنانين تحررًا في أفلامهم هم الأكثر تشددًا في حياتهم الخاصة، مثل: عادل إمام الذي يفرض حصارًا حديديًا على أسرته، وحسن يوسف الذي انفصل في مرحلة مبكرة من عمره عن لبلبة؛ بسبب قبلة ساخنة جمعتها مع حسين فهمي، وكاد أنور وجدي ينفصل عن ليلى مراد؛ بسبب قبلة "وهمية" في فيلم "الماضي المجهول. ورغم إفراطه في تقديم القبلات في أفلامه إلا إن الراحل محمد فوزي حذر المخرج عز الدين ذو الفقار من توريط زوجته مديحة يسري في تقديم أية قبلات في فيلم "إني راحلة" وهدده بمقاطعته إلى الأبد. ورغم انفتاح الملحن الراحل بليغ حمدي إلا إنه كان يرفض تمامًا أن تقدم زوجته المطربة الجزائرية وردة مشاهد خادشة أو ساخنة، وكان يرافقها إلى مواقع التصوير للتأكد بنفسه!
 
والأكثر إدهاشًا هو أن فنانات مثل: سهير رمزي ونبيلة عبيد، أعلنَّ ندمهن على تقديم قبلات ومشاهد ساخنة، وأجمعن على أنها لم تكن مبررة ولا منطقية ولا تخدم سياقًا درامية، وإنما كانت أغراضها تجارية بحتة!
 
إذن.. لا يوجد ما يبرر الهجمة التترية التي يتعرض لها كل من يبدي اعتراضًا أو احتجاجًا على تقديم مثل هذه النوعية من المشاهد؛ لأسباب ثالثة، أولها: أنه تبين للقاصي والداني خرافة الضرورة الدرامية ووهميتها وأسطوريتها، فما أكثر الأفلام السينمائية التي حققت تجاحًا فنيًا وتجاريًا كبيرين، دون أن تتضمن مشهدًا ساخنًا أو لفظًا خارجًا، والثاني: أن كل فنان/فنانة حر فيما يقدم، دون أن يفرض رأيه على غيره أو يصمه بما ليس فيه أو يلجأ إلى تجريسه على منصات التواصل الاجتماعي. والسبب الثالث: حالة الشيزوفرينيا التي تتلبس الفنانين الذين يقبلون بـ"شهية مفتوحة" على تقديم هذه المشاهد، في الوقت الذي يتقمصون فيه شخصية "سي السيد" في حياتهم الخاصة!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق