على الأصل دوّر.. فانوس رمضان صناعة فاطمية

السبت، 10 أبريل 2021 08:00 م
على الأصل دوّر.. فانوس رمضان صناعة فاطمية
فانوس رمضان
إسلام ناجى

بدأ فى الظهور مع خروج أهل القاهرة لاستقبال المعز لدين الله.. تراوح سعره فى الخمسينيات والستينيات بين 3 قروش و60 قرشا.. وفى 2021 وصل سعره إلى ألف جنيه 
 
«وحوى يا وحوى»، بهذه الكلمات الرنانة اعتاد الأطفال استقبال شهر رمضان الكريم، لا يعرف أحدهم معناها أو أصلها أو حتى صاحبها، لكنهم اتفقوا- بلا اتفاق- على أن تكون رمزا لشهر الخير والبركة، وبالفعل تغنى بها الأطفال منذ عشرات السنين فى البيوت والشوارع والحارات، حاملين فوانيسهم المضيئة، التى ارتبطت هى الأخرى بشهر الصيام فى مصر قبل غيرها من الدول العربية.
 
ويرجع البعض استخدام الفانوس فى رمضان للعصر الفاطمى المعروف بثراء مظاهره الاحتفالية، عندما خرج المعز لدين الله الفاطمى من المغرب، قاصدا مصر مع أسرته، فى السابع من رمضان عام 350 هجرية، بعد أن بنى جوهر الصقلى القاهرة والقصر الكبير، وكان دخول المعز مصر ليلا فى موكب كبير، فخرج إليه الأهالى لاستقباله حاملين الشموع لإنارة الطريق الذى يسير فيه الخليفة إلى قصره ترحيبا بقدومه، وصنعوا لشموعهم إطارا من الجريد والجلد الرقيق، ووضعوها فوق قاعدة خشبية، فكانت النواة الأولى لصنع الفانوس.
 
ويقول البعض الآخر، إن الخليفة الفاطمى اعتاد الخروج إلى الشارع لرؤية هلال رمضان، وكان الصغار يخرجون معه يحمل كل منهم فانوسا ملونا ليضيئوا الطريق، بينما يقول آخرون إن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يضىء شوارع القاهرة طوال ليالى رمضان، فأمر بتعليق الفوانيس المضاءة بالشموع على المساجد، وأخيرا يقولون إن الحاكم بأمر الله منع خروج النساء من بيوتهن إلا فى ليالى رمضان للتزاور أو الصلاة فى المساجد، فكان يسير طفل يحمل فانوسا أمام كل امرأة لينبه الرجال، فيفسحون لها، ويغضون من أبصارهم تجاهها.
 
ورغم اختلاف الروايات، إلا أن النهاية واحدة، وهى أن العصر الفاطمى هو العصر الذى ظهر فيه الفانوس فى مصر، وارتبط بشهر رمضان، فأصبح كل منهما يرمز إلى الآخر، فمع اقتراب الشهر الكريم يشترى كل رب أسرة الفوانيس لأطفاله، ويعبر كل حبيب أو خاطب عن حبه بشراء الفانوس مع المصحف أو «بوكس رمضان» كما يطلق عليه الآن، وأصبح الأمر عادة لا يمكن تجاوزها أو التغاضى عنها، وكأنه لا يكون رمضان بدون الفانوس.
 
ومع بداية شهر شعبان، تفترش الشوارع بشوادر الفوانيس بأشكالها وأنواعها وألوانها المتنوعة، وتختلف أسعارها حسب الخامات والشغل المعمول بها، وإن كانت إنتاجا محليا أو مستوردة، فتبدأ أسعار الفانوس محلى الصنع، من 40 وتصل إلى 90 جنيها، بينما تتراوح أسعار الفانوس الصاج بين 15 جنيها و750 جنيها لأكبر الأنواع، فيما تبدأ أسعار الفانوس المصرى الخشب من 20 جنيها حتى 75 جنيها.
 
وتبدأ أسعار الفانوس المستورد من 50 جنيها، وتصل إلى 1000 جنيه، والفوانيس الـ«فورجيه» يبدأ سعرها من 35 جنيها ويصل حتى 650 جنيها، والفانوس الخشب من 15 وحتى 120 جنيها، ويتراوح سعر الفانوس الخرز بين 60 و150 جنيها، وتبدأ أسعار الفانوس الزينة من 20 جنيها، وقد تصل إلى 300 جنيه، ويتراوح سعر الفانوس اللعبة المضىء البلاستيك الجملة بين 15 و50 جنيها.
 
وتتنوع أشكال زينة رمضان وتتفاوت أسعارها، وتستخدم كديكور للترحيب بالشهر الكريم فى المقاهى والمحلات والبيوت، فعربات الفول، والإبريق، ومدفع رمضان، وصانع الكنافة، المصنوعة من قماش الخيامية سعرها يبدأ من 70 جنيها حتى 250 جنيها، فيما تتراوح أسعار المفارش والستائر والقصاصات الخيامية بين 20 جنيها حتى 150 جنيها.
 
وتعد الفوانيس الصاج هى الأكثر شهرة فى الشارع المصرى، ويأتى ذلك لأنها طويلة العمر وتتحمل، ومنها «فانوس الخماسى والبرج» بألوانها النحاسية المطعمة بالزجاج الملون، و«الفانوس البرلمانى» والذى سمى بذلك نسبة إلى فانوس مشابه كان معلقا فى قاعة البرلمان المصرى فى الثلاثينات من القرن الماضى.
 
وكان ثمن فانوس رمضان فى الخمسينيات والستينيات، يتراوح  بين 3 قروش و60 قرشا، وكانت صناعة محلية يتفنن الصانع فى إعدادها، وكان لكل شكل اسم معين، وحرص الصانع على تسجيل اسمه على كبيرة الحجم منها، فمنها ما كان مكتوبا عليه كمال أو طه أو الشيخ على أو عبدالعزيز.
 
وكما تنوعت أشكال الفوانيس حاليا، وتأثرت بالأحداث و«التريند» خرجت لنا على شكل محمد صلاح أو المفتش كرومبو، كذلك كان للأحداث قديما تأثير كبير على شكل فانوس رمضان، فقد انطبعت مشاعره بأحداث العدوان الثلاثى فخرجت لنا فوانيس على شكل دبابة وطائرة، وأخرى أكثر طولا سُميت «صاروخ»، وأخرى سُميت «علامة النصر».
 
ويبدأ العمل على فوانيس رمضان المحلية قبل حلول الشهر الكريم بثلاثة أو أربعة أشهر فى أحياء الدرب الأحمر، وبركة الفيل، وشارع السد بالسيدة زينب، ويمكن للصانع أن ينتج من 40 إلى 50 فانوسا فى اليوم الواحد، ويتم إرسال الفوانيس إلى شارع تحت الربع، فتتزين معظم المحلات بمختلف أشكال الفوانيس وأنواعها وألوانها، وأشهر تجارها أولاد أبوالعدب والحاج محمد شتا، ومن هناك يتم توزيعها على المحال فى القاهرة، خاصة فى الأحياء الشعبية، كما تم افتتاح ما بين 3 إلى 4 مصانع محلية، تستورد الشكل الخارجى للفانوس وآلة النغمة والبطاريات من الصين، وتجمعها فى مصر.
 
ومؤخرا سيطر الفانوس الصينى الرخيص فاقد الهوية الدينية، على الشارع المصرى، مهددا عرض الفانوس التقليدى المحلى، فخرجت لنا فوانيس على شكل المطربين والمشاهير والكارتون، تغنى ما لاعلاقة له بالشهر الكريم أساسآ، فنجد «سبونج بوب» والطيور الغاضبة بدلا من شكل الفانوس المتعارف عليه، كما اقتحمت شخصيات فنانيس السوق لتثبت نفسها وبقوة كعلامة للشهر المبارك كبوجى وطمطم وعم شكشك.
 
وللعام الثانى على التوالى، تأثرت صناعة الفوانيس فى مصر بشكل كبير بسبب انتشار فيروس كورونا، ما أدى إلى تراجع معدلات الإنتاج والتوزيع، حتى أن بعض التجار يأملون فى تصريف منتجات العام الماضى التى لا تزال معظمها باقية.
 
إلا أن فى الوقت الذى بدأ فيه التجار فى عرض المنتجات الرمضانية سواء الفوانيس أو الزينة، تشير بعض التقارير، إلى أن العام الجارى شهد فقط تصنيع ثلاثين بالمائة من حجم الإنتاج السنوى من الفوانيس، لأن المخزون لا يزال فائضا من العام الماضى بنسبة 70 بالمئة تقريبا، خاصة أن شهر رمضان من العام الماضى، جاء خلال فترة الحظر، وتوقفت حركة البيع والشراء بشكل كبير. 
 
ومن المتعارف عليه، أن فوانيس رمضان صناعة مصرية مائة بالمائة، بعد توقف الاستيراد بقرار حكومى، لاعتبارها منتجا يندرج تحت بند «التراث»، حتى خامات التصنيع المرتبطة برمضان، لكن هناك بعض الألعاب العادية يتم استيرادها، ثم يتم لاحقا فى المصانع المصرية تحويل الأغانى الموجودة بها إلى أغان رمضانية، على غرار «وحوى يا وحوى» و«رمضان جانا» وغيرهما، وذلك بتغيير الاسطوانة لتتلاءم مع أجواء رمضان.
 
ويأمل التجار والصناع، أن ينجح موسم فانوس رمضان هذا العام بعد أن تكبدوا خسائر كبيرة العام الماضى، بسبب جائحة فيروس كورونا، لأن ذلك سيكون مؤشرا على التعافى ونجاح المواسم المقبلة، سواء لعب الأطفال أو غيرها، لأن المواسم تُسلم بعضها البعض، على حد قولهم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق