«موكب المومياوات الملكية» وأصحاب القلوب المريضة

الأحد، 11 أبريل 2021 10:00 ص
«موكب المومياوات الملكية» وأصحاب القلوب المريضة
أيمن عبدالتواب

بينما كانت أنظار العالم تتجه صوب مصر أم الدنيا، لمتابعة الاحتفال العالمى بنقل المومياوات الملكية إلى المتحف القومى للحضارة بالفسطاط، ظهر بعض الذين فى قلوبهم مرض، وفى نفوسهم غرض، والذين لم يجدوا عيبا فى الورد، فاتهموه بأنه «أحمر الخدين»! وفوق هذا وذاك، شاهدنا وسمعنا أصوات الجهلة والمتشددين، والتكفيريين، الذين تسببوا فى إثارة حالة من الجدل بين مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى، وخاصة «فيسبوك وتويتر»، معتبرين أن لـ«المومياوات» حُرمة كحرمة نقل الموتى بصفة عامة، ولا يجوز نقل «جثث الموتى» والاحتفال بهم، وعرضهم لـ«الفرجة» عليهم مقابل الحصول على المال، بل لا يجوز الاحتفال بحضارة «الفراعين»، كما يسمونها!
عبد الله رشدى.. فيها حاجة وحشة!
هذه الحملة تزعمها الجهول المتشدد عبد الله رشدى، الذى تبرأ منه الأزهر، بينما يلقبه بعض أتباعه بـ«أسد الدعوة»، والمدافع عن الدين والعقيدة الإسلامية، فعلى حسابه الشخصى بموقع «فيسبوك» هاجم رشدى الاحتفاء والاحتفال بنقل المومياوات الملكية، والتغنى بحضارة أجدادنا المصريين القدماء، قائلا: «‏فرحانين بحضارة سبعة آلاف سنة.. فرحانين بعراقة تاريخنا.. بس ده مش هيغير من هويتنا شىء..هويتنا العربية.. هويتنا الإسلامية.. فأنا فخور بوطنى.. فخور بعراقة تاريخى.. مستمسك بعروبتى وإسلامى.. ‏يعنى لن نترك تاريخنا بلا عناية ولكننا لن ننفصل عن هويتنا بحالٍ من الأحوال، وإذا غضب بعضهم فمعلش»!
وفى منشور آخر قال: «هى مصرُ العربيةُ الإسلاميةُ.. هذه هويتنا.. شاء من شاء وأبى من أبى»!
فالجهل الذى يرفل فيه عبدالله رشدى وأمثاله، جعلهم يتوهمون أن الاحتفال بحضارة وآثار المصريين القدماء، معناه تغيير هويتنا، وعدم الفخر بديننا «المسيحى والإسلامى»، والتبرؤ من كل ما هو عربى، ناسين أو متناسين أن هويتنا المصرية مكونة من روافد شتى، وهى نتاج تاريخ مصر الممتد وجغرافيتها الخاصة، فالشخصية المصرية تكونت عبر تراكم حقب تاريخية، كان أهمها تأثيرا الفرعونية واليونانية والرومانية والمسيحية والإسلامية والعربية، فكل حقبة من هذه الحقبات مهدت وشكلت وصنعت حالة تواصل حضارى بين الحقب، فالهوية تتعلق بالماضى والحاضر والمستقبل، ولا يمكن فصل أى منها عن الآخر، وأى إغفال لمكون من مكونات الهوية المصرية لن يخدم سوى المتشددين. 
وجدى غنيم.. والمومياوات الكفرة!
أما آلة التكفير الإخوانية، وجدى غنيم، فقد ركب الترند هو الآخر، واستغل حفل نقل المومياوات الملكية، وراح يهاجم الدولة المصرية. فمن خلال مقطع فيديو بثه على موقع يوتيوب، تساءل غنيم: «إزاى مصر تنقل الموتى وتخرجهم من قبورهم؟ وكيف نظهر شعرهم؟ بالإضافة إلى أن المومياوات لأشخاص كافرين من أجل تحقيق أموال من وراء عرضهم»!
هذه التساؤلات تكشف عن جهل وغباء وجدى غنيم، فالرجل ترك كل شىء وركز على شعر الملكة «تى»، على اعتبار أن شعر المرأة عورة، ولا يصح ان يظهر مكشوفا دون غطاء أو حجاب! فإذا كان ملوك مصر القدماء «كفارا» كما يدعى هذا الغنيم، فبأى وجه يستنكر ظهور شعرها؟ 
كلام وجدى غنيم عن المومياوات، يكشف لنا عن نظرة تنظيم الإخوان الإرهابى إلى التاريخ المصرى القديم، فهم يرونه كفرا، وهى وجهة نظرهم للفكر والثقافة والحضارة، فهم يرون أن الآثار حرام، والتماثيل أصنام، والفن هرطقة وشرك!
ولعلنا نتذكر قبل ثورة 30 يونيو، دعوات المتشددين الخارجين من عباءة الإخوان، أمثال عبدالمنعم الشحات، بتغطية التماثيل، وإغلاق المتاحف، لأنها تعرض «أوثانا» وتحرض على الشرك بالله!
الإفتاء ومتاحف المومياوات
ليس هناك أبلغ من رد دار الإفتاء على وجدى غنيم وأمثاله،فقد أصدرت الدار فتوى، من خلال صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، بأنه يجوز إقامة المتاحف لعرض المومياوات بها: «إن إقامة الهيئات المختصة للمتاحف أمر ضرورى فى عصرنا الحاضر، لأنَّها الوسيلة العلمية الصحيحة والوحيدة لحفظ آثار ومومياوات الأمم والحضارات السابقة وتهيئتها للدارسين، وهذا الأمر سبيله التنقيب عن الآثار، وهو لا يتعارض شرعا مع حرمة الميت».
وأضافت الإفتاء أن الأصل فى عملية التنقيب عن الآثار أن يقوم به فريق مُتخصِّص ومُدَرَّب على ذلك، ويكون بعلم الجهات المختصة، ويراعى فى عملية التنقيب كل أنواع الاحترام الإكرام لجسد المومياء، حيث يتم إخراج تلك المومياوات من قبورها بشكل دقيقٍ؛ ليتم الحفاظ عليها، وحمايتها فى المتاحف لدراستها وعَرْضها، وليس الأمر كما يفعل لصوص المقابر من نَبْش القبور وسرقة ما فيها فضلا عن انتهاك حُرْمة الموتى دون مراعاةٍ لكرامة صاحب القبر.
من جانبه، قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إنه لا توجد حرمة فى الدين الإسلامى فى نقل المومياوات من متحف التحرير إلى المتحف القومى للحضارة بالفسطاط، وذلك لأن الهدف منه ترويج السياحة وزيادة الدخل من خلال تسويق الآثار المصرية وإبراز لدول العالم أجمع بأن مصر بلد الأمن والآمان.
وأضاف كريمة فى تصريحات صحفية أن من يدعى حرمة نقل المومياوات، هم مجموعة من المتشددين والسلفيين، الذين لا تناسب أفكارهم مع هذا العصر الذى نعيش به فى الوقت الحالى، قائلا: «مينفعش نسمع للسلفيين والمتشددين لأن آراءهم لا تتناسب مع الزمان والمكان الذى نعيش به، دول شوية جهلة».
دكتور حسنى.. حسنى دكتورى
وإذا كانت محاولات «تشويه» الاحتفال بنقل المومياوات الملكية، «مقبولة» من قبل الإخوان الإرهابيين، باعتبارهم جهلة، وليس على الإخوان حرج، فمن المؤسف ان نرى أكاديميا معروفا، ومفكرا سياسيا بارزا، يسقط فى الوحل، ويكتب مقالا طويلا يدس فيه السم فى العسل، ويروج لأكاذيب لم يشهدها الاحتفال.
فتحت عنوان «رحلة بين متحفين» كتب أحد النشطاء السياسيين مقالا، على حسابه بموقع فيسبوك، أشاد فيه بالجوانب التنظيمية والإبداعية والفنية التى امتازت بها هذه الاحتفالية، لكنه وقع فى «الدونية» وسقط فى الكذب، حين قال إن الشركة التى نظمت الحفل شركة أجنبية، ومخرج الاحتفالية سويسرى الجنسية، وأن كل ما يتعلق بالملابس، والإضاءة، والموسيقى، والغناء، وتصميم الشعارات وعربات نقل المومياوات، والانضباط، وتحريك الجموع «كان تحت إشراف أجانب».
 
ولو كان الناشط أتعب نفسه قليلا، لعلم أن مخرج الاحتفالية مصرى اسمه عمرو عزيز، وأن موسيقى الحفل من تأليف الموسيقار المصرى هشام نزيه، وأن قائد أوكسترا الحفل المايسترو المصرى العالمى نادر عباسى، ومدير التصوير هو المصرى أحمد المرسى، وأن الاستعانة بعنصر أجنبى لا يعنى بخس المبدعين المصريين حقهم.
 
كما أن الدكتور الناشط أراد أن يلوى ذراع الاحتفالية، وراح يخرجها من إطارها، ويوظفها توظيفا سياسيا، كنوع من الانتقاد المبطن للنظام، أو الانتقام منه، إلا أن ردود معظم المعلقين على المقال هاجمت الدكتور الناشط، ومنهم مَن وصفه بأنه «يجلس فى برج عاجى وينفصل عن الواقع».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق