تعظيم سلام للدبلوماسية المصرية

السبت، 22 مايو 2021 07:00 م
تعظيم سلام للدبلوماسية المصرية
محمود على

نجحت مصر في حلحلة أزمات دمشق والقدس وطرابلس والخرطوم وجوبا

ساعدت ليبيا في تخطي أزماتها ووضعت حلول سياسية لملفات الشرق الأوسط

واجهت أفكار الجماعات المتطرفة في المنطقة وعقدت تحالفات دولية للحفاظ على عمقها الاستراتيجي   

 

تكشف مواقف مصر وتحركاتها تجاه تطورات الأحداث في المنطقة والقضايا الإسلامية والإفريقية، مدى ثقل الدولة على الصعيد الإقليمي والدولي في الوقت الراهن، حيث استعادت القاهرة الكثير من قوتها الخارجية بعد سنوات من التراجع، نتيجة انشغالها بالأزمات الداخلية ومن نتج عن ما يعرف بثورات الربيع العربي، لتصبح الدولة المصرية الآن الواجهة الرئيسية التي من خلالها تحل جميع القضايا والملفات العالقة بمنطقة الشرق الأوسط.

أعوام عاشت فيها المنطقة أحداثا متسارعة بعد 2011، نتج عنها الكثير من الصراعات والخلافات ونشوب حروب ومطالبات بتقسيم الدول، انتشاراً للسلاح، زيادة لمعدلات الهجرة والجريمة المنظمة، حيث تشهد المنطقة الآن الكثير من المؤشرات التي كشفت أن مصير العالم العربي كان السقوط في فخ الفوضى وعدم الاستقرار قبل أن تنقذه أيادي مصر من براثن حكم الميليشيات والجماعات المسلحة والجماعات المتطرفة.

أعادت الدولة المصرية نتيجة رؤيتها، وحكمة قياداتها، التوازن إلى المنطقة، بفضل تحركاتها في ملفات محاربة الإرهاب، دعم الجيوش الوطنية، الحفاظ على سيادة الدول، ورفض التدخل الأجنبي، فضلا عن سياستها التي تركزت على الدفاع عن الحلول السياسية، وهو ما ساعد بشكل كبير على إعادة الروح والحياة الطبيعية للكثير من الدول التي تربطها ومصر علاقات تاريخية، وروابط جغرافية.

وتحولت القاهرة سريعاً في السنوات التي أعقبت هذه الفوضى من دولة تتخذ مواقفها بناء على مواقف دول أخرى، إلى طرفا إقليميا مهما ولاعبًا هامًا في جميع الملفات والقضايا والتحديات التي تواجه العالم العربي.

رغم مواجهة مصر تحديات كثيرة جراء ما شهدته الدولة من أحداث خلال العقد الماضي، كانت مصر وقيادتها قادرة على وضع حد للمطامع التي كانت جماعات الإسلام السياسى أداة لتنفيذها، فبخلاف الإطاحة بجماعة الإخوان التي اتخذت من الدين ستارا  من المشهد، اتخذت الدولة سياسات أدت إلى إعادة تمركزها الإقليمي في المنطقة بأكملها.

واستطاعت الدولة تُحقيق المعادلة بنجاحها في تحقيق التوازن مواجهة تحديات الداخل والبدء في آلية جديدة وواضحة لإعادة توزانها وعلاقتها بالعالم الخارجي.

 ومع رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أكد منذ توليه المسؤولية على أهمية ملف السياسة الخارجية لمصر باعتباره يمثل ظهير قوي لعودة الدولة لدورها الإقليمي، كانت للإدارة المصرية تحركات نشطة وذلك من خلال الاهتمام الكبير بالبعد العربي والإفريقي في المقام الأول ومن ثم البعد الدولي، مولية كل تركيزها على صياغة العلاقات المصرية على أساس متوازن مع جميع دول العالم.

وفي خطاب التنصيب في يونيو عام 2014، حدد الرئيس السيسي الكثير من أوليات سياساته الخارجية بالتأكيد على أن الدولة لديها الكثير من المقومات التي بموجبها يجب أن تكون أكثر انفتاحا على علاقاتها الدولية.

وبدأت سياسة مصر الخارجية في الاتضاح أكثر بتبنيها التعاون مع الدول الصديقة وفتح مجال لتعزيز العلاقات مع الدول الأخرى بناء على تحقيق مصالح الشعب المصري، لتحصل بعدها على عضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي لعامي 2016 – 2017، ويتم اختيارها لتكون رئيسة للاتحاد الإفريقي في عام 2019، إلى جانب مشاركتها الفاعلة والفعالة في عمليات حفظ السلام الأمن والسلم الدوليين وتحقيق استقرار  شعوب العالم.

كل ذلك ساعد على قدرة الدولة المصرية لبذل أقصى جهود لحل القضايا الإقليمية، معتمدة على رؤيتها الثاقبة التي أعادت للمنطقة العربية توازنها بعد الكثير من الانحرافات، وأثبتت أن الدولة المصرية تتعافي بنجاحها في عدد من الملفات الدولية، وكان من أبرزها ملف مكافحة الإرهاب في الإقليم، والحفاظ على الأمن القومي العربي، وضع حد لأزمة اللاجئين وانتشار السلاح النووي، حيث كانت لها الكثير من المداخلات إذا كان في الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو مجلس التعاون الإسلامي التي كشفت عن رؤيتها في هذه الملفات.

وأكد الرئيس عبد الفتاح منذ تنصيبه رئيسا لمصر على أهمية الأمن القومي العربي بالنسبة لمصر، وانطلاقا من هذه التأكيدات استعادت علاقاتها الوطيدة بدول الخليج العربي، رغم ما مرت من حالة من فتور ما قبل حكم الرئيس السيسي، مساعدة هذه العلاقات على وضع حلول عديدة لقضايا الشرق الأوسط، وهو ما ظهر في التنسيق بين مصر والخليج في إنشاء التحالف العربي لمكافحة الإرهاب ذلك الملف الذي وحد الرؤى لحماية المنطقة من آثاره وسلبياته.

في الملف السوري، تحركت مصر وفقا لثوابتها التي أكدت عليها مرارا وتكرارًا برفضها التدخل الخارجي والانخراط في أي صراع عسكري بشكل مباشر، معلنة دعمها لكافة الجهود المبذولة من أجل حماية المدنيين، والحفاظ على وحدة البلاد وحماية المؤسسات السورية، والدعوة إلى مفاوضات جادة وصريحة من أجل حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية والسياسية.

وتقول الهيئة العامة للاستعلامات إن مصر تمتلك من القوة والمكانة والموقع الجغرافي والدور التاريخي ما يمكنها من لعب دور رئيسي تجاه الأزمة السورية نابع من التزامها التاريخي بسلامة الأمن القومي العربي، فالامن القومى المصرى واستقراره يبدأ من سوريا.

 ودعت مصر في كل مناسبة متعلقة بالأزمة السورية، إذا كان بالمشاركة في مؤتمرات دولية أو عند لقاءات الرئيس السيسي بقادة الدول إلى خروج كافة الميليشيات المسلحة المتواجدة على الأراضي السورية باعتبارها خطوة مهمة نحو القضاء على التنظيمات الإرهابية وذرائعها في التواجد بسوريا.

الرؤية المصرية الواضحة تجاه الملف السوري مبنية على بذل كل ما في وسع القاهرة لإيجاد حل سياسي عسكريا، للحفاظ على الدولة السورية ووحدة أراضيها  وتفعيل مؤسسات الدولة.

ومن هنا كانت القاهرة راعية العديد من اتفاقات المصالحة السياسة في سوريا كخطوة يمكن البناء عليها من أجل تسوية شاملة.

ففي عام 2017 كانت القاهرة على موعد من نجاح دبلوماسييها في الوساطة بين الأطراف السورية، حيث وقعت اتفاقات هدن في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ،أدت الى وقف الأعمال القتالية والعدائية والسماح بوجود ممرات أمنة وإدخال المساعدات والمعونات الإنسانية من قبل هيئات دولية.

فيما استضافت القاهرة في ذات العام العديد من مؤتمرات المعارضة السورية، وعقدت مجموعة من الاجتماعات التشاورية لعدد من القوى السياسية والقبائل المقيمة في مناطق الشرق السوري، كما رعت في ذلك الوقت اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب العاصمة دمشق.

وخلال الأعوام الماضية رعت القاهرة عددا من اتفاقات المصالحة بين المعارضة والحكومة السورية نصت على وقف إطلاق النار، ومشاركة الفصائل في محاربة الإرهاب، ودعم الاستقرار في مناطقها عبر تشكيل قوة أمنية من أهالي المناطق التي يشملها الاتفاق، على أن يتم ذلك برعاية النظام، وضمان العودة الآمنة للنازحين واللاجئين إلى ديارهم وأراضيهم، والإفراج عن المعتقلين.   

ورحب الرئيس السيسي، خلال كلمته الرسمية في الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2019،  بالإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية في سوريا، مطالبًا ببدء عملها بشكل فوري ودون إبطاء، كخطوة ضرورية نحو التوصل لتسوية سياسية شاملة، وفقـا لقرار مجلس الأمن رقم (2254)، وبما يحقق وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية وسلامة مؤسساتـها، ووقف نزيف الدم، والقضاء التام على الإرهاب، كما  أكد على ان الحل السياسي في سوريا، بات ضرورة ملحة لا تحتمل المزيد من ضياع الوقت، والاستمرار في الحلقة المفرغة، التي تعيشها سـوريا منذ سنوات.

وتستمر القاهرة في مساعيها لإعادة الاستقرار إلى سوريا، ووضع حد لأزماتها الداخلية، حيث يناقش للرئيس السيسي بصورة مستمرة مع زعماء وقادة الدول الملف السوري، مؤكدا على ضرورة الحفاظ على السيادة السورية والبحث عن حل سياسي بعيدا عن أي أعمال عسكرية

في الملف الليبي كانت مصر حاضرة وبقوة، استنادا إلى الروابط الجغرافية وما يربط ليبيا بمصر من حدود لا تقل عن 1200 كيلو متر، لذلك استخدمت كل قوتها لتكون راعي للسلام بين الليبيين وبشهادة عدد من المسئولين في ليبيا كان لها دورًا فاعلًا في إجراء عدد من المفاوضات والمباحثات بالقاهرة التي جمعت بين جيمع الأطراف الليبية لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية ودمج المؤسسات الاقتصادية.

ورغم ما شهدته ليبيا من تعقيدات سياسية وعسكرية، جعلت من الأزمة تحديا رئيسيا لمصر في تعاملها مع قضايا الأمن القومي، حيث انتشر في ليبيا وتحديدا غربها السلاح وسيطرت مجموعات متشددة على صنع القرار، إلا أن القاهرة نجحت في وضع خطوط أدت إلى إعادة ترتيب الملف الليبي، ونجحت على أساسها طرابلس في اختيار سلطة تنفيذية جديدة مكونة من مجلس رئاسي وحكومة وطنية مهامهما الرئيس الإشراف على الانتخابات في ديسمبر المقبل.

 وتدعو مصر منذ اندلاع الأزمة الليبية، إلى ضرورة المقاربة الشاملة من خلال التعاطي مع جميع أبعادها السياسية غير مكتفية بالبعد الأمني والعسكري،  منادية بوضوح بتسوية بعيدة عن التدخلات الأجنبية الهادفة إلى الهيمنة على مقدّرات الشعب الليبي.

ومن هنا تحركت القاهرة منذ بداية العام الماضي في الكثير من المحطات، لاسيما مع اتساع المعارك العسكرية على الأرض الليببة، حيث اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي بأعضاء مجلس الأمن القومي في يناير  2020، لبحث التطورات المتصلة بالأزمة الليبية، والتهديدات الناشئة عن التدخل العسكري الخارجي في ليبيا، محددا مجموعة من الإجراءات على مختلف الأصعدة للتصدي لأي تهديد للأمن القومي المصري.

كما شاركت مصر في عدد من المؤتمرات الدولية الخاصة بالأزمة الليبية، على رأسها مشاركة الرئيس السيسي في فعاليات قمة مؤتمر برلين حول ليبيا حيث أكد الرئيس خلالها أنه لا سبيل لتسوية الأزمة إلا من خلال حل شامل يتناول كافة أبعاد القضية من خلال مسارات واضحة ومحددة، سياسية، وأمنية، واقتصادية، مع صياغة آلية واضحة تحظي بالتوافق والإرادة لتنفيذ ما تتضمنه تلك المسارات.

فضلا عن ذلك أطلقت القاهرة الكثير من المبادرات السياسية الخاصة بالأزمة الليبية والتي أدت إلى هدوء الوضع هناك، حيث أطلقت القاهرة في يونيو الماضي إعلان القاهرة الذي تم على أساس مبادرة ليبية ليبية لإنهاء الأزمة والوصول إلى تسوية سلمية تتضمن وحدة وسلامة المؤسسات الوطنية وعودة ليبيا بقوة إلى المجتمع الدولي .

ولاقت المبادرة المصرية ترحيباً عالميا كبيرا، خاصة من الدول الكبرى، لتبدأ مصر بتحركات سياسية، متواصلة مع كافة القوى من أجل إعطاء مبادرتها  قوة دفع وزخم، وبالفعل انعكست كافة هذه الخطوات والتحركات على الملف الليبي، ونجحت في الدفع إلى  المجلس الرئاسي ومجلس النواب في ليبيا بيانات داعية إلى وقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية باعتبار ذلك خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية وطموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار في ليبيا وحفظ مقدرات شعبها، حتى رعت الأمم المتحدة ملتقى الحوار السياسي الليبي واجتماعات اللجنة العسكرية التي عقدت في مصر وهو ما أدى في النهاية إلى الاتفاق على اختيار سلطة جديدة مؤقتة ترعى الاستحقاقات القادمة.

وفي الملف الفلسطيني، كانت القضية المركزية الأولى للعرب حاضرة في قلب مصر، حيث التأكيد على التزام التاريخي بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، داعمة جميع التحركات والمبادرات العربية والدولية التي من شأنها حلّ القضية الفلسطينية وتحقيق السلام في الشرق الأوسط على أسس عادلة، رافضة كل المساعى التي من شأنها أن تنتهك حقوق الدولة الفلسطينية.

وتعد القضية الفلسطينية بالنسبة للقاهرة الأكثر مركزية من بين قضايا الشرق الأوسط، لما لها من ارتباط دائم وثابت تحدده اعتبارات الأمن القومي المصري، لذلك تأتي القضية الفلسطينية علي رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية في وقتنا الراهن، وهو ما دفع الرئيس السيسي مؤخرا إلى التأكيد على ضرورة وقف العنف في الأراضي الفلسطينية واحتواء التصعيد الخطير هناك، الذي أدى إلى تفاقم الوضع الإنسانى والمعيشي داخل قطاع غزة، بالإضافة الى تداعياته السلبية على السلم والأمن الإقليميين.

ويبدو واضحا من رسم الرؤية المصرية تجاه القضية الفلسطينية أن الموقف المصري لم يخضع ابدا لحسابات مصالح آنية، ولم يكن أبدا ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، وهو ما أظهرته قرارات أخرى للرئيس السيسي بالتزامن مع الأزمة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة، حيث أعلن الرئيس  عن تقديم مصر مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة مصرية تخصص لصالح عملية إعادة الإعمار فى قطاع غزة نتيجة الأحداث الأخيرة، مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك فى تنفيذ عملية إعادة الإعمار.

ومن القضية الفلسطينية إلى قضيتا السودان وجنوب السودان، حيث أولت مصر أهمية قصوى لهاتين الملفين، لما لهما من تأثير على أمن مصر القومي، وعمقها الذي يمتد حتى القرن الإفريقي.

ومن هنا يأتي أهمية حضور الرئيس السيسي مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، حيث أعطى رسالة قوية لدعم القاهرة للسودان، وسلطته الانتقالية لتحقيق الأهداف التي يطمح إليها الشعب السوداني، ومساعدة البلاد بتسوية الديون المتراكمة، وأكد الرئيس في هذا الشأن خلال كلمته بالمؤتمر على التزام مصر الراسخ بمواصلة دعم الأشقاء فى السودان لتحقيق الاستقرار والتنمية التى يستحقها الشعب السودانى، داعيًا جميع شركاء السودان لمواصلة دعم ومساندة الجهود السودانية".

كما تأتي، علاقات مصر مع جنوب السودان، وسعي القاهرة الدائم إلى استقرار هذه الدولة على رأس اهتمامات الخارجية المصرية، وهو ما انعكس على تبادل الزيارات بين قيادات الدولتين على مستوى عالٍ والاتفاق على مشروعات تعاون لصالح الشعبين.

وفي إطار دعم مصر لدولة جنوب السودان، ارسلت مصر أكبر قوة لقوات حفظ السلام الدولية بجنوب السودان، حرصًا على دعم استقرار الدولة، فيما تشارك القاهرة بعد دعم جوبا في خطواتها نحو الحلول السياسية ووقف الحرب، في تطوير المشروعات ودعم التنمية في جنوب السودان.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق