خرافة الفرقة الناجية من كورونا

الأحد، 30 مايو 2021 09:00 ص
 خرافة الفرقة الناجية من كورونا
حمدي عبد الرحيم

من العيب، التذكير بالبديهيات، ولكن في أزمنة كثرت فيها الفتن يصبح التذكير بالبديهيات فرض عين، ومن البديهيات التي تغيب عن بعضنا بدهية "اليد الواحدة لا تصفق"، ومنها أيضًا أن التجمعات البشرية مكونة في أساسها من شعب وحكومة، ولا يمكن لأحدهما النجاح دون الآخر ولا يمكن لأحدهما البناء بينما الآخر يهدم.

تلك البديهيات تفرض نفسها علينا عند الحديث عن وباء كورونا الذي يجتاح الكرة الأرضية من قرابة العامين.

بعضنا أو فلأكن صريحًا وأقول معظمنا يتعامل مع وباء قاتل، تعامل هؤلاء الذين تحدث عنهم حديث نبوي شريف.

تحدث رسولنا عن جماعة كانوا على سفر، وقبل صعودهم للسفينة أجروا قرعة بينهم، فربح فريق (بالقرعة) السكن في طابقها العلوي ورشحت القرعة الآخرين للسكن في الطابق السفلي.

من أين سيحصل سكان الطابق السفلي على الماء؟

يجب عليهم أن يصعدوا إلى الطابق العلوي لكي يجلبوا الماء، هنا يبدأ التحايل وخداع الذات والكذب على النفس.

لقد قالوا في أنفسهم: إن كثرة صعودنا لجلب الماء سيؤذي جيراننا الذين فوقنا، فماذا سيحدث لو خرقنا في نصيبنا خرقًا فجلبنا الماء ولم نؤذ من فوقنا؟

حديث هؤلاء هو آية من آيات التحايل والخداع والغش والتدليس، فلو تركوا لما أرادوا لهلك الجميع هم والذين فوقهم، لأن الماء سيندفع ويغرق السفينة بمن عليها، فما الواجب على الذين هم في الطابق العلوي؟

الواجب عليهم أن يمنعوا هؤلاء من خرق السفينة ولو بالقوة لكي ينجوا الجميع.

مع وباء كورونا يتصرف معظمنا تصرف ركاب السفينة، يظن بل يؤمن أنه لو خرق في نصيبه خرقًا فلن يؤذى أحدًا وسينجو الجميع!

وهذا الظن وذلك الإيمان هو وهم من الأوهام المميتة، فكلنا ركاب سفينة واحدة لا فرق بين وزير وخفير.

تقرر الحكومة ـ وهي أعلم بخفايا الأمورـ أمرًا فيبدأ التحايل ويظن البعض أنهم من الفرقة الناجية التي لا لن يقترب منها وباء كورونا.

فماذا تفعل الحكومة مع هؤلاء؟

بعد زيادة أعداد المصابين وزيادة أعداد حالات الوفاة قررت الحكومة فرض البسيط من القواعد الاحترازية، وهي قواعد غاية في البساطة إذا ما قارناها بالقواعد المفروضة في دول أخرى، كان من القواعد المفروضة تخفيف نشاط المقاهي والنوادي والمحلات، غير محلات البقالة والطعام، بحيث تغلق في التاسعة مساءً.

الإغلاق المبكر لبعض النشاطات معناه بكل بساطة، تحقيق خسارة مادية، ولكن الحكومة أمام خيارين أحلاهما مر، هل تترك الحبل على الغارب للجميع ولا تمنى بخسارة مادية، أم تتحمل الخسارة المادية في مقابل الحفاظ على الصحة العامة لجماهير الشعب؟

اختارت الحكومة الخيار الأول، وقالت إنها سترفع القيود بعد خمسة عشر يومًا من بدء تطبيقها، ولكن الذين يجب عليهم الالتزام بالقيود لم يلتزموا فعادت أعداد الإصابات والوفيات للزيادة، فمددت الحكومة فترة فرض القيود على النشاطات التي تعد بيئة حاضنة وخصبة لكورونا.

ما الحل الشافي والشامل والحاسم؟

الحل هو أن نصدق نحن المواطنين أن الكرة بين أقدامنا نحن وفي ملعبنا نحن، هل نريد الحفاظ على أرواحنا وبلدنا أو نريد التفريط فيهما جميعًا؟

الذي لا يلتزم بالقواعد الاحترازية ـ وما أبسطها ـ هو قنبلة موقوتة، سيصيب نفسه ويدمر غيره، وهو على خطأ قاتل عندما يظن أنه من الفرقة الناجية.

كل مستلزمات الإجراءات الاحترازية أصبحت متوفرة وتباع على الأرصفة من فرط كثرتها، فلا حجة لأحد في عدم الالتزام، لأن عاقبة الإهمال والتفريط أسوأ ألف مرة من عاقبة الأخذ بالأسباب.

إن الحكومةـ أي حكومة ـ هي مثل الأسد، فعلى مصاحب الأسد الاحتراز، فعندما يغضب الأسد فإنه يضرب بكل قوة، الحكومة الآن تناشد الجماهير الالتزام بقواعد بسيطة وسهلة، فإن نفد صبرها ولم تجد الاستجابة المرجوة فستقرر قرارات ستتعب الجميع، الملتزم وغير الملزم، فلماذا نضيق واسعًا ولماذا ندفع المسئولين إلى اتخاذ قرارات صعبة؟

نحن أحسن حالًا من دول كبرى، فلماذا لا نبني على ما حققناه من نجاح في مواجهة كورونا حتى نتخلص من هذا الوباء تخلصًا تامًا، أمامنا خطوات وليس أكثر فلماذا هذه الفوضى في الحفلات والتجمعات، والمعروف أن التجمعات هي البيئة الخصبة التي تتحالف مع الوباء ضدنا.

العقل ليس زينة فحسب بل هو مناط التكليف، والعقل يدعونا إلى تكذيب خرافة الفرقة الناجية من كورونا.

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق