رحل أيمن عبد التواب.. صنايعي الكتابة الذي هزم المرض والموت!

الأربعاء، 08 سبتمبر 2021 10:07 ص
رحل أيمن عبد التواب.. صنايعي الكتابة الذي هزم المرض والموت!
طلال رسلان يكتب:

تتهاوى الكلمات أمام جلال الموت، لا وصف يصدق المشاعر عندما يتعلق الأمر بقريب أو صديق، فما بالكم بشخصية رجل سخر من الألم والمرض والموت.

نعم مثلما قرأتم.. إنها الحقيقة في وجهة نظري.. سخر أيمن عبد التواب من كل شيء وأي شيء، سخر حتى من المرض اللعين ومسح بكرامته الأرض أمامنا جميعا على مدار سنوات، لا أصدق أن المرض هو من سيطر عليه ونقل به إلى جوار ربه، أيمن هو من اختار الرحيل وليس المرض.

4 سنوات كاملة ونحن نرى كيف يتلاعب الرجل الصلب بالحياة ويعريها على حقيقتها. ألم لا يتوقف عن مهاجمة جسده وهو يخرج لسانه للدنيا والعيشة بكل براعة.

في كل مرة كان أيمن عبد التواب يدخل أزمة كنا على ثقة أنه سيهزمها، سيمر كما يمر بصلابة.. صبر ورضا وبهجة في أصعب لحظات مرضه وألمه.. وهكذا انتهت الأمور أمام أعيننا جميعا، كسب أيمن جميع الجولات مع المرض والألم، وكسب الموت جولة واحدة.

لم يمر أحد على أيمن عبد التواب في حياته، حتى ولو مرور الكرام، إلا وتعلم منه شيئا.. بالتأكيد ستقع تحت تأثير شخصيته من الوهلة الأولى، سيفرض عليك حب المنايفة، ولو نجوت من "قفشاته" وأسلوبه الساخر لن يفوتك سحر طيبة قلبه وبساطته وجدعنته وأصالته، وإذا نجوت من كل ذلك فلن تفلت من براعة قلمه وحلاوة أسلوبه، وخبرة غير عادية من أحد أولياء الكتابة الصالحين.

كان أول لقاء مع "كبير المنايفة"، كما كان يحب سماعها مني بنبرة تريقة معهودة بيننا، منذ 6 سنوات، حافلا بالأحداث والذكريات والاعترافات.. شخص تقابله أول مرة وتجلس معه نحو ثلاث ساعات كاملة تتحدثان في أمور شخصية، عن الحياة، والعيشة، واللي عايشنها، وعن الصحافة والكتابة وسحر القلم، وآلام المهنة وهمومها وعمره الذي أفناه في بلاط صاحبة الجلالة، ويا مولاي كما خلقتني، وبعد كل ذلك الوقت ألقى كلماته بالرحيل على طريقته "تصدق إنك طلعت راجل رغاي.. ومنوفي كمان قال يعني هي ناقصة".. لن تقبلها من أحد غير أيمن سيمررها إلى روحك بكل براعة، موهبة في أسر القلوب، لو قرأ مني الآن كلمة "أسر القلوب هذه" بالتأكيد سيكون رده بسخرية "اااه أنا واد سارق قلوب العذارى".   

أسرنا الأستاذ جميعا، وليس قلوب العذارى فقط، بفلسفته وأثر فينا في تعامله مع أقسى الأزمات، في المرض أو حتى مع الموت، إلى درجة صدقنا معها بالفعل أن ملك الموت لن يقدر على قبض روحه، كان قادرا بقليل من السخرية على تحويل أصعب المشاكل إلى لا شيء، في نفس ذات اللحظة.
 
كل موقف مع أيمن عبد التواب كان كفيلا بترك درس كبير، خبرة حياتية مجانية، وخبرة عملية في الصحافة والكتابة، وفيض من المحبة قادر أن يغمرك بالسعادة.
 
أتذكر تفاصيل حديثنا قبل دخولي غرفة العمليات لأول مرة في حياتي، وجدت اسمه حاضرا على شاشة الهاتف، ومن غير الأصيل سيسأل عنك ويقف في ظهرك وقت المرض !!، أخبرني أنه سيتلقى بعد قليل جرعة الكيماوي وأنه "هيعمل دماغ" وبالتأكيد هو لم يتصل بي ليطمئن على صحتي ويدعو لي أو يعرض علي سلفة بفائدة 20 في المائة، ولكن ليعرف إذا كان المستشفى "مليانة مزز" !!.. لأن الوضع عنده في المستشفى "ناشف تماما والمنايفة لبعضهم".
 
أتذكر نبرات صوته الذي بالكاد يخرج بصعوبة وهو يقول لي "ما تخافشي ياد هتبقى زي الفل وهتقوم بالسلامة.. مستنيك علشان نهزر مع بعض ونشوف هتنيل إيه مع البنج وفضايحه.. أمن نفسك ومشي مراتك من جنبك بسرعة.. واسأل مجرب"، يالا سخرية القدر يا أيمن.. كان يخفف عني وهو من يحتاج إلى كل دعوة مع كل نفس ليرحمه الله من وطأة جلسات الكيماوي اللعينة. 
 
يقول أيمن "الضحك سلاحي في الفرح والحزن. في صحتي ومرضي في حياتي وموتي"... ويضحك ساخرا.. موتي؟!! كيف يكون الضحك سلاحك عند الموت يا مولانا؟ فيجيب "لما الملايكة تشوفني بضحك الأسئلة هتيجي سهلة"، لم نبحث وراء كلامه لكن بالتأكيد فلسفته التي آمن بها نقلا عن السيدة والدته ستكون طريق نور أمام من عرفه أو قرب منه أو تعامل معه.

لخص الأستاذ فلسفته كاملة عندما كتب ذات مرة: كل شيء في حياتي كان، ولا يزال قابلًا للسخرية، امتحانات الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعة.. لم أعر أي شهادة اهتمامًا، كان الأستاذة يرون أن مستقبلاً «مظلمًا» معتمًا ينتظرني، رغم أنني كنت من أوائل الطلبة طول دراستي ما قبل الجامعة، والأول- دائمًا- على «الديسك بتاعي» طول سنوات الدراسة... لم أستسلم للمرض، أي مرض.. ليس شجاعة مني؛ بل تنفيذًا لتوجيهات أمي، ونصائح أمي، وفلسفة أمي. كل مرض يتلاشى أمام ضحكة مني، أمام طوفان سخريتي، إلى الدرجة التي أكاد أشفق على المرض من أنه تجرأ وزارني دون استئذان.. «المرض لا ينتصر على منوفي أصلي».

رحل عنا الأستاذ.. رحل صنايعي الكتابة الساخرة.. رحل الجدع ابن الأصول وترك لنا ميراثا من الإبداع ومئات المقالات والكتب، رحل ومنحنا الأمل والمحبة ومواقف محفورة في قلوبنا وحياتنا، رحل وأهدانا أعظم الدروس "إذا جاءك المرض والموت فاهزمهما بالسخرية والضحك"...

.... إلى جنة الخلد يا مولانا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق