يوسف أيوب يكتب: رسالة مصر للعالم.. الأهداف تتحقق بقوة المنطق وليس منطق القوة

السبت، 25 سبتمبر 2021 09:00 م
يوسف أيوب يكتب: رسالة مصر للعالم.. الأهداف تتحقق بقوة المنطق وليس منطق القوة

4 أهداف حددها الرئيس السيسى لتحقيق الأمن والاستقرار الدوليين:
- إعلاء مفهوم الدولة الوطنية الجامع الذى لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد ويحول دون التدخل فى الشئون العربية
- مواجهة الفكر التكفيرى والمتطرف يتطلب مقـاربـة شـــــاملة بتوافق دولى.. استقرار الشرق الأوسط مرتبط بحل عادل ودائم للقضية الفلسطينية  
- التوزيع العادل للقاحات كورونا وتخفيف أعباء الديون عن الدول النامية خاصة الإفريقية والدول متوسطة الدخل
- التمسك بالقانون في حل الخلافات وترسيخ مبدأ الاستخدام العادل والمنصف للموارد المائية المشتركة فى أحواض الأنهار الدولية
 
حالت جائحة كورونا دون مشاركة الكثير من قادة وزعماء العالم فى اعمال الدورة 76 للجمعية العامة للامم المتحدة، واستبدل القادة الحضور الشخصى فى نيويورك بمشاركات تليفزيونية، وضحوا خلالها رؤاهم تجاه القضايا الحالة وعلى رأسها التداعيات السلبية للجائحة التى كبدت الاقتصاد العالمى خسائر من الصعب احصائها.
 
وعلى مدار 7 سنوات بداية من 2013 وحتى 2019 كنت حاضرا لمتابعة المشاركة المصرية الفعالة فى الجمعية العامة، وكانت المشاركة الاولى للرئيس عبد الفتاح السيسى فى 2014 بمثابة بداية عهد جديد من النظرة المصرية للمجتمع الدولى، وايضا من الدول تجاه مصر، وجاءت كلمة الرئيس السيسى حينها معبرة عن الحالة الثورية التى كانت تعيشها مصر وقتها، ورسم خلالها صورة واضحة المعالم بشكل الدولة وقتها والحرب التى تخوضها لمواجهة تيار إرهابي اراد الاستئثار بالسلطة تحت غطاء الدين، فضلا عن بداية حرب جديدة وهى حرب التنمية لاستعادة الدولة التى كانت حينها فى مهب الريح.
 
وأشهد ان المشاركة المصرية فى 2014 كانت نقطة محورية فى تغيير نظرة العديد من دول العالم لمصر ورئيسها وقتها، خاصة أن القادة الذين التقاهم الرئيس السيسى خلال هذه المشاركة لمسوا فيه صدق الإرادة، وقوة الموقف، بالإضافة إلى الرغبة الحقيقية فى تغيير وجه مصر بالكامل سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا، وأن تكون مصر نقطة انطلاق لإرساء دعائم الامن والاستقرار فى منطقة مليئة بالتوترات.
 
ومن 2014 وحتى هذا 2019 كان للحضور للمصرى المميز فى نيويورك دور فاعل فى اثراء النقاش الدولى حول القضايا المطروحة على جدول النقاش العالمى، خاصة أن الرئيس السيسى كان يذهب إلى واشنطن حاملا معه مقترحات ومبادرات تستهدف الخروج من نفق الازمات الدولية والاقليمية.
 
ورغم أن كورونا حالت للعام الماضى وهذا العام دون حضور الرئيس السيسى اعمال الجمعية العامة فى نيويورك، لكن النشاط المصرى لم يتوقف، فعلى الارض عملت مصر طيلة الفترة الماضية على تأكيد اهمية دعم الامن والسلم الدوليين، من خلال تحركات مصرية نشيطة.
 
ومن خلال التعمق فى الكلمة التى القاها الرئيس السيسى الجمعية العامة هذا العام سيجد أنها جاءت معبرة عن النظرة المصرية للكثير من القضايا الدولية والاقليمية والمدعومة بطروحات للحل، مع الاشارة الى ما تشهده مصر حاليا من تغيرات جوهرية، وهى اشارة ذات مغزى، فمصر التى عانت لسنوات من مشاكل وازمات متراكمة، ها هى اليوم وعلى لسان رئيسها تتحدث امام العالم كله، كاشفة عن دولة وجمهورية جديدة لم يكن يدر بخلد احد أن يكون لها وجود فى دولة كانت اقرب الى الانهيار.
 
فها هو رئيس مصر يتحدث الى العالم عارضا ومشرحا للعديد من المشاكل الاقليمية والدولية، وعارضا مع هذا التشريح حلولا تأخذ فى الاعتبار خصوصية كل مشكلة.
 
بدأ الرئيس حديثه بالإشارة الى جائحة كورونا، مؤكدا للمجتمع الدولى ان استمرارها "منذ قرابة العامين أثبتت مجددا أن البشرية مثلما تتشارك فى الأخوة الإنسانية فإنها عرضة كذلك للتشارك فيما تواجهه من تحديات مهما تفاوتت مستويات تقدمها"، داعيا الى "أهمية تذليل الصعوبات أمام توفير اللقاحات لمختلف دول وشعوب العالم وضمان توافرها بصورة عادلة ومتساوية".
 
ولإن مصر دولة لديها رؤية مستقبلية مبنية على قراءة واضحة للوضع الحالى، فقد طرح الرئيس "رؤية مصر - كعضو مؤسس للأمم المتحدة ولعدد من المنظمات الإقليمية - للواقع الدولى وإسهاماتها فى مواجهة التحديات التى يشهدها عالمنا اليوم"، بدأها بالإشارة إلى تقدير الدولة المصرية لخطورة التباين فى مسارات التعافى الاقتصادى بين الدول وفقا لقدرتها على توفير الأعداد اللازمة من اللقاحات، حيث تستأثر الدول المتقدمة بالنصيب الأكبر من إنتاج العالم منها، ومع هذا الطرح للوضع الحالى، تحدث الرئيس عن رؤيته لحل هذه المعضلة التى تعانى منها غالبية دول العالم والمتمثلة فى قلة لقاحات كورونا، وقال الرئيس "وتشير مصر على وجه الخصوص، إلى ضرورة الاستجابة السريعة والفعالة لاحتياجات القارة الافريقية، حيث باتت قارتنا الأكثر تضررا من تداعيات الجائحة فى الوقت الذى تواجه شعوبها تحديات أخرى لا تقل خطورة عن فيروس "كورونا"، ولذا حرصت مصر على توطين صناعة اللقاحات ليس فقط لتلبية احتياجات مواطنيها ولكن أيضا للتصدير إلى القارة الافريقية".
 
وحينما طرح الرئيس السيسى هذه الرؤية كان مستندا لواقع ربما تفهمه الدول الكبرى، خاصة حينما تحدث عن "أهمية مراعاة توسيع نطاق الدعم الدولى للعالم النامى ليشمل مجموعة الدول متوسطة الدخل، فالثقل السكانى لهذه المجموعة من الدول يمنحها أهمية محورية كونهــا تضم غالبية سكان العالـم، لذا فهى مركز أساسى لاستهلاك السلع والخدمات على المستوى الدولى ومحرك رئيسي للنمو الاقتصادى العالمى"، لذلك دعا الرئيس إلى "تخفيف أعباء الديون عن الدول النامية وخاصة الإفريقية والدول متوسطة الدخل، وتيسير شروط الاقتراض من المؤسسات الدولية والإقليمية من خلال إمدادها بأدوات للتمويل الميسر، وتشجيع الاستثمارات وضمان استمرار تدفقها إلى هذه الدول لما تمثله هذه الإجراءات من عامل حيوى فى دعم الجهود الوطنية للتنمية وفقا للأجندات التنموية الإقليمية والدولية ذات الصلة".
 
ولان الحديث للمجتمع الدولى عن اوضاع اقليمية يتطلب اولا واخيرا ان تكون مقنعا، وان تكون صاحب تجربة ثرية تستند اليها، فقد شرح الرئيس السيسى جزء من التجربة المصرية، بتأكيده أن مصر طبقت "سياسات الإصلاح الاقتصادى التى مكنتنا من تنفيذ برامج اجتماعية طموحة، لصالح الفئات الأولى بالرعاية ونجحت فى تحقيق أهداف التنمية المســـتدامة فـــــى مختلــــف محافظــات مصـــر، كما قامت بتقليص التفاوت التنموى بين الريف والحضر، وذلك انطلاقا من إيماننا، بأن وصول الدولة المصرية بالخدمات الأساسية إلى كافة ربوع البلاد من شأنه أن يعزز المشاركة السياسية والمجتمعية كونه يخلق مناخا صحيا، يزدهر فى إطاره الفكر الحر، وتنشط فيه حركة الإبداع فتدفع بعجلة التقدم إلى الأمام".
 
ولتأكيد التعافى المصرى السريع، طلب الرئيس السيسى استضافة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ عام 2022.
 
ولم تكن قضية الإرهاب بعيدة عن الرؤية المصرية، التي تصدت لهذه الظاهرة نيابة عن العالم أجمع، لذلك أعاد الرئيس أمام الجميع الرؤية المصرية للقضاء على الإرهاب، والتي تتمثل في "مواجهة الفكر التكفيرى والمتطرف، المتسبب فى تلك الظاهرة البغيـضـــة وذلك فـــــى إطــــار مقـاربـــــة شـــــاملة لا تقتصر فقط على المواجهة الأمنية للإرهابيين وتنظيماتهم، بل تشمل أيضا أبعادا اقتصادية واجتماعية وتنموية وفكرية تجفف منابع الإرهاب وتعالج الظروف والعوامل التى تدفع البعض إلى هذا الطريق الإجرامى، وهى مقاربة كما تتطلب جهدا وطنيا فإنها تستلزم تعاونا دوليا"، مع الدعوة إلى "محاسبة الدول التى ترعى الإرهاب وتحتضن عناصره بمن فى ذلك المقاتلون الإرهابيون الأجانب وتوفر لهم الملاذ والدعم أو تسهل انتقالهم عبر أراضيها بما يهدد السلم والأمن الدوليين".
 
الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وفقاً للرؤية المصرية تستند في الأساس على استقرار الشرق الأوسط، الذى لن يتحقق وفق ما أكده الرئيس السيسى "دون التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية، التى كانت ومازالت القضية المركزية للأمة العربية وذلك عبر التفاوض استنادا إلى مقررات الشرعية الدولية لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصــــــمتها "القــــدس الشــــــرقية"، مؤكداً في الإطار ذاته التوجه المصرى نحو تثبيت وقف إطلاق النار الذى تم التوصل إليه فى 20 مايو الماضى، ودعوة المجتمع الدولى لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني، وإيصال المساعدات الإنسانية إليه وحث الأطراف المانحة على دعم وكالة "الأونروا" تمهيدا للقيام بعملية إعادة الإعمار فى قطاع "غزة"، أخذا فى الاعتبار ما أعلنته مصر من تخصيص "500" مليون دولار لإعادة الإعمار.
 
وارتباطاً بأمن واستقرار الشرق الأوسط التي قال الرئيس السيسى انها "تتسم بموقع استراتيجي فريد فإنها تحتل أيضا موقعا متقدما على قائمة مناطق العالم الأكثر اضطرابا، مما يضيف إلى التحديات العالمية المشتركة التى تواجهها دول المنطقة تحديات أخرى ذات خصوصية بدولها، إذ بات مفهوم الدولة الوطنية القوية المتماسكة مهددا بعوامل اضطراب متعددة يكمن جوهرها فى الانقسام والتشرذم بأنواعه المختلفة سواء كان طائفيا أو سياسيا أو عرقيا مما يجعل دولا غنية بمواردها الطبيعية وتاريخها وحضارتـــــها العــــريقـة، كـ"العـــــــــــراق" الشــقيق أو بثقافتها وتنوعها الدينى والعرقى، كـ"لبنان" و"سوريا" أو بمواردها وثرواتها وموقعها المتميز، کـ"ليبيا" أو بموقعها الاستراتيجى، كـ"اليمن" تعانى كل هذا الكم من التحديات الضخمة، وهو ما يؤكد أنه لا غنى عن إعلاء مفهوم الدولة الوطنية الجامع الذى لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد ويحول دون التدخل فى الشئون العربية".
 
وكان كلمة الرئيس السيسى أمام الأمم المتحدة فرصة مناسبة ليطلع العالم اجمع على مسار التفاوض الثلاثى "المصرى الإثيوبى السودانى" حول سد النهضة الإثيوبى"، فمع تأكيد الرئيس ارتباط مصر الوثيق بواقعها الإفريقى، واعترافها "بحقوق أشقائها التنموية"، فإن الرئيس أشار إلى أن مصر "تعد من أكثر الدول جفافا، ويظـل شعبها تحت حد الفقر المائى"، موضحاً ان نهر النيل يشكل شريان وجودها الوحيد عبر التاريخ وهو ما يفسر القلق العارم، الذى يعترى المواطن المصرى إزاء سد النهضة الإثيوبى.
 
وأوضح الرئيس مسارات التفاوض وقال "لعلكم تعلمون جميعا، ما آلت إليه المفاوضات الدائرة منذ عقد من الزمن بين مصر وإثيوبيا والسودان جراء تعنت معلوم، ورفض غير مبرر، للتعاطى بإيجابية مع العملية التفاوضية فى مراحلها المتعاقبة واختيار للمنهج الأحادى وسياسة فرض الأمر الواقع ما بات ينذر بتهديد واسع.. لأمن واستقرار المنطقة بأكملها، وتداركا لعدم تطور الأمر إلى تهديد للسلم والأمن الدوليين لجأت مصر لمجلس الأمن للاضطلاع بمسئولياته فى هذا الملف، ودعم وتعزيز جهود الوساطة الإفريقية عن طريق دور فاعل للمراقبين من الأمم المتحدة والدول الصديقة ولا تزال مصر تتمسك بالتوصل – فى أسرع وقت ممكن - لاتفاق شامل متوازن وملزم قانونا حــول مـــلء وتشـــغيل ســـد النهضــــة الإثيوبــى حفاظا على وجود "150" مليون مواطن مصرى وسودانى، وتلافيا لإلحاق أضرار جسيمة بمقدرات شعبى البلدين، مستندين فى ذلك، ليس فقط إلى قيم الإنصاف والمنطق، ولكن أيضا إلى أرضية قانونية دولية صلبة رسخت لمبدأ الاستخدام العادل والمنصف، للموارد المائية المشتركة فى أحواض الأنهار الدولية".
 
وجاءت خاتمة كلمة الرئيس معبرة عن الفلسفة المصرية الواضحة في السياسة الخارجية، بقوله أن "ما يشهده عالمنا اليوم من تحديات متتالية، يحتم علينا أن تكون لنا وقفة مراجعة تهدف إلى تسخير الموارد اللازمة لمواجهتها كأولوية متقدمــــة حفاظــــا علـــى الإنســـانية بأســــرها.. هذا نداء توجهه مصر إلى أشقائها فى الإنسانية: "دعونا نتكاتف لننقذ أنفسنا قبل فوات الأوان.. معتمدين فى تحقيق هدفنا على قوة المنطق.. لا على منطق القوة".
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة