عن الشياطين التي تكمن في التفاصيل

الأحد، 24 أكتوبر 2021 09:00 ص
عن الشياطين التي تكمن في التفاصيل
حمدي عبد الرحيم يكتب:

دعونا نعترف بأن وباء كورونا قد بدّل أحوال البشرية، فهي قبل كورونا شيء وبعده أصبحت شيئًا آخر، فمن منا كان يصدق بأن كل أنشطة البشرية ستتوقف، وبعده عودتها ستعود في ثوب جديد؟
 
دوريات كرة القدم توقفت وقد منيت الفرق العالمية بخسائر تقصم ظهور الجبال، المصانع الكبرى توقفت، بل المطارات توقفت، وعندما عاد العالم لاستئناف نشاطه الضروري والحيوي كان شيء ما قد تبدل وتغير.
 
لا أظن أن أحدًا من جموع المسلمين كان يتصور أو يجرؤ على تخيل غلق الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف، ولكن كورونا فعل بنا ما هو أقصى من أشد كوابيسنا سوداوية، أغلق كورونا مراكز ودور العبادة في العالم أجمع، ودولة مثل المملكة العربية السعودية تحدثت عن خسائر مليارية من جراء إغلاق مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولكن المعادلة كانت واضحة بل قاسية الوضوح، حياة الناس مقابل المال، وقد اختارت معظم الدول حياة البشر، على أمل أن تتحسن الأمور ويجد الطب حلًا مع وباء قاتل وفتاك.
 
قبل أيام قلائل جاءت البشرى، لقد قررت حكومة المملكة أمرًا دفع بالأمل إلى قلوب الجميع.
 
قالت الأخبار: قررت السعودية السماح بإقامة الصلوات في المسجد الحرام والمسجد النبوي دون تباعد اجتماعي، مع اقتصار دخول الحرم والصلاة فيه على المحصنين من الفيروس.
 
وقد أدى المصلون في المسجد الحرام بمكة المكرمة الأحد (17 أكتوبر 2021) أول صلاة من دون تباعد اجتماعي منذ بداية انتشار فيروس كورونا قبل نحو عام ونصف، مع بدء تخفيف المملكة للإجراءات المرتبطة بمكافحة الوباء.
 
وشمل قرار السعودية، بحسب بيان للداخلية السعودية، السماح للحاصلين على اللقاح باستخدام كامل الطاقة الاستيعابية في الحرم المكي، مع إلزام العاملين والزائرين بارتداء الكمامة في جميع الأوقات في أروقة الحرم المكي كافة، لكن لمس الكعبة في وسط ساحة المسجد – كما كان معمولاً به قبل تفشي الفيروس – لا يزال محظوراً.
 
يشار إلى أن الوباء تسبب في خسارة المملكة لمصدر إيرادات رئيسي طوال أشهر، إذ أن السعودية تجني نحو 12 مليار دولار سنوياً من العمرة والحج. كما أنه عرقل خطط المملكة للتحول إلى دولة سياحية، ضمن استراتيجية تنويع الاقتصاد لوقف الاعتماد على النفط.
 
الأخبار مطمئنة وتبشر بكل خير، وعلى صعيدنا الوطني حدث تقدم كبير باتجاه العودة إلى الحياة الطبيعية، فقد قالت الأخبار: إن الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف قد صرح بأنه بناء على ما قررته لجنة إدارة أزمة كورونا برئاسة الدكتور المهندس مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء فإن الوزارة ستسمح بدءًا من يوم الأربعاء القادم 20/ 10/ 2021م بفتح دورات مياه المساجد. 
 
وتابع وزير الأوقاف، في بيان له، على أن تقوم جميع المديريات خلال يومي الاثنين والثلاثاء 18و19/ 10/ 2021م بمراجعة كل أعمال الصيانة والنظافة لدورات المياه بجميع المساجد على مستوى الجمهورية، وسنعلن خلال هذين اليومين عن ضوابط فتحها.
 
أعرف أن مقالي سيصل إلى قارئه بعد فتح دورات المياه، ولكن التحذير أصبح فرض عين.
 
والتحذير يأتي من إدراكي أن الشياطين تكمن في التفاصيل، فبالنظر إلى جملة وردت في بيان معالي الوزير سنجدها مسكونة بالتفاصيل والشياطين معًا، إنها جملة "ضوابط الفتح".
 
لقد جربنا الاعتماد على خرافة الوعي الشعبي أو الوعي المجتمعي ودفعنا الثمن، فهل سنلجأ إلى الوعي ذاته مرة ثانية؟
 
ليس هناك وعي لا في مصر ولا في غيرها من بلدان العالم، فالإنسان يبدو كأنه مفطور على المخالفة وارتكاب الحماقات، الفارق هو في تطبيق القانون الرادع، هل الضوابط ستشتمل على عقوبات رادعة يتم تنفيذها فورًا على المخالف؟
 
ثم، أليس من الواجب إزالة سوء الفهم الذي يعاني منه بعضنا، فبعضنا يؤمن أن الوضوء في المسجد سيضمن للمتوضئ جبالًا من الحسنات، وهذا فهم غير سليم وغير صحيح بالمرة، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة".
 
إذن الأصل هو الوضوء في المنزل وليس في المسجد، وثواب الوضوء في المنزل أعظم من ثواب الوضوء في المسجد الذي يجب أن يكون في أضيق الظروف، إن إشاعة حديث صحيح مثل هذا أصبح واجبًا لكيلا نرى ذلك الزحام المنفر حول دورات المياه وأماكن الوضوء.
 
الكرة الآن في ملعبنا نحن، فإما أن نستغل السماح الحكومي بطريقة مثلى أو سنجد الوزير قد أمر بإعادة إغلاق دورات المياه وساعتها لن يستطيع أحد لومه. 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة