يوسف أيوب يكتب عن: تصحيح مسار الثورة السودانية

السبت، 30 أكتوبر 2021 06:00 م
يوسف أيوب يكتب عن: تصحيح مسار الثورة السودانية
الفريق عبد الفتاح البرهان
يوسف أيوب

  • قرارات "البرهان" تنقذ السودان من السقوط وتستكمل التحول الديمقراطي حتى تسليم القيادة لحكومة مدنية منتخبة
  • الرهان على الشباب أول الطريق للاستقرار وإعادة بناء المؤسسات وانتشال الاقتصاد من أزماته

السودان في القلب والوجدان المصرى له مكانة خاصة، لا تضاهيها أي دولة أخرى، فالتاريخ والجغرافيا يقولا لنا دوماً أن الأمن القومي السوداني هو امتداد طبيعي للأمن القومي المصري، والعكس صحيح.. هي مسلمة تاريخية وجغرافية لا فرار منها، لذلك لم يكن مستغرباً أن تكون أحداث السودان في قمة أولويات المصريين، مهما كانت مشاغلهم، لإنه لا يوجد ما هو أقوى من الانشغال بالجار الشقيق.. هكذا يقول لنا التاريخ، وهكذا تحدثنا الجغرافيا.

صباح الاثنين الماضى استيقظ الجميع على وقع قرارات جريئة اتخذها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة السودانية، أراد من خلالها تصويب مسار الثورة السودانية، التي يبدو وكأن عجلة قيادتها تختل، وهو ما أستتبع تدخلاً فوريا وحاسماً من الأمناء على أمن واستقرار هذا البلد الشقيق والجار العزيز.

وقد جاء البيان المصرى الرسمي تعليقاً على ما حدث في الخرطوم معبراً عن الانشغال المصرى بالسودان واستقراره، فقد أكد البيان "إن جمهورية مصر العربية تتابع عن كثب التطورات الأخيرة فى جمهورية السودان الشقيق، مؤكدةً على أهمية تحقيق الاستقرار والأمن للشعب السودانى والحفاظ على مقدراته والتعامل مع التحديات الراهنة بالشكل الذى يضمن سلامة هذا البلد الشقيق، ومؤكدةً كذلك أن أمن واستقرار السودان جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والمنطقة، وتدعو كافة الأطراف السودانية الشقيقة، فى إطار المسئولية وضبط النفس لتغليب المصلحة العليا للوطن والتوافق الوطني".

وقبل الخوض في تفاصيل هذه القرارات القوية والجريئة والتي قال عنها "البرهان" وغالبية السودانيين أنها تستهدف إكمال التحول الديمقراطي حتى تسليم قيادة الدولة لحكومة مدنية منتخبة تحقق لهم طموحهم في هذه الشعارات، علينا أن نعود إلى ما قبل الاثنين، لنرى الصورة بشكل أوضح.. لنعرف أين كانت تقف السودان، وإلى أي مستقبل كانت تسير.

التقارير الدولية، وما كان يرد لنا من الخرطوم، كلها كانت مؤشرات تؤكد أن الوضع في السودان على شفا الانفجار، فقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية بشكل مريع، بعدما قفز معدل التضخم إلى أكثر من 400%، والبطالة إلى نحو 66% والديون الخارجية إلى 64 مليار دولار، كما انهارت قيمة الجنية السودانى إلى أدنى مستوى في تاريخه، وسط أزمات خانقة في السلع الأساسية كالخبز والوقود وغيرها، وترافق ذلك مع أوضاع سياسية غير مستقرة، فالشرق بدأ يغلى بالمشاكل، والأكثر من ذلك أن أعضاء في حكومة عبد الله الحمدوك، بدوأ في التنازع حول الحصص السياسية، وتناسوا الأزمات الخانقة التي تحيط بالمواطن السودانى، فبات التركيز كله منصباً على المناصب السياسية، تاركين المواطن يئن من ويلات الأزمة الأقتصادية.

حدث ذلك، رغم حالة التفاؤل التي انتابت الجميع حينما أختير الحمدوك لرئاسة الحكومة السودانية تحديداً في 20 أغسطس 2019، خاصة أنه شخصية تمتلك رصيداً اقتصادياً وثقافة دولية، تجعله قادرا على تحقيق طموحات الشعب السودانى الخارج من ثورة أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، لكن ما حدث من حكومة الحمدوك لم يكن متوقعاً من أحد، فالحكومة انغمست في الخلافات الشخصية، وادخلت نفسها بدون هدف في صراعات مع القوى السياسية، ومع أعضاء المجلس السيادى السودانى، وتناسوا ربما عن عمد مشاكل وأزمات السودانيين الاقتصادية.

في وسط هذه الأجواء المليئة بالخلافات والتي جعلت سماء السودان غير صافية، بدأت المطالب في الخرطوم تتصاعد مطالبة الحكومة بالتدخل السريع لضبط الكتلة النقدية وتقليص الإنفاق الحكومي وتحكم الدولة في صادرات الذهب والسلع الرئيسية والسيطرة الكاملة على مطاحن الدقيق وتوحيد الإيرادات تحت مظلة وزارة المالية وإعادة هيكلة البنك المركزي، ومع فشل الحكومة في تحقيق أيا من هذه المطالب الضرورية، كان البديل هو تعديل الحكومة بأخرى قادرة على العمل لمصلحة المواطن وليس لمصلحة الأشخاص، لكن يبدو أن هذا الخيار لم يكن مرحباً به من أعضاء فى حكومة الحمدوك، وبعض القوى السياسية التي رأت أن أي تغيير سيضر بوضعها، خاصة أن السودان بدأت تعد نفسها لانتخابات ستحدد بشكل كبير مصير السودان.

كل الشواهد التي سبقت القرارات كانت تؤكد انه لم يكن أمام الفريق أول عبد الفتاح البرهان سوى التدخل السريع لإنقاذ السودان من الوقوع في براثن الاقتتال الداخلى، لذلك كانت قراراته المصيرية لتصحيح مسار الثورة، ومنها إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، والتمسك الكامل والالتزام التام بما ورد في الوثيقة الدستورية في الفترة الانتقالية لعام 2019، واتفاق سلام السودان الموقع في جوبا في أكتوبر من عام 2020، وتعليق العمل بالمواد 11، 12، 15، 16 ،24 /3، 71، 72 من الوثيقة الدستورية مع الالتزام التام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت خلال فترة الحكومة الانتقالية، وحل المجلس السياسي الانتقالي وإعفاء أعضائه، وحل مجلس الوزراء، وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزارات على أن يكلف المدراء العامون في الوزارات والولايات بتسيير دولاب العمل، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين حتى تتم مراجعة منهج عملها وتشكيلها على أن تكون قراراتها نافذة وخاضعة للإجراءات القانونية، على أن يستثنى من هذه الإجراءات الالتزامات واستحقاقات سلام السودان الموقع في جوبا في أكتوبر 2020، متعهداً أمام السودانيين والعالم كله بـ"مضي القوات المسلحة في إكمال التحول الديمقراطي حتى تسليم قيادة الدولة لحكومة مدنية منتخبة تحقق لهم طموحهم في هذه الشعارات"، مشيراً إلى أن " شرعية الفترة الانتقالية الراهنة قامت على أساس مرحلي هو التراضي المتزن بين الشركاء العسكريين والمدنيين للسير في طريق الانتقال حتى الوصول إلى التفويض الشعبي بموجب انتخابات عامة من خلال الممارسة التي امتدت لأكثر من عامين".

ولإن البدايات تنبئ دوماً بالنهايات، فقد كان "البرهان" واضحاً حينما شرح للسودانيين ولكل المتابعين لما يحدث تفاصيل الصراع المكتوم الذى أدارته حكومة الحمدوك، فقد قال البرهان: "انقلب التراضي المتزن إلى صراع بين مكونات الشراكة قاد بلادنا بمكوناتها المختلفة إلى انقسامات تنذر بخطر وشيك يهدد أمن الوطن ووحدته وسلامة أرضه وشعبه، وشهد بذلك رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك في مبادراته التي أطلقها في يوليو وأكتوبر من هذا العام مما استوجب من القوات المسلحة بصفتها السلطة المؤسسة لهذه الفترة ومن منطلق مسؤولياتها الوطنية في حماية أمن وسلامة البلاد كما ورد في الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية وقانون القوات المسلحة؛ حيث إن ما تمر به بلادنا الآن أصبح مهددا حقيقيا وخطرا يهدد أحلام الشباب ويبدد أمل الأمة في بناء الوطن الذي بدأت تتشكل معالمه.. وبدأنا نخطو معه نحو دولة المواطنة والحرية والسلام والعدالة إلا أن تشاكس بعض الدول السياسية وتكالبها نحو السلطة والاصطفاف العنصري والتحريض على الفوضي والعنف دون اهتمام يذكر من المهددات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي أطبقت على كل مناحي الحياة ومفاصل الدولة، وكان لزاما علينا في القوات المسلحة والدعم السريع والأجهزة الأمنية الأخرى أن نستشعر الخطر ونتخذ الخطوات التي تحفظ ثورة ديسمبر المجيدة حتى بلوغ أهدافها النهائية في الوصول إلى دولة مدنية كاملة عبر انتخابات حرة ونزيهة".

ووضع "البرهان" خارطة طريق واضحة، تنتهى بإجراء الانتخابات العامة في يوليو من العام 2023، تقوم على "تحسين معاش الناس وتوفير الأمن والطمأنينة لهم وتهيئة المناخ والبيئة المناسبة للأحزاب لتعمل من أجل الوصول للموعد المحدد للانتخابات وهى أكثر جاهزية واستعداد لتولي قيادة الدولة"، على أن "تتولى إدارة شئون البلاد حتى موعد الانتخابات حكومة من كفاءات وطنية مستقلة تراعي في تشكيل هياكلها التمثيل العادل لكل أهل السودان وأطيافه وفئاته"، مع الحرص على إكمال متطلبات العدالة والانتقال ومفوضية صناعة الدستور ومفوضية الانتخابات ومجلس القضاء العالي والمحكمة الدستورية ومجلس النيابة قبل نهاية شهر نوفمبر من العام الحالي، مع ضمان مشاركة "الشباب والشابات الذين صنعوا هذه الثورة في قيام برلمان ثوري يراقب ويقف على تحقيق أهداف ثورته التي ضحى من أجلها رفاقهم وإخوانهم".

خارطة الطريق التي أعلنها البرهان، تتضمن مجموعة من الأهداف والمبادئ التي أعلن عنها رسمياً في مؤتمره الصحفى الثلاثاء الماضى، والتي تتلخص في:

  • القوات المسلحة لن تسمح لأى حزب يتبنى إيديولوجيا عقائدية بالسيطرة على السودان
  • تعهدنا للمجتمع الدولي أننا سنقوم بحماية عملية الانتقال في السودان.
  • قانون الطوارئ لا يقصد منه تهديد الحريات السياسية أو الشخصية.
  • الحكومة المقبلة لن تضم أي قوى سياسية، ونعمل على أن تشكل الحكومة المقبلة من كفاءات وطنية مستقلة.
  • مصممون على تحقيق الانتقال السياسي وتنفيذ ما ورد في الوثيقة الدستورية
  • تشكيل مجلس سيادة وحكومة بتمثيل حقيقي يشمل الجميع، وسيتم تعيين رئيس جديد للوزراء فى السودان، وسيتم اختيار وزير من كل ولاية سودانية فى الحكومة المقبلة.
  • نريد تمثيل كل أهل السودان في الحكومة المقبلة وهذا التوجيه سيعطى لرئيسها.
  • الجيش السودانى يرغب فى أن يتفرغ لحماية السودان بعد نقل السلطة للمدنيين.
  • اتخذنا هذا الموقف لإعادة البريق لثورة الشعب السوداني، ونحتاج لمشاركة الشعب السوداني لإكمال المرحلة الانتقالية.
  • نحرص أن يكون المجلس التشريعي السوداني من شباب الثورة.
  • الجيش استجاب للشعب وعالج أزمات عجزت عنها الحكومة.

هنالك من تحدث بعنصرية بغيضة كانت تهدف لاقتياد البلد لحرب أهلية وتفتيت وحدته، والانقسام السياسي الذي شهدته المرحلة الماضية كان يهدد أمن البلد وسلامته.

كل هذه المبادئ التي أعلن عنها البرهان، تؤكد أن السودان في طريقه للسير نحو الاستقرار وإعادة بناء مؤسساته بالشكل الذى يعبر عن مصالح الشعب السودانى وطموحاته وأحلامه، فبعد الثورة أصبح لدى الشعب مطالب مختلفة فى الحرية والعدالة وإصلاح الوضع الاقتصادى، ويتطلب ذلك أن يعطى المجتمع الدولى فرصة إلى الشعب السودانى ليسير نحو ترتيب أوضاعه بالشكل الذى يناسبه، ولا أحد يستطيع أن يتحدث باسم الشعب السودانى إلا الشعب السوداني.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق