مصر في قلب أفريقيا.. سياسة جديدة ترفع شعار التنمية من أجل الجميع

السبت، 11 ديسمبر 2021 05:22 م
مصر في قلب أفريقيا.. سياسة جديدة ترفع شعار التنمية من أجل الجميع
يوسف أيوب

القاهرة حريصة على تسخير كافية الإمكانيات لمساعدة الاشقاء الأفارقة في الأزمات التي يمرون بها وتوسيع دائرة التعاون ومد جسور التواصل الحضاري

وضع حجر الأساس للمدينة الصناعية المصرية EIC بتنزانيا وإنشاء سد ومحطة "جوليوس نيريري".. والمشروعات المائية بأوغندا خير دليل على التغيير في التوجه المصرى تجاه الأشقاء

"في إطار نهج الولايات المتحدة الأمريكية مع القارة الأفريقية تحتاج إدارة الرئيس جو بايدن إلى تحديد الأولويات والمشاركة بنشاط مع العمالقة الإقليميين وعلى رأسهم مصر".. هذا ما انتهت إليه مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية قبل أسابيع، في إطار توجيهها مجموعة من النصائح للإدارة الأمريكية وهى تتعامل خارجياً.

ما قالته المجلة التي تعد ذات تأثير كبير في السياسة الخارجية الامريكية، بشأن الدور المصرى النشط في القارة الأفريقية، لم يأتى الا بعدما رصدت المجلة عبر محرريها وخبرائها ما تقوم به مصر تجاه أفريقيا منذ 2014 وحتى اليوم، تحديداً حينما أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسى، صياغة سياسة مصر الخارجية، واعتبار أفريقيا في القلب منها، بعدما كانت لسنوات طويلة بعيدة تماماً عن الفكر والاستراتيجية المصرية، وهو ما سبب لنا العديد من الأزمات مع أشقائنا الأفارقة، لكن اليوم تبدل الحال بفضل السياسة الجديدة لمصر.

فقد حرص الرئيس السيسي منذ توليه الرئاسة في 2014، على تأكيد هوية مصر وانتمائها وبخاصة هويتها وانتمائها الإفريقي، من خلال وضع عناصر عديدة تتكامل وتتناغم لضمان إعادة تمركز مصر بقوة مع الأشقاء الأفارقة، دون الاعتماد فقط على الرصيد التاريخى، أو حتى الارتباط الجغرافى، بل صيغت الاستراتيجية المصرية على بناء وترسيخ أسس تعاون مشترك بين مصر ودول القارة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وشعبيا وأمنياً وانسانياً، يقوم في الأساس على مبدأ هام وهو أن توظف مصر قدراتها البشرية وخبراتها وامكاناتها ومكانتها الدولية لتعظيم مصالح الأفارقة، وهو ما يمكن أن نلمسه في العديد من المواقف والتحركات المصرية تجاه القارة التي كان أخرها عقد قمة الكوميسا في القاهرة قبل أيام، التي جاءت ضمن رؤية و أجندة مصرية طموحة تسعى من خلالها القاهرة إلى الدفع نحو تحقيق التنمية المستدامة في القارة السمراء، من خلال الاستفادة من ثروات القارة البشرية والتنموية أيضاً، أخذا في الاعتبار أن المبدأ الاساسى الذى استخلصته القيادة المصرية من التجربة الداخلية منذ 2014 وحتى اليوم يقوم على أن التنمية هي المفتاح لحل المشاكل ومواجهة التحديات، سواء كانت الإرهاب او التطرف أو حتى الأزمات الاقتصادية، لذلك جرى تعميم هذا المبدأ تجاه القارة، التي لا يخفى على احد انها تعانى من أرهاب وتطرف ونزاعات وفقر وأمراض بما يهدد من استدامة الأمن في القارة، كما باتت سهام الإرهاب تحاول تقويض استقرارها، فضلاً عن ظواهر عابرة للحدود ومنها تهريب وانتشار الأسلحة وتفاقم الجرائم المنظمة والاتجار بالبشر والهجرة غير المشروعة والنزوح القسري، لذلك لا سبيل للنجاة الا من خلال اتباع طريق التنمية، الذى سيحقق نتائج مبهرة إذا تم في إطار جماعى.

لذلك لم يكن مستغرباً أن نرى على مدار السنوات السبع الماضية تجاوب قادة إفريقيا مع رؤية الرئيس السيسي وصياغة خريطة مستقبل القارة بخطط واقعية طموحة ترتقي لطموحات شعوب دول القارة، خاصة أن الرئيس السيسى منذ البداية وهو يحمل على عاتقه مسئولية الدفاع عن مصالح القارة في المحافل الدولية والإقليمية، وهو ما عكسته تأكيدات الرئيس على حق الدول الإفريقية في الحصول على اللقاحات لمواجهة جائحة فيروس كورونا، حينما دعا في أكثر من مناسبة إلى ضرورة أن يتم توفير اللقاح بشكل أكثر إنصافاً وعدلاً تلبية لمطالب شعوب قارتنا.

كما لا يخفى على المتابع للتحركات المصرية، أن هناك حرص مصري على تسخير كافية إمكانيات الدولة لمساعدة الاشقاء الأفارقة، خاصة في الأزمات التي يمرون بها، من خلال توسيع دائرة التعاون مع الدول الأفريقية الأشقاء ومد جسور التواصل الحضاري مع كافة شعوبها، وكذلك تفعيل القوى المصرية الناعمة بالقارة والانخراط بفاعلية في صياغة وتطوير مبادئ وآليات العمل الأفريقي المشترك تحقيقاً للمنفعة لجميع الدول الأفريقية فيما يتعلق بالقضايا المحورية التي تمسها، خاصةً الملفات التنموية وملفات صون السلم والأمن في أفريقيا.

الأسبوع الماضى كان شاهداً على صدق النوايا والتحركات المصرية تجاه القارة السمراء، ففي يومان، تابعنا زيارتين قاما بها وزيرا الإسكان لتنزانيا، والرى لاوغندا، وكل منهما ذهب وفى جعبته تكليفات رئاسية واضحة بدعم وتوثيق التعاون المصرى مع الدولتين، بالإضافة إلى المشاركة في افتتاح أو الإعلان عن مشروعات مصرية في كلا الدولتان، وهو أمر لم يكن ليحدث الا في ظل دولة وقيادة تؤمن بالفعل أن مصر امتدادها أفريقى.

الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، زار على رأس وفد كبير جمهورية تنزانيا، للمشاركة فى وضع حجر الأساس للمدينة الصناعية المصرية EIC بمنطقة "كيجامبوني Kigamboni " على حدود مدينة دار السلام، وكذلك افتتاح "مجمع السويدي الصناعي" بحضور سامية حسن رئيسة تنزانيا التي طلبت نقل خالص تحياتها وتقديرها للرئيس السيسي، الذي يوجه دائما بتعزيز فرص التعاون بين الجانبين، وقالت أنها التقت الشركات المصرية التي حضرت لدار السلام، خلال زيارتها الأخيرة لمصر، حيث وعدوا بأن يحضروا إلى تنزانيا لضخ استثمارات جديدة في شرايين الاقتصاد التنزاني، قائلة: هم اليوم أوفوا بوعدهم معي، وانا أعدهم بتذليل اي عقبات تواجههم هنا فيما يتعلق بتسهيل الاجراءات والتراخيص وإتاحة الأراضي، وبابي مفتوحا لكم حال واجهتكم اي صعوبات.

كما شهدت الزيارة عقد منتدى الأعمال المصري التنزاني، كما تفقد وزير الإسكان برفقة جانيوري ماكامبا، وزير الطاقة التتزاني، سير العمل بمشروع سد ومحطة "جوليوس نيريري" الكهرومائية، الذي يُنفذه تحالف شركتى "المقاولون العرب" و"السويدى إليكتريك" على نهر روفيجى بدولة تنزانيا، بتكلفة تبلغ 2.9 مليار دولار، والذى يجرى تنفيذه وفقاً لتوجيهات الرئيس السيسى، الذى يتابع المشروع بصفة دورية، وذلك فى إطار العلاقات المتميزة بين البلدين، واهتمام مصر بالشأن الأفريقي، وللأهمية الكبيرة التى يمثلها هذا المشروع للشعب التنزاني، والدور المنتظر للسد والمحطة في توفير الطاقة لدولة تنزانيا، والسيطرة على فيضان نهر روفيجى، والحفاظ على البيئة، حيث يستهدف المشروع إنشاء سد بطول 1025 متراً عند القمة بارتفاع 131 متراً، وبه 7 مخارج للمياه، وتصل السعة التخزينية لبحيرة السد إلى ٣٤ مليار م3، كما يضم محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة 2115 ميجا وات، وتقع المحطة على جانب نهر روفيجي فى محمية "سيلوس جام" بمنطقة "مورغورو" جنوب غرب مدينة دار السلام (العاصمة التجارية وأكبر مدن دولة تنزانيا).

ومن تنزانيا إلى أوغندا، التي زارها أيضاً الدكتور محمد عبد العاطى وزير الموارد المائية والرى، الذى حضر الاحتفال الشعبي المقام بمناسبة انتهاء المرحلة الخامسة للمشروع المصري الأوغندي لمقاومة الحشائش المائية بالبحيرات العظمى والمعنى بتطهير بحيرة فيكتوريا، وإنشاء مرسي نهري بمقاطعة كامونجا الأوغندية، بحضور عدد من المسئولين الأوغنديين وممثلي المقاطعة وعمدة المنطقة والأهالي وسط أجواء احتفالية عبر خلالها الاوغنديين عن شكرهم لمصر لتنفيذ المرسي النهري لخدمة نشاط الصيد في المنطقة.

وخلال الزيارة عقد عبد العاطى لقاءاً مع هيلين أوودا وزيرة الزراعة والثروة الحيوانية والأسماك الأوغندية، واكد أن التعاون الثنائي مع دول حوض النيل والدول الإفريقية، يعد أحد المحاور الرئيسية في السياسة الخارجية المصرية، فى ظل ما تمتلكه مصر من إمكانيات بشرية وخبرات فنية ومؤسسية متنوعة في مجال الموارد المائية وغيرها من المجالات، ويتم من خلال هذا التعاون تنفيذ العديد من المشروعات التنموية التى تعود بالنفع المباشر علي مواطني تلك الدول، بما يُسهم فى تحقيق التنمية المستدامة ورفع مستوى معيشة المواطنين بما يسمح بمواجهة التحديات التى تتعرض لها القارة الإفريقية مثل الزيادة السكانية وإنتشار الفقر والأمية والأمراض.

والمشروع المصري الأوغندي لمقاومة الحشائش المائية بالبحيرات العظمى الذى تنفذه وزارة الرى المصرية، وانتهت المرحلة الخامسة منه، وكذلك مشروع درء مخاطر الفيضان بمقاطعة كسيسي بغرب أوغندا والجارى تنفيذ المرحلة الثانية منه حالياً، أسهما فى خلق فرص عمل وتطوير أحوال الصيد وإنشاء مزارع سمكية وحماية القري والأراضي الزراعية من الغرق نتيجة ارتفاع مناسيب المياه أثناء الفيضانات.

هذه بعض الأمثلة والنماذج القليلة من تحركات مصرية كثيرة تجاه القارة السمراء، بدأت تؤتى ثمارها لنا ولهم، وكلى يقين ان المستقبل ملئ بالكثير من بالمقترحات والأفكار والتحركات المصرية، التي يستهدف من خلالها الرئيس السيسى إلى تعظيم الاستفادة المصرية والأفريقية من إمكانياتنا، وبما يحقق الهدف الذى يسعى إليه الأفارقة، وهو تحقيق التنمية بأيادى أفريقية.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق