في ذكرى إعدام شيخ المجاهدين العرب.. عمر المختار يبكي ليبيا

الأحد، 16 سبتمبر 2018 10:00 م
في ذكرى إعدام شيخ المجاهدين العرب.. عمر المختار يبكي ليبيا
شيخ المجاهدين بعد القبض عليه
كتب- محمد أبو النور

في مثل هذا اليوم، من شهر ديسمبر عام 1931،أقدم الاحتلال الإيطالي «الفاشي» في ليبيا، على ارتكاب جريمة ووصمة عار، ستظل تلاحق الاحتلال والاستعمار والمستعمرين وأذنابهم، في العالم إلى الأبد، وذلك لإعدامهم شيخ المجاهدين العرب والمسلمين عمر المختار، بعد إلقاء القبض عليه وسجنه، ونقله من مكان لمكان مكبل اليدين،وقد تخطى الـ 70 من عمره.

لم يشفع للمختار لدى الفاشيين المستعمرين وقتها، كبر سنه ولا مبرره العقلي والمنطقي والشرعي، وحقه في الدفاع عن وطنه المسلوب، لتظل هذه الجريمة النكراء، التى خلّدتها كتب التاريخ، بل ومذكرات الإيطاليين أنفسهم الذين حضروا محاكمة وإعدام شيخ المجاهدين،تطارد وتؤرق المُحتل في كل زمان ومكان، وفي نفس الوقت تُعطي بصيص النور والأمل، للمدافعين عن أوطانهم، وتؤكد لهم أنه مهما طال الليل فلابد أن ينجلى، ولابد للقيد أن ينكسر وتتحرر الأوطان.

ويبدو أن ليبيا وما تتعرض له الآن من العمليات الإرهابية، واستوطان التنظيمات الإرهابية والتكفيرية لأرضها الطارهة، لا في أمس الحاجة إلى عمر المختار من جديد عله ينقذ البلاد من ويلات الحروب والدماء.

مولد ونشأة شيخ المجاهدين

وُلد عُمر ابن مختار ابن عُمر المنفي الهلالي، الشهير بعمر المُختار، المُلقب بشيخ الشهداء وشيخ المجاهدين، وأسد الصحراء، في زاوية جنزور وقيل في البطنان ببرقة في الجبل الأخضر بليبيا عام 1862، وقيل عام 1858، وقد تكفل أبوه بتربيته تربيةً إسلاميَّة، مستمدة من تعاليم الحركة السنوسية، القائمة على القرآن والسنَّة النبويَّة وقتها.

لم يُعايش عمر المختار والده طويلا،إذ توفي الولد وهو في طريقه إلى مكَّة لأداء فريضة الحج،فعهد ــ وهو في حالة المرض ــ إلى رفيقه في الرحلة أحمد الغرياني، وكان شقيق شيخ زاوية جنزور، بأن يُبلّغ شقيقه بأنَّه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد، وبعد عودة أحمد الغرياني من الحج، توجه فوراً إلى شقيقه الشيخ حسين، وأخبره بما حدث وبرغبة مختار ابن عمر أن يتولّى شئون ولديه، فوافق بدون تردد، وتولّى رعايتهما تنفيذاً لرغبة والدهما، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء القبائل الأخرى.

 

888
عمر المختار في قبضة الاحتلال
 

تعليمه ورحلاته

في خلال السنوات التي قضاها عمر المختار بالجغبوب،حيث كان يكمل دراسته وعلمه، تمكَّن من اكتساب سيرة حسنة وقوية عند شيوخ الحركة السنوسية وقتها، وقد بلغت تلك السمعة من القوة والمكانة أن قرَّر محمد المهدى السنوسي- وهو ثاني زعماء السنوسية - اصطحاب عمر المختار معه سنة 1895 فى رحلته من جغبوب إلى الكفرة في جنوب شرق الصحراء الليبية، وبعد هذه الرحلة اصطحبه مرة أخرى في رحلة من الكفرة إلى منطقة قرو في غرب السودان، وعيَّنه هناك شيخاً لزاوية عين كلك.

عمر المختار في مصر

ومثلما تنقل عمر المختار في ليبيا، وسافر إلى السودان، كان لمصر حظا من أسفاره وتنقلاته، فقد جاء إلى مصر في مارس عام 1923،بصحبة علي باشا العبيدي ليعرض على الأمير محمد إدريس نتيجة عمله، ويتلقى منه التوجيهات اللازمة، وقد تمكن من اجتياز الحدود المصرية ومقابلة الأمير إدريس بمصر الجديدة، وقد حاولت إيطاليا عن طريق عملائها بمصر، الاتصال بعمر المختار وعرضت عليه الكثير من المغريات للإقلاع عن الجهاد ووقف مقاومة المُحتل، لكن شيخ الشهداء كان يرفض في كل مرة ويُصرّ على الجهاد وقتال المحتل الأجنبي.

مقاومة الاحتلال الإيطالي

في عام 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، وبدأت في إنزال قوَّاتها بمدينة بنغازى الساحلية، شمال برقة في 19 أكتوبر الموافق الرابع من شوال عام 1329 هـ، وفي تلك الأثناء كان عمر المختار في مدينة الكفرة بقلب الصَّحراء، في زيارة إلى السنوسيين، وعندما كان عائدا من هناك مرَّ بطريقه بواحة جالو، وعلم وهو فيها بخبر نزول الإيطاليين، فعاد مسرعاً إلى زاوية القصور لتجنيد أهلها من قبيلة العبيد لمقاومة الإيطاليّين، ونجح في جمع ألف مقاتل معه.

 

55555
القبض على شيخ المجاهدين
 
في بداية الأمر أسَّس عمر المختار معسكراً خاصاً له في منطقة الخروبة، ثم انتقل منها إلى الرجمة،حيث التحق هو والمقاتلين الذين معه بالجيش العثماني،وأخيراً إلى بنينة جنوب مدينة بنغازى بحوالي 20 كيلومتراً، وهناك انضموا إلى الكثير من المقاتلين الآخرين، وأصبح المعسكر قاعدةً لهم يخرجون منها ويغيرون باستمرارٍ على القوات الإيطالية، وقد رافق عمر المختار في هذه المرحلة من حياته،الشيخ محمد الأخضر العيساوي.

صلحٍ لوزان

في عام 1912 اندلعت حروب البلقان، فأجبرت الدولة العثمانية على عقد صلحٍ مع إيطاليا وقَّعته في لوزان فى شهر نوفمبر، واضطرَّ نتيجةً لذلك قائد القوات العثمانية التي تقاتل الإيطاليين - عزيز بك المصري - للانسحاب إلى الأستانة، وسحب معه الجنود العثمانيّين النظاميّين في برقة، والذين بلغ عددهم حوالى 400 جندى، بينما ظلَّ عمر المختار في موقع قيادة القتال ضد الطليان بكامل برقة، حتى وصول أحمد الشريف السنوسى إلى درنة في شهر مايو من عام 1913 الموافق جمادي الآخرة عام 1331 هـ، واستلم هو القيادة وظلَّ عمر المختار عوناً كبيراً له، إلاّ أن أحمد الشريف هاجر وترك برقة،وسلّم القيادة إلى الأمير محمد إدريس السنوسي.

إعدام عمر المختار

نذر عمر المختار ورفاقه من الثوار الليبين،حياتهم فداء لدينهم ووطنهم، بالجهاد في سبيل الوطن ضد المستعمر الإيطالي الفاشى، وخاضوا المعارك والحروب لسنوات طوال، حتى تم القبض عليه ومحاكمته وصدور الحكم الجائر بإعدامه وهو في سن الـ73 عاماً شيخاً كبيراً طاعناً فى العمر، فخرجت روحه الطاهرة إلى بارئها فى يوم الأربعاء 16 سبتمبر عام 1931.

إعدام المختار
لحظة إعدام عمر المختار

 

لم يتوقف لهيب المقاومة من بعده في ليبيا، على الرغم من استشهاد وفرار عدد من الثوار إلى مصر، بعد أن أحكم الاحتلال الإيطالي قبضته على ليبيا، وظل  هذا الوضع حتى انسحاب إيطاليا من ليبيا في 7 أبريل عام 1943،وقد رثاه ونعاه أمير الشعراء أحمد شوقى بقصيدة من الشعر قال فيها:

إفريقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها***ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ

وَالمُسلِمونَ عَلى اِختِلافِ دِيارِهِم ***لا يَملُكونَ مَعَ المُصابِ عَزاءَ

وَالجاهِلِيَّةُ مِن وَراءِ قُبورِهِم***يَبكونَ زيدَ الخَيلِ وَالفَلحاءَ

في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ*** جَسَدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق