ظريف وتجميل القبيح

الثلاثاء، 24 يناير 2017 04:42 م
ظريف وتجميل القبيح
راشد صالح العريمي

في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس كان الدور المُحدَّد أداؤه لمحمد جواد ظريف هو ارتداء مسوح المسالم الحكيم، الداعي إلى كلمة إقليمية سواء تجتمع فيها الجهود لحل المشكلات العالقة، الباسط يده بالسلم والمحبة والدعوة إلى التعاون والتقارب. ولعل وزير الخارجية الإيراني المتذاكي كان يعرف أنه لا يوجد بين الحضور من يصدقه وهو يقول إن «إيران والمملكة العربية السعودية يجب أن تعملا معاً للمساعدة في إنهاء الصراعات في سورية واليمن بعد التعاون بنجاح في شأن لبنان العام الماضي»، وأنه «لا يرى سبباً في أن تكون هناك سياسات عدائية بين إيران والسعودية، وأنه يمكنهما العمل معاً لإنهاء الأوضاع المأسوية لشعوب سورية واليمن والبحرين وغيرها من دول المنطقة».

محمد جواد ظريف كان يعرف أن لا أحد يصدق أداءه التمثيلي الرديء، وأن هناك ما يشبه الاتفاق بين دول العالم جميعها تقريباً على أن أساس المشكلة في منطقة الخليج العربي هو سياسات الهيمنة الإيرانية، ومحاولات النظام الإيراني زعزعة الأمن والاستقرار في جواره الخليجي والعربي، واستخدام التحريض الطائفي والمذهبي لاختراق المجتمعات وتشكيل كيانات تابعة في دول الجوار العربي تدين بالولاء لطهران وتأتمر بأمرها، وبعض هذه الكيانات يمارس الإرهاب في شكل علني ويتلقى التمويل والدعم الاستخباري واللوجيستي من إيران، واكتشفت معظم دول مجلس التعاون وجود خلايا إرهابية على أرضها ترتبط بإيران وتمارس أنشطة تستهدف زعزعة الأمن وضرب الاستقرار.

تناسى ظريف وهو على منبر دافوس أن بلاده احتضنت دعوة علنية إلى الإرهاب ضد البحرين قبل يوم واحد من حديثه، وأن طهران حرَّضت شخصاً يدعى مرتضى السندي، ويقيم في مدينة قم الإيرانية منذ سنوات، على أن يعلن ما سماه «الكفاح المسلح» في البحرين، وأن يخطب وسط أنصاره داعياً إلى القتل والتخريب. وأصدر ما يسمى «تيار الوفاء»، الذي يحتل مرتضى السندي موقعاً قيادياً فيه، بياناً لا يمكن وصفه بأقل من أنه جريمة إرهابية مكتملة الأركان، تكشف أكثر فأكثر عما يُبيت للبحرين على أيدي أتباع طهران من شرور ومؤامرات.

ينص البيان المذكور حرفياً على أن «ثورة شعب البحرين لا يجب أن تبقى سلمية بالمطلق»، وأنه «يجب من الآن فصاعداً أن تكون هناك قبضة واحدة في ميادين الاحتجاج والتظاهر، وقبضة أخرى على الزناد، وتقوم بالإعداد والتعبئة، لتدافع عن العرض، وتردع المجرمين». ولا يتردد البيان في توجيه تهديدات صريحة بارتكاب أعمال إرهابية ضد الغربيين المقيمين على أرض مملكة البحرين، إذ يقول: «نوجّه إنذاراً للمصالح الأجنبية والغربية للدول الداعمة للحكم الخليفي، الاقتصادية والسياسية منها وغيرها، بأن البحرين ليست آمنة لكم»، فهل هناك دلالة على الضلوع في الإرهاب والاعتراف به أكثر من هذا البيان؟

والمفارقة أن صنائع إيران يزعمون أن الإرهابيين الثلاثة الذين نُفذ فيهم حكم الإعدام في البحرين بعد تحقيقات طويلة أبرياء ولم يرتكبوا جرماً، فيما تصدر منهم دعوات صريحة إلى الإرهاب، فكيف لعاقل أن يقبل مثل هذا المنطق؟

اكتسب أذناب إيران من الساسة الإيرانيين القدرة على الكذب الصريح والمفضوح، وإلا فكيف ينكرون ما ارتكب الإرهابيون الثلاثة ويجاهرون في الوقت نفسه بالدعوة إلى القتل والإرهاب؟ وليس بعيداً من هذه المفارقة أن تنتقد إيران وتابعوها إعدام الإرهابيين الثلاثة، وهي المرة الأولى التي يُنفذ فيها حكم بالإعدام في البحرين منذ عام 2011، أي بمعدل ثلاث حالات خلال ست سنوات، فيما تسجل الإحصاءات أن هناك ثلاث حالات إعدام في إيران كل يوم. وإذا كانت هذه هي مواقف إيران تجاه البحرين، فهل يمكن لحديث جواد ظريف عن التعاون في البحرين إلا أن يكون محض وقاحة؟

التدليس يقطر من حديث محمد جواد ظريف، فلم يكن هناك تعاون بين إيران والمملكة العربية السعودية بفي شأن لبنان، وإنما كانت هناك مناورات سياسية مستمرة من جانب «حزب الله» تضع لبنان دائماً على شفا الصراع. والمشكلة في لبنان لا تزال مؤجلة، وستستمر وتتوالى التعقيدات والأزمات فيه طالما ظل «حزب الله» يصادر إرادة كل القوى السياسية اللبنانية لمصلحة إرادته وحده، ويستعير من سادته في طهران الرغبة في الهيمنة على كامل العملية السياسية، وفرض الرأي بقوة السلاح والإرهاب. والموقف الإيجابي للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون من لبنان ينطلق من شعور بالمسؤولية ورغبة في استقرار هذا البلد العربي الشقيق، واحتواء الصراعات والشقاقات التي لا تتقن إيران غير صنعها في كل موضع تطاوله أذرعها. وفي ظل هذه الحقائق، لم يكن هناك تعاون مع إيران، ولا نتصور أنه ممكن في ظل الممارسات الإيرانية السلبية التي لا تتوقف ولا تهدأ وتيرتها.

هل يمكن أن يكون هناك تعاون مع إيران في اليمن؟ لقد استمرت المشكلة اليمنية قائمة منذ نشوب الاضطرابات عام 2011، ولكن، كانت هناك دائماً قدرة على كبح عوامل الصراع بفضل حرص دول الخليج على التدخل لدى الأطراف المختلفة ودعم الوصول إلى تفاهمات بينها، مع التعهد بالدعم الاقتصادي وتقديم المساعدات التي لم تتوقف يوماً. وعلى رغم تعقيد المشهد اليمني كان هناك مستوى معقول ومقبول من الالتزام يمكن البناء عليه، إلى أن تدخلت إيران عبر ذراعها الحوثي ليتحول الوضع إلى اعتداء على الشرعية واندفاع محموم نحو السيطرة على كامل اليمن باستخدام السلاح وحده، وفرض أمر واقع جديد، وهو ما أطاح كل الحلول السلمية المطروحة.

إن التعاون مع إيران التي خبرناها طوال أربعة عقود ليس أمراً ممكناً، فهي ليست طرفاً محايداً أو حتى طرفاً راغباً في إيجاد حل لأي من الاضطرابات التي تموج بها المنطقة، لأن إيران ببساطة هي أصل الداء ومكمنه، وهي الطرف الأكثر عدوانية وتطرفاً ورغبة في تفاقم الصراعات وتمددها. والمواقف الإيرانية الأخيرة في سورية تكشف عن امتعاض من وقف إطلاق النار ومحاولات لتقويضه، سواء من طريق الميليشيات الإيرانية أم الميليشيات التابعة لها مثل «حزب الله» والمرتزقة الذين جندتهم من بلدان مختلفة.

تستخدم إيران في خطابها الدعائي مصطلح «النفاق» وتتهم به أطرافاً ودولاً شتى، واللافت للنظر أن إيران تمثل أوضح الحالات لـ «النفاق» السياسي والأخلاقي وارتداء الأقنعة الزائفة وازدواجية الخطاب، ويكشف ذلك أن اتهاماتها للآخرين بالنفاق نموذج جلي لـ «الإسقاط» بمعناه النفسي المعروف. ولعبة «تبادل الأدوار» الإيرانية أصبحت لعبة قديمة لا تخدع أحداً، وليس مجدياً إطلاق تصريحات متناقضة لإظهار قسم من السلطة الإيرانية بصورة الاعتدال في مقابل إظهار قسم آخر بصورة التشدّد، ومن ثم إطلاق دعوات لدعم الاعتدال المزعوم ومكافأته حتى لا يقوى تيار التطرف والتشدد. وإذا كان هذا التكتيك نجح في ابتزاز العالم زمناً وأطلق قنابل دخانية غطت بها ممارساتها ومخططاتها، فإن العالم أصبح الآن أكثر تنبّهاً ووعياً بخرافة الاعتدال الإيراني ولعبة تقاسم الأدوار التي مارستها إيران طويلاً.

إن دول الخليج العربي لم تغلق يوماً باباً للحوار، وفي إطار واقعيتها السياسية وتعاملها مع الحقائق، فإنها تدرك أهمية التعاون لحل المشكلات واحتواء الصراعات، وهي تتعاون بالفعل مع أغلب دول العالم وتكــتلاته ومنـــظماته الكبرى في كثير من القضايا وتحتفظ بعلاقات وديــة قائمة على المصالح المتبادلة كأساس لهذا التعاون، لكن تصريحات محمد جواد ظريف في دافوس عن التعاون مع المملكة العربية السعودية غير مقبولة، ولا يمكن النظر إليها بجدية، والابتسامات الزائفة التي يتقنع ظريف بها لن تفلح في تجميل وجه إيران أو التعمية على مشروع الهيمنة القائم على نشر الفوضى في جوارها العربي.

نقلا عن جريدة الحياة اللندنية

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق