من يعوض الرموز الراحلة؟

السبت، 05 فبراير 2022 09:00 م
من يعوض الرموز الراحلة؟

ياسر رزق ووائل الإبراشي وعبد السلام المحجوب علامات فارقة في مجالاتهم.. وتعويضهم شبه مستحيل
 
خلال العامين الماضيين، رحل عدد كبير من الرموز المصرية في مختلف المجالات، ما بين الصحافة والسياسة والفن والرياضة، بعضهم بفعل تداعيات جائحة كورونا وبعضهم بفعل أمراض وأمور قدرية أخرى، إلا أن المشترك الثابت بينهم جميعاً، أنهم كانوا متفردين في مجالهم ولا مجال للعقل أن يتخيل بدلاء آخرين يحلون محلهم ولو بعد 10 سنوات من الآن. 
 
والعيب هنا مجهول، هل قصرت هذه الشخصيات في صناعة جيل لاحق يعوض غيابهم، أم أنهم لم يتخيلوا أنهم سيغيبون لحظة، أم أن العيب في الأجيال اللاحقة بهم والتي عاشرتهم  ولم تستفد منهم بالشكل الكافي والممكن.
 
هل لك أن تتخيل أنه بعد رحيل وائل الإبراشي سيأتي من بعده من يعوض مكانه ويملأ كرسيه أمام شاشة العاشرة، هل هناك من هذا الجيل الصحفي والإعلامي، من لديه المقومات الكافية لتسطير تاريخ مقارب لتاريخ وائل  الإبراشي، بداية من عمله في روز اليوسف كمحقق صحفي، ثم محقق تليفزيوني أولاً في برنامج الحقيقة، الذي كان يعده قبل أن يقدمه بنفسه، ومنه لبرنامج العاشرة مساء خلفاً للأستاذة منى الشاذلي، التي كانت تعرف بالعاشرة وكان أمام وائل الإبراشي رحمه الله تحدي كبير بأن يغير الصورة الذهنية للجمهور، وأن يجبرهم على تقبله بعد عشقهم لمنى على مدار سنوات قدمت فيهم البرنامج العريق. 
 
وبعد الأستاذ وائل الإبراشي لحق به رمز صحفي آخر، وهو الأستاذ ياسر رزق أبو الأخبار كمؤسسة وكفن صحفي، الرجل الذي قدم الكثير لمهنته ولم ينتظر منها شكراً ولا تقديراً، ولم يبتغ في مشواره كله سوى رضا الله ثم صاحبة الجلالة وأبنائها عليه، لم يكن يفرق رزق بين صحفي كبير وصغير يعامل الجميع سواء بحسن ولطف وأبوة غائبة عن كثيرين في هذا المجال وغيره من المجالات، شاهدت بأم عيني الأستاذ ياسر رزق يترك أوراقه جانباً ويستأذن من وزراء ومسئولين وينحني ليعيد ربط رابطة عنق لصحفي تحت التدريب بمؤسسة الأخبار، دون أن يأخذ أحد باله من ذلك، مما يؤكد أن الرجل لم يكن قاصداً يوماً لقطة يصفق له عليها ولا ثناء من أحد، بغض النظر عن زهده في المال والدنيا، ورده لبدلات جلسات مجلس إدارة الأخبار. 
ويعد اللواء محمد عبدالسلام المحجوب أبرز الشخصيات التي تركت بصمة واضحة في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، وتركتنا ورحلت الأسبوع الماضي. 
عرف باسم «الريس زكريا»، وسجلت له شوارع عروس البحر المتوسط إرثًا ليس بالهين من الإنجازات، حتى التصقت به صفة «مؤسس الإسكندرية الحديثة» بعدما استحالت المدينة فى عهده من مدينة ضائعة فى ذمة التاريخ إلى عروس البحر المتوسط من جديد، وبرزت حنكته فى العمل على إحياء المدينة.
ولد محمد عبدالسلام المحجوب بمحافظة الدقهلية عام 1935، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1955. تولى عدة مناصب، منها: ملحق عسكرى بعدد من السفارات المصرية بعدة دول، كما تولى منصب نائب رئيس الأمن القومى خلال الفترة بين 1992- 1994، ومحافظًا للإسماعيلية خلال الفترة بين 1994- 1997، ومحافظًا للإسكندرية خلال الفترة بين 1997- 2006، وعين وزيرًا للتنمية المحلية فى 2006 بناء على القرار الجمهورى الصادر فى 27 أغسطس من العام نفسه.
 كما كان يتولى منصب نائب مدير المخابرات العامة وقت محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا»، وهو من أصر على اصطحاب «مبارك» للسيارة المصفحة خلال الرحلة.
برز اسمه حينما تولى منصب محافظة الإسكندرية، باعتبارها ثانى أكبر مدن مصر خلال الفترة 9 يوليو 1997 ـ 28 أغسطس 2006، فانطلق فى بناء وصيانة عدد كبير من منشآت ومرافق المدينة العامة، ومنها كورنيش الإسكندرية بتصميمه الحديث، وكوبرى استانلى.
عبدالسلام المحجوب هو ضابط الحالة الخاصة بالجاسوس المصرى فى إسرائيل أحمد الهوان، أو «جمعة الشوان»، وجسد دوره بمسلسل «دموع فى عيون وقحة» الفنان صلاح قابيل.
 
 أكد «الهوان» فى أحد لقاءاته فى السبعينيات أن «الريس زكريا» هو اللواء محمد عبدالسلام المحجوب.. وعن دوره فى عملية تجنيده، قال «الشوان»: «عندما تركت السويس واتجهت إلى أثينا بحثًا عن عمل تقابلت مع المحجوب أو الريس زكريا، وأخبرنى أنه من محافظة دمياط ويبحث عن عمل، وعندما ضاقت بى الدنيا بأثينا، عرضت عليه شراء ساعتى كى آكل بثمنها، وبعدها حاول الموساد الإسرائيلى اصطيادى للعمل لصالحهم، فتوجهت إلى المخابرات المصرية لأخبرهم بما حدث معى، وهناك قابلت هذا الرجل، ففوجئت بأنه ضابط بالمخابرات المصرية، وأعاد لى الساعة التى اشتراها منى، وأصبح الضابط المسؤول عنى». يروى «الشوان» أن التحدى الأكبر الذى واجهه «المحجوب» فى عملية «جمعة الشوان» تمثل فى كيفية إدارة العملية من اليونان بعيدًا عن عيون عناصر الموساد، مشيرًا إلى وجود محطة تجسس للمخابرات الإسرائيلية هناك.
 
وعن عملية «جمعة الشوان» قال «المحجوب» فى غير لقاء إعلامى إنها تسببت فى إرباك جهاز «الموساد» لعدة سنوات، ودفعته إلى التخلص من العديد من عملائه المخلصين خشية أن يكون قد تم الدفع بهم من قبل المخابرات المصرية، كما أدى نجاح هذه العملية إلى تخلص «الموساد» من العديد من ضباطه وقادته أيضًا لفشلهم، وأرغمتهم على إعادة النظر فى كل الأساليب والتقنيات التى كانت تستخدمها المخابرات الإسرائيلية خاصة فى مجال الكشف عن الكذب. تولى «المحجوب» متابعة عملية تدمير «الحفار» الإسرائيلى، وعمل خلال تلك الفترة على تجنيد عدد كبير من ضباط الشرطة الأوروبيين.
كما قام بتسهيل شحن المتفجرات الخاصة بعملية الحفار عن طريق وضع الألغام والملابس والمعدات فى حقائب وتغطيتها بمادة لمنع أى أجهزة من كشف ما بداخلها، كما وضع أقلام التفجير داخل علبة أقلام أنيقة فى جيب «الجاكيت» الذى كان يرتديه. لم يتوقف دور المحجوب عن حد المتابعة، بل امتد إلى التنفيذ، وكان أحد ضباط المخابرات المصرية الذين سافروا إلى السنغال وباريس لتنفيذ عملية الحفار، حيث نجح المصريون فى تفجير حفار البترول «كنتينج» الذى اشترته إسرائيل لكى تنقب به عن البترول فى خليج السويس بعد نكسة 1967، لكن الضفادع البشرية المصرية نجحت فى تدميره أثناء توقفه بعاصمة ساحل العاج «أبيدجان» فى 28 مارس 1968 أثناء رحلته من كندا إلى إسرائيل بعد إعداد للعملية استمر عامًا كاملًا، لتمنع إسرائيل من تنفيذ خطتها الرامية إلى نهب الثروات البترولية وفرض سيادة أكبر على سيناء المحتلة آنذاك.
 
كما تولى العديد من الملفات الاستخباراتية، وارتبط اسمه بواحدة من أشهر عمليات جهاز المخابرات العامة المصرية؛ حيث قاد العملية المخابراتية التى أخرجت الزعيم الفلسطينى الراحل «ياسر عرفات» من بيروت فى الثمانينيات بعد أن حاصرتها إسرائيل بهدف اغتياله.
عمل على تخليص وتهريب العديد من أسر بعض المعارضين الليبيين، الذين كان يحتجزهم العقيد الليبى الراحل معمر القذافى كرهائن فى طرابلس للضغط على معارضيه فى القاهرة إبان حكم الرئيس السادات للعودة إلى ليبيا والتوقف عن مناهضة حكمه، وهى العملية التى ظلت محفورة فى ذاكرة القذافى، حتى إنه طلب فى إحدى زياراته لمصر بعد عدة سنوات رؤية ضابط المخابرات الذى تمكن من تهريب أسر معارضيه، وكان وقتها «محجوب» محافظًا للإسكندرية، وعندما قابله طلب منه أن يخبره عن الأسلوب المخابراتى الذى اتبعه لتخليص الرهائن وتهريبهم من ليبيا، لكنه اعتذر بلباقة عن عدم التحدث فى هذا الموضوع.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق