شريكة رقمية تضحك حين تطلب.. وتصمت حين تريد

السبت، 19 يوليو 2025 03:24 م
شريكة رقمية تضحك حين تطلب.. وتصمت حين تريد
عبد الحليم محمود

في «الحب في زمن الكوليرا» للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، انتظر فلورنتينو أريثا خمسين عامًا ليعود إلى فيرمينا داثا. خمسون عامًا من رسائل الشوق والخيبات الصغيرة، لكنه لم يقل لها يومًا: "لقد تعبت منك"، ولم تقل له يومًا: "انسَ أمري". كان الحب عنده رحلة طويلة من الصبر والانتظار والخوف، لكنه ظل حيًا.. دافئًا.. حقيقيًا.
 
أما نحن، فنعيش زمنًا مختلفًا تمامًا. زمنًا لم يعد فيه أحد ينتظر شيئًا. كل شيء صار سريعًا، حتى الحب.
 
اليوم تستطيع أن تصنع شريكتك بالذكاء الاصطناعي كما تصنع كوب القهوة: تختار شكل عينيها، نبرة صوتها، وحتى درجة الغيرة التي تريدها فيها. علاقة بلا دموع ولا عتاب، شريكة اصطناعية تضحك حين تطلب منها أن تضحك، وتصمت حين تطلب منها أن تصمت. أي نوع من الحب هذا؟.
 
وفي رواية «كلارا والشمس» للكاتب الياباني كازوو إيشيغورو، كانت الآلة الذكية “كلارا” تتأمل الشمس وتحاول أن تفهم الدفء. لكنها لم تعرف رعشة القلب حين ينتظر، ولا ارتعاشة اليد حين تكتب رسالة لحبيب غائب.
 
أما في فيلم «هي – Her» للمخرج سبايك جونز، أحب البطل صوتًا بلا جسد، نظام تشغيل ذكي اسمه “سامنثا” كان يواسي وحدته، يضحك معه، ويبكي معه.. أو هكذا ظن. لقد وجد حبيبة لا تغضب، لا تتأخر عن مكالمته، لا تعاتبه ولا تجرحه. لكنه اكتشف في النهاية أن الحب مع كائن بلا قلب.. ليس حبًا.
 
ربما صار الحب اليوم خفيفًا جدًا، هشًا كقطعة زجاج رقيق. علاقة قابلة للإلغاء، يمكن مسحها من الذاكرة كما تُمسح صورة لم تعجبنا. لم يعد أحد يتحمل وجع الاشتياق، ولا ثِقَل العاطفة، ولا صبر القلب على تقلباته.
 
في القرآن، الحب ليس شفرة برمجية ولا علاقة افتراضية. الحب الحقيقي مودة ورحمة، كما قال الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً.” المودة لا تأتيك من شاشة، والرحمة ليست خيارًا تضبطه في قائمة الإعدادات.
 
ربما نحن أبناء عصر يريد كل شيء سريعًا: الطعام، الترفيه، وحتى الحب. لكننا ننسى أن الحب الحقيقي لا يُبرمج، ولا يُمسح بضغط زر. الحب يحتاج قلبًا يخاف… ينتظر… ويتألم… لأن القلب الذي لا يعرف الألم، لا يعرف الحب.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة